التلوث يغيب زرقة دجلة والخوصر في الموصل

نينوى، 11 اب 2021، جانب من تلوث جانبي نهر الخوصر، تصوير شعلان الحيالي

ورود صالح – كركوك ناو

ليث يونس (24 عاماً)، يمتهن العطارة ابا عن جد، يحاول جاهداً مجاراة واقع الروائح الكريهة التي تطلقها السواقي التي تصب في نهر الخوصر قرب محله الواقع في الجانب الايسر من الموصل.

يمد يونس بصره كل صباح على امل ان يرى جمال الطبيعة، ولكنه يرى بديلا عنها تراكمات نفايات وفضلات ثقيلة ينقلها الخوصر إلى نهر دجلة.

الخوصر هو نهر صغير لا يتجاوز طوله 30 كم، ينبع من قضاء الشيخان شمال محافظة نينوى، يصب في نهر دجلة في مركز مدينة الموصل قرب الجسر (العتيق) ، وهو الآن جاف تقريبا ويستخدم مجراه لتصريف مياه الصرف الصحي بدون معالجة إلى نهر دجلة.

216467934_139900284925967_3288508132890789434_n
نينوى، 14 تموز 2021، جانب من نهر الخوصر داخل مدينة الموصل، تصوير وزارة البيئة

غياب شبكات الصرف الصحي

"سابقاً كنا نرى زرقة مياه النهر، لكن وبعد سيطرة تنظيم داعش عام 2014 برزت مشكلة تلوث مياه نهري الخوصر ودجلة في الموصل بالفضلات الثقيلة نتيجة ما تطرحه شبكات الصرف الصحي وما يتركه الأهالي من مخلفات البناء والنفايات على طرفي النهرين" يقول يونس.

 فيما ترى المهندسة الزراعية ساجدة صابر ان "معاناة دجلة والخوصر لا تتوقف عند هذا الحد وانما هناك ملوثات اخرى منها فضلات الحيوانات التي تطرح فيهما وبقايا البناء الاسمنتية والحديدية ومختلف المواد البلاستيكية التي يتركها السكان على جرفيهما".

وتشير إلى ان السبب الأكبر للتلوث هو "غياب شبكات الصرف الصحي للمناطق السكنية التي يمر خلالهما نهري الخوصر ودجلة، و يصب سكان هذه المناطق المياه الثقيلة الناتجة عن استخداماتهم اليومية في مجرى النهرين بدون تصفية".

السبب الأكبر للتلوث هو غياب شبكات الصرف الصحي للمناطق السكنية التي يمر خلالهما نهري الخوصر ودجلة

وحول زيادة نسبة التلوث تقول صابر "هناك من يعتقد أن النهر يتعافى من الملوثات من خلال جريانه المستمر بخاصة في مواسم الأمطار، الا ان نهري دجلة والخوصر يعانيان حاليا من شحة المياه كل عام".

ونتيجة هذه الشحة فإن تعافي النهر بصورة طبيعية "غير صحيح"، حسب رأي صابر وتعلل ذلك لكثرة الملوثات وتنوعها بين "عضوية وكيماوية وصلبة".

وفي ظل غياب التخطيط والتوسع العمراني المستمر، بات تحول النهران وسواقيهما الى مجرى للمياه الثقيلة الخاصة ببعض الأحياء المجاورة التي اصبحت أكبر ملوث لمياه دجلة، توضح صابر.

تقول دراسات اجرتها كلية البيئة في جامعة الموصل ان مياه الأنهر الجارية وبخاصة الكبيرة منها، تعد مياهاً خاماً، كونها تأتي من مصبات لم تختلط مع الملوثات الكيماوية والعضوية، أو اختلطت معها بنسب محدودة جداً تمكن معالجتها في محطات التنقية.

وحسب الدراسة التي اطلع عليه (كركوك ناو) ان وضع نهر دجلة مختلف، حيث "تحمل مياه دجلة قبل دخول الموصل 3 إلى 5 ملليغرامات من الملوثات العضوية لكل ليتر، وتغادرها بمقدار يفوق الـ100 ملليغرام لكل ليتر".

 في الوقت الذي يقدر فيه نسبة التلوث العالمية بـ5 ملليغرامات لليتر كحد أقصى، وإذا زادت النسبة عن هذا الرقم يتحول تصنيف المياه إلى مياه "ملوثة".

1628690053486
نينوى، 11 اب 2021، جانب من مجرى نهر الخوصر، تصوير شعلان الحيالي 

المشكلة تعود الى القرن الماضي

على الرغم من ان نسبة الاضرار التي لحقت بشبكات التصريف الصحي بعد استعادة الموصل من سيطرة داعش تقارب الـ 30%، الا ان المشكلة في مجاري الموصل تعود الى القرن الماضي حسب ما ذكره المهندس احمد حامد معاون مدير مجاري الموصل.

"شبكات الصرف الصحي قديمة في الموصل تعود الى الخمسينيات من القرن الماضي، وهي تغطي نطاق ضيق ومحدود من المجمعات السكنية" يقول حامد لـ(كركوك ناو).

شبكات الصرف الصحي قديمة في الموصل تعود الى الخمسينيات من القرن الماضي، وهي تغطي نطاق ضيق ومحدود من المجمعات السكنية

ونظام تصريف المياه الثقيلة في الموصل صمم بطريقة بريطانية وهو قديم نوعا ما، أما في البيوت فيتم حفر حفرة "قسطل" بعمق معين وعرض وتبنى على جوانبها قطع من الطابوق وتترك من الأسفل دون رصف، ليتم ترشيح المياه في التربة.

وبعد فترة من الزمن تتجمع الفضلات الصلبة التي يتم سحبها بواسطة عجلات مخصصة، ثم رميها إلى خارج المدينة أو أماكن معالجة للاستفادة منها.

إلا أن هذا الأمر لا يجري على جميع أحياء الموصل البالغ عددها 183حيّاً، إذ إن تسع مناطق سكنية في المدينة تصرف مياه البيوت الثقيلة الى شبكة المجاري وبالتالي الى النهر، مثل اليرموك والمنصور والحدباء والدركزلية ودوميز العربي والجزائر والتحرير وحي الزهراء.

وحتى هذه الشبكات بحاجة إلى عمليات صيانة وتنظيف، حسب راي معاون مدير المجاري نتيجة ما تجرفه الشبكات من النفايات التي تؤدي إلى انسدادها وتتسبب بعدها بمخاطر بيئية.

ولفت إلى هناك حاليا مشاريع لانشاء شبكات الصرف الصحي جديدة، الا ان تنفيذها سيكون على مراحل متتالية وستشمل مناطق أعم وأوسع من المدينة.

7643bcaa-dc78-4375-9e19-e371c383d831
نينوى، اب 2021، احدى انابيب تفريغ المياه الثقيلة إلى نهر دجلة، تصوير شعلان الحيالي

الحاجة إلى محطات تصفية متطورة

ولا تقتصر المشكلة على شبكات الصرف الصحي فقط، انما هناك نقص في محطات المعالجة المركزية التي لا تعمل كما يجب حسب قول معاون مدير مجاري نينوى.

هذه المحطات تقوم بإزالة الشوائب والبكتريا الضارة من المياه الثقيلة القادمة من شبكات الصرف الصحي، وتحولها الى مياه صديقة البيئة ونظيفة.

"ما نحتاجه حقا هو محطات معالجة حديثة ومتطورة لتقليل المواد الضارة وازالتها من المياه الثقيلة، حتى يتم طرحها إلى النهر بشكل أمن وسليم"، يقول حامد، وطالب بابدال جميع محطات نينوى "بالكامل".

ما نحتاجه حقا هو محطات معالجة حديثة ومتطورة لتقليل المواد الضارة وازالتها من المياه الثقيلة

وترى المهندسة ساجدة صابر انه " ومع غياب الاجهزة الحديثة وشبكات الصرف الصحي، فلا حل امام الاهالي في الوقت الحالي سوى تحويل هذه المصبات بعيدا عن مجرى النهرين وانشاء شبكة مجاري خاصة بهم".

وتضيف "ان ما نحتاج اليه حقا هو حملات توعية ضخمة للأهالي تعطيهم فكرة حقيقية عما يوجهوه من تلوث الذي يكبر يوما بعد يوم، واذا استمر الامر على ما هو عليه قد تصبح المدينة غير قابلة للعيش فيها".

 

 

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT