تشتهر مدينة الموصل بعادات وتقاليد تميزها عن غيرها من المدن العراقية الاخرى ومن بينها احتواء المنازل الموصلية على مكان لخزن المونة او ما يطلق عليه محليا بـ"بيت الموني".
هو بناء يبنى تحت المنازل داخل الارض يستخدمه اهالي الموصل لتخزين مؤنتهم من الطعام التي تتوفر بكثرة في موسم وتقل او تنعدم في الموسم الذي يليه، بطريقة خاصة.
لكن عادة الخزن التي اشتهر بها سكان المدينة بدأت بتلاشي نتيجة التطور التكنولوجي من جهة وتدهور الوضع الاقتصادي للأهالي من جهة اخرى.
سناء عبد المجيد وكنيتها ام علي، المتقاعدة في الستينيات من العمر تقول بأن بيت الموني ما يزال موجود في بيتها الكائن في منطقة الموصل الجديدة ويمتلئ بالأغذية والبقوليات من جميع الأصناف.
خزن الطعام بطرق مختلفة
المدينة التي تقع في حوض نهر دجلة كانت تعتبر سلة خبز العراق لما تنتجه من كميات هائلة من محاصيل الحنطة والشعير والحبوب.
ويستغل سكان المدينة هذه الوفرة بعمل "السليقة" وهي سلق الحنطة في قدر كبير الحجم نسبيا ثم يقومون بنشر الحنطة على أسطح منازلهم لتجف ثم تخزن في "بيت موني"، ونفس الحال مع البرغل والمدقوقة والحبية، حسب قول ام علي.
حتى اللحم يكبس بالملح ثم يوضع في "البغنيي" (وعاء كبير من الفخار) ويخزن بدون تبريد لغاية فصل الشتاء توضح ام علي.
وتضيف ان "وقت ملئ بيت الموني في نهاية موسم الحصاد كان احتفالا موسميا لجميع سكان الموصل".
ويبنى "بيت الموني" اسفل المنازل ويقع تحت مستوى الارض ويتميز بارتفاعه منخفض، واحيانا يكون على شكل قوس من اجل تحمل وزن البيت الذي يبنى فوقه.
يختفي شيئا فشيئا
هذا الاحتفال الموسمي اختفى شيئا فشيئا مع تطور الحياة ودخول تكنلوجيا التبريد الى منازل الموصل ولكن تدهور الوضع الاقتصادي له يد في ذلك، حسب قول الخبير الاقتصادي ادريس رمضان والذي يعمل في جامعة "البيان".
ويعزو الخبير سبب تخلي اهل الموصل عن عادة التخزين الى "تدهور الوضع الاقتصادي للمدينة وانخفاض قدرة السكان الشرائية بعد الويلات التي عصفت بها واخرها سيطرة تنظيم داعش على المدينة عام 2014".
"الظروف المتردية لمحافظة نينوى بشكل عام هي من جعلت الناس يعتمدون في قوتهم على الاحتياج اليومي فقط ولا يستطيعون تخزين منه شي" يقول رمضان.
وسيطر تنظيم الدولة "داعش" على مدينة الموصل في حزيران 2014، لغاية تموز 2017، وقبل هذه الحقبة وبعدها عانت المدينة من وضع اقتصادي صعب.
استخدم في الحروب والحصار
المؤرخ الدكتور نكتل عبد الهادي التدريسي في جامعة الموصل يرجع زمن استحداث "بيت الموني" في المنازل الموصلية الى حقبة "الغزو" الذي تعرضت له مدينة الموصل من قبل القائد الفارسي نادر شاه ابان الاعوام 1774 و1777 ميلادية والحصار الذي عانت منه المدينة في فترات لاحقة.
"لجأ سكان الموصل الى تخزين طعامهم وابتكار طرق تجعله محفوظا لاطول وقت ممكن دون تلف، بسبب كثرة الحروب التي تعرضت لها مدينة الموصل قديما نتيجة موقعها الجغرافي ولما تتمتع به من خصائص مما جعلها محط اطماع الغزاة" يوضح المؤرخ.
ويضيف ان "عادة التخزين لدى سكان الموصل اصبحت متوارثة من جيل لاخر حتى في اوقات السلم".
عادة التخزين والحرص المبالغ فيه جعلت سكان باقي المناطق ينظرون الى اهل الموصل على انهم "بخلاء" بحسب المؤرخ نكتل عبد الهادي، واعتبرها نظرة "خاطئة لا تمت لسكان المدينة بصلة".
اذ ان الظروف التي احاطت باهل هذه المدينة والكوارث التي حلت بهم جعلت منهم اكثر حرصا على مؤنتهم خشية التعرض للمجاعة في اوقات الحروب.
اما الخبير الاقتصادي ادريس رمضان فيؤكد على ان هذه العادة التي توارثتها الاجيال هي من باب الحرص على حياتهم، وانه سيبقى لها الاثر في الاجيال اللاحقة حتى وان أفل نجمها في السنوات القليلة الماضية.