بلا حليب ولا مأوى
أطفال السجون يدفعون ثمن ما اقترفه الأبوان

الصورة مأخوذة من موقع unsplash بتاريخ 13 حزيران 2021   تصوير: Denis Oliviera

ليلى أحمد

يقبع ثمانية أطفال، خمسة منهم إناث، مع أمهاتهم في سجن تسفيرات كركوك، في حين يرفض أقاربهم احتضانهم، بالرغم من الظروف النفسية والصحية المزرية التي يعانون منها.

تتراوح أعمار هؤلاء الأطفال ما بين سبعة أشهر الى 12 سنة، أمهاتهم تعرضن للاعتقال بتهم متعددة، منها السرقة، الاتجار بالمواد المخدرة والدعارة.

المكان الذي يقيم فيه الأطفال ليس ملائماً، حيث يُسمح لهم بالخروج من الغرفتين اللتين يعيشون فيها لمدة نصف ساعة فقط يومياً، هم بحاجة ماسة الى المأكل والملبس ولا تلتفت اية جهة حكومية لمشاكلهم.

تقول نسيم علي، وهو اسم مستعار لحماة واحدة من نزيلات سجن تسفيرات كركوك، "كنّتي جلبت العار لعائلتنا، حين اعتُقِلَت قبل تسع سنوات قررنا أن نتبرأ منها. منذ ذلك الحين، لم نزرها ولم نسمح لها برؤية أربعة من أطفالها، قصة كنّتي انتهت بالنسبة لنا."

كنّة نسيم أم لخمسة أطفال، تعتني حماتها بأربعة منهم، أما ابنتها البالغة من العمر 12 سنة فتمكث برفقتها، كان عمرها ثلاث سنوات حين اعتُقِلت والدتها.

كنّتي ارتكبت جرماً وأصبحت ابنتها ضحية بسببها

وقالت نسيم، "كنّتي وابنتها في السجن منذ تسع سنوات. كل ما نعرفه عنهما هو أنهما لا زالتا في السجن، كنّتي ارتكبت جرماً وأصبحت ابنتها ضحية بسببها.... لم نعد نريد تلك الفتاة... حتى أن عائلتها ترفض رؤية ابنتهم مجدداً."

kirkuknwe-1

جانب من مدينة كركوك  تصوير: كاروان الصالحي

لم تكشف نسيم عن جرم كنّتها، كما أنها لم تسمح بنشر اسمها الحقيقي، لكن على حد قولها فإن الحكم لم يصدر بعد بحق كنّتها، حيث قالت "طلبوا منا أن نقوم بكفالة كنّتي، لكننا و عائلتها رفضنا ذلك، لذا فهي لا زالت في السجن."  

احدى النزيلات الأخريات تقبع في السجن برفقة طفلها البالغ من العمر أربع سنوات، فبعد انفصالها عن زوجها لم تجد من يزورها أو يتولى رعاية طفلها.

ليلى علي، ابنة عم تلك المرأة قالت لـ(كركوك ناو) "مضى على ابنة عمي في السجن 11 شهراً بعد اتهامها بالسرقة ولم يتم حسم قضيتها بعد... في بداية اعتقالها، أخرجوا طفلها من السجن لبضعة أيام، لكن أحداً لم يبد استعداده لرعايته، لذا أعادوا الطفل الى السجن.. لا نعرف شيئاً عن وضع الطفل، لكن السجن لا يصلح لهؤلاء الأطفال."

إجمالاً، تشير احصائيات شرطة كركوك الى وجود ثمانية أطفال يعيشون مع أمهاتهم في قاعتين صغيرتين في سجن تسفيرات كركوك.

مساحة احدى القاعتين 60 متراً مربعاً والأخرى 12 مترا مربعاً، مخصصتان للنزيلات، ثمانية منهم يرافقهن أطفالهن.

وتقول الناشطة في مجال حقوق النساء والأطفال ومسؤولة فرع كركوك لاتحاد نساء كوردستان في كركوك زيان حميد، "السجن في حالة يُرثى لها، بعض جدران الغرف متهرئة و قذرة، المراحيض متداخلة مع الغرف، حتى أن بعض النزيلات يفترشن الأرض أمام المراحيض."

المراحيض متداخلة مع الغرف، حتى أن بعض النزيلات يفترشن الأرض أمام المراحيض

الأطفال موزعون مع أمهاتهم على هاتين الغرفتين. بحسب قرار شرطة كركوك، يُسمح للأطفال بالخروج الى باحة السجن لنصف ساعة فقط يومياً.

تقول زيان، وهي من بين الناشطات اللائي يتفقدن السجن بين فترة وأخرى، "يوجد ممر صغير فقط بين تلك الغرفتين حيث يتواجد فيه حراس السجن، جميعهم رجال ويتولون رقابة النساء."

amni. kirkuk (2)

كركوك/ 2021/ نقطة تفتيش تابعة للقوات الأمنية داخل مدينة كركوك   تصوير: كاروان الصالحي

شيرين أمين، اسم مستعار لنزيلة تتواجد في أحد غرف السجن برفقة طفلها ذو السبعة شهور أخبرت زيان حميد بأن "حالتهم سيئة جداً، وأن أعداداً أخرى من النزيلات تضاف الى الغرفتين تلك."

"في زيارتي السابقة، رأيت شيرين تضطر لوضع اللبن بدلاً من الحليب في قنينة حليب طفلها لكي يرضع..."، وأضافت زيان، "جرم تلك الامرأة لم يكن كبيراً لكي تعاني بهذه الصورة، لكن مشكلتها كانت تتمثل في عدم اكتراث ذويها لها و رفضهم تولي رعاية صغيرها لحين حسم قضيتها"، حسبما اشارت زيان.

 حسب المعلومات التي حصلت عليها (كركوك ناو) من اتحاد نساء كوردستان، النساء المحكومات بالسجن على خلفية جرائم تتعلق بالإتجار بالمواد المخدرة و الانخراط في عصابات الدعارة تم دمجهن مع اللائي ارتكبن جرائم أخف، بل يقضين فترة سجنهن في نفس المكان مع الأطفال الثمانية.

حول ذلك قالت زيان، "طلبنا مراراً من مديرية شرطة كركوك تخصيص مكان آخر للنساء المتواجدات رفقة أطفالهم، أو أن يتم فصلهن عن بعض حسب خطورة الجرائم التي ارتكبنها، لكن لا أحد يستمع لمطالبنا."

وتابعت قائلةً، "بصورة عامة، هؤلاء الأطفال لا يعرفون شيئاً عن الحياة وراء تلك القضبان، يعيشون في حالة نفسية مزرية، عندما نستدعيهم خلال زياراتنا يخافون ويهربون منا... يوجد جهاز تلفزيون وحيد لكلا الغرفتين ودائماً ما تُعرض قناة واحدة فقط لا صلة لها ببرامج الأطفال."

هؤلاء الأطفال لا يعرفون شيئاً عن الحياة وراء تلك القضبان، يعيشون في حالة نفسية مزرية

سجن التسفيرات خاص بالنساء اللائي يتم احتجازهن لمدة محددة لحين إصدار المحكمة قراراً بخصوص قضاياهم، لكن وفقاً لنساء تحدثت معهن الناشطة زيان حميد، فإن بعضهن قضين ما يقرب من 10 سنوات بانتظار صدور قرار من المحكمة، علماً بأن قسماً منهن متواجدات برفقة أطفالهن."

ولم تسمح شرطة كركوك لـ(كركوك ناو) بزيارة النزيلات.

لكن زيان حميد تقول "نحن نواظب على زيارة النساء والأطفال في ذلك السجن، حياة الأطفال هناك كارثية حقاً... فقد تم دمجهم مع عصابات الدعارة والمواد المخدرة، ويفتقرون الى مستلزمات الحياة اليومية."

عامر نوري، المتحدث باسم شرطة كركوك قال لـ(كركوك ناو) "ليس أمامنا سبيل لإنقاذ هؤلاء الأطفال، ذووهم يرفضون استقبالهم، ولا يمكن أن ندعهم يتشردون في الشارع، كما لا يوجد مركز خاص في كركوك لإيواء الأطفال المشردين."

وشدد عامر نوري على أن "السجن لا يصلح مطلقاً للأطفال، البعض من أقارب الأمهات يتولون راية الأطفال، لكن البعض الآخر ليسوا مستعدين حتى لزيارتهم."

تقوم شرطة كركوك عن طريق المتبرعين بتأمين بعض المستلزمات للأطفال مثل الحليب، الحفاظات، الطعام والملابس.

"وزارة العدل لا ترسل المواد الغذائية الخاصة بالأطفال الى مديريتنا، بل توفر الرز والمرق فقط، وأغلب الأطفال لا يستسيغون هذه الأطعمة ويحتاجون الى الحليب وبعض المواد الغذائية الأخرى"، حسبما قال المتحدث باسم شرطة كركوك.

يوجد في كركوك دار خاصة برعاية المشردين، لكنه يستقبل فقط الأطفال الذين فقدوا أحد الوالدين أو كليهما ولا يوجد من يتولى رعايتهم، لذا فإنه لا يستقبل الأطفال الثمانية الموجودين في سجن تسفيرات كركوك.

 واثق الجبوري، مدير دائرة العمل والشؤون الاجتماعية في كركوك قال لـ(كركوك ناو)، "شؤون الأطفال المسجونين ليس ضمن صلاحياتنا، لا نعرف ما هو وضعهم ولا يمكننا فعل شيء لهم أو رعايتهم."

جوان حسن، عضوة سابقة لمجلس محافظة كركوك و التي ترأست لجنة حقوق الانسان وشؤون الأطفال طوال 15 عاماً قالت لـ(كركوك ناو) "القانون سمح بمكوث هؤلاء الأطفال صحبة أمهاتهم، لكن لا توجد أية دائرة تحمل على عاتقها مهمة متابعة حياة هؤلاء الأطفال، حتى أن وزارتي العدل و الداخلية كجهتين معنيتين بالسجون تنأيان بنفسيهما  عن ملف هؤلاء الأطفال."

واضافت جوان، "في الوقت الحاضر وفي ظل تعليق البرلمان لعمل مجالس المحافظات، لا توجد جهة تتابع عمل الدوائر، وتلك مصيبة أخرى."

ولفتت الى أن "المشكلة الأكبر التي تواجه هؤلاء الأطفال هي بأنهم بانتظار مستقبل مجهول، وذلك لأن حسم قضايا أمهاتهم قد تأخر بسبب عدم وجود من يكفلهم أو يدلي بشهادات في قضاياهن."

قبل صدور قرار تعليق عمله أواخر عام 2019، طالب مجلس محافظة كركوك بفتح مركز خاص برعاية هؤلاء الأطفال خارج السجون، لكن وفقاً لجوان لم ينل مطلبهم القبول بحجة أن الأمر بحاجة الى صدور قانون.

حسب قانون إصلاح النزلاء والمودعين لعام 2018، يسمح ببقاء الاطفال الرضع في السجن مع أمهاتهم و يتم توفير حضانة للأطفال يشرف عليها طاقم من الموظفين المؤهلين يكون فيها الاطفال تحت رعايتهم عندما لا يكونون في رعاية أمهاتهم.

وقال آري جباري، محامي في محكمة كركوك، "بموجب القانون، يُسمح للأطفال بالبقاء مع امهاتهم حتى يبلغوا سن الخامسة."

حسب المادة 16 من اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليه منظمة الأمم المتحدة، يحق لكل طفل التمتع بالخصوصية. على القانون أن يحمي خصوصية الأطفال، وأن يحمي عائلاتهم وبيوتهم واتصالاتهم وسمعتهم من أي اعتداء.

تقول مسؤولة فرع كركوك لاتحاد نساء كوردستان بأنه مهما كانت القرارات والقوانين فإن حياة ثمانية أطفال في كركوك معرضة للخطر.

وتابعت قائلةً، "أمهاتهم على وشك فقدان القدرة على رعايتهم نتيجة للأوضاع النفسية التي يعشنها."

   

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT