في منطقة مضطربة تتأجج فيها الصراعات المذهبية والقومية، ليس من السهل مزاولة مهنة الصحافة، والمهمة تكون أصعب بالنسبة لصحفية تواجه تهديدات بالقتل. ما حصل لي ولمصوري في خانقين أصابنا بصدمة وخوف كبير لم يزل تأثيره عنا لحد اللحظة.
اسمي مروة كلهوري، عمري 27 سنة، أعمل مراسلة و مسؤولة مكتب خانقين لقناة الإشراق الفضائية وأنا أول امرأة صحفية في خانقين أظهر على الشاشة منذ ست سنوات.
أمتهن الصحافة منذ عام 2015، في بادئ الأمر كنت أعمل في قناة (كلي كوردستان) الفضائية في السليمانية، كنت أقدم برنامجاً تلفزيونياً باللهجة الكلهورية، بعدها باشرت العمل كمذيعة في راديو (المدنية) في خانقين، تركت العمل في تلك القناتين لهدم حصولي على راتب مناسب ومنتظم، حيث كانوا يعطوننا راتباً قليلاً مرة كل شهرين.
في عام 2018 اضطررت للعمل في قناة الإشراق الفضائية، وأنا الآن مسؤولة مكتب القناة في خانقين. قناة الإشراق تابعة لاتحاد القنوات التلفزيونية والإذاعات العراقية، وهي مملوكة من قبل الأحزاب الشيعية في العراق وأغلب برامجها تبث باللهجة الكلهورية، كما أن لديها مكتب رئيسي في بغداد.
تهديدات بالقتل
في شهر ايار 2021، توجهت مروة رفقة اثنين من المصورين الى بساتين خانقين بغية إجراء عمل صحفي، فكرة العمل كانت تتمحور حول أسباب حرق و تجريف البساتين ومن هم المسؤولون عن ذلك ومدى الضرر الذي لحق بالمزارعين.
"في الساعة العاشرة من صباح يوم 27 أيار، أنهينا المقابلات، أعددنا تقريراً مفصلاً، التقطنا الصور ومقاطع الفيديو المطلوبة وعدنا الى المكتب دون مشاكل"، وتضيف مروة "ما أن عدنا الى المكتب، نشرت بعض الصور الخاصة بإعداد التقرير وفريق العمل وكتبت عليها: عملنا هو عن تجريف بساتين خانقين، بعض الأحزاب والجهات تقوم بإزالة البساتين... سرعان ما شاهدت صوري الخاصة منشورة على عدة صفحات وحسابات مرفقة بعبارات تشهير وإهانات، كأن الأمر كان مدبراً له."
حساب على شبكة فيسبوك باسم (فساد حيتان ديالى) نشر في 28 أيار –اليوم الذي تلى إعداد التقرير- صورتين لمروة وأرفقها بهذه العبارات باللهجة العامية "الاعلامية مروة كلهر صح كل يوم بقناة لكن كدرت تضحك على الأحزاب الكردية في خانقين وكل الضباط و المسؤولين تضحك عليهم وأولهم القائم مقام، تحية لبنت خانقين، طيحي حظهم."
مروة اعتبرت ذلك المنشور إهانة لها وتحريضاً للناس لمعاداتها وتقول "لم أضحك على أي شخص أو جهة معينة بل أديت ما يقتضيه عملي الصحفي، ثم لماذا ينشرون صوري الخاصة."
تقول مروة بأنها أصيبت بحالة من القلق والاضطراب ولم تكن تعرف ماذا تفعل، لكن بعد ساعات زادت المخاطر عليها وعلى فريق عملها بعد أن تلقى علي محسن أحد المصورَين اللذَين رافقا مروة كلهوري رسالة نصية من هاتف مجهول (تحتفظ كركوك ناو برقم الهاتف).
الرسالة التي كتبت باللهجة العامية وحوت على بعض الأخطاء تقول "اسمع لك خاين المذهب هذا انذار الك ترك المكان العمل بـ 3 ايام إذا ما نفذت راح تصير عن وعد الله حق وتضيع جذتك (جثتك) فهمت يا عميل أحزاب الكوردية". بعد رؤية الرسالة، شعرت مروة كلهوري بالصدمة وانتابها وفريق عملها الخوف، بدأت تفكر في ما يجب أن تفعله كمسؤولة لمكتب القناة من أجل حماية نفسها و فريق عملها.
قررنا أخذ الحيطة لفترة، قررنا أي يقتصر خروجنا للمهام الصحفية لمناطق محدودة فقط وابلغنا أهالينا عن الأمر وفي اليوم التالي أطلعنا مكتبنا الرئيسي في بغداد عما حدث."
التهديدات بثت الرعب بين عوائلنا فكانوا أيضاً يراقبوننا من أجل حمايتنا. المسؤولون في القناة قرروا تقليل تحركاتهم لفترة واللجوء الى الشرطة والقضاء، "لكننا كنا نشعر بالخوف في كل ثانية من التعرض للقتل."
بالرغم من أن قناة الإشراق الفضائية ابدت استعدادها لتأمين حراس لنا، لكننا رفضنا ذلك لأننا كنا نرى بأن ذلك سيؤثر سلباً علينا وعلى عملنا."
السبيل الأمثل بالنسبة لنا كان اللجوء الى الشرطة لكي تحمينا وتعثر على أولئك الأشخاص الذين يهددون بقتلنا. لذا قدمنا إفاداتنا في مركز شرطة آزادي وأعطيناهم رقم الهاتف وحسابات مواقع التواصل التي تلقينا من خلالها التهديدات والإهانات.
"نحن بانتظار نتائج تحقيقات الشرطة والمحاكم فيما يخص رقم الهاتف وكذلك صوري الخاصة التي نشرت على شبكات التواصل الاجتماعي والإهانات التي تلقيناها"، حسبما أوضحت مروة.
تقول مروة بأن الشرطة أحالت قضيتها الى المحكمة كقضية خاصة بتهديد الصحفيين، وتضيف "تشير آخر المعلومات الى أن المحكمة طلبت من شركة آسيا سيل للاتصالات، إبلاغ المحكمة بهوية صاحب رقم الهاتف، لكن المحكمة لم تحصل بعد على رد من الشركة."
المحكمة طلبت من شركة آسيا سيل للاتصالات، إبلاغ المحكمة بهوية صاحب رقم الهاتف، لكن المحكمة لم تحصل بعد على رد من الشركة
قضاء خانقين شمالي ديالى، منطقة متنازعة عليها بين الحكومة المركزية وحكومة اقليم كوردستان، وتعتبر من المناطق التي تعاني من تضييق حرية العمل الصحفي فيها، وكما شددت مروة فإن "العديد من المشاكل والعقبات تعترض طريق الصحفيين."
تقول مروة "نعتقد بأن الهدف من تلك الضغوط، ترهيب الصحفيين وإيقافهم عن العمل لكي لا يكونوا رقباء عليهم... لكن رغم تلك العراقيل والضغوط فأنا مستمرة في عملي... ينتابني شعور خاص كوني استطعت خدمة مدينتي واللهجة الكلهورية في عالم الصحافة."
الصحافة شغفي منذ الطفولة، حين كنت صغيرة اشاهد النساء يقدمن البرامج التلفزيونية كنت أتكنى أن أظهر في يوم من الأيام على شاشة التلفزيون. رغم أن حلمي قد تحقق وأعمل بشغف، لكن التهديدات والاهانات توشك أن تفسد علي حلمي.