وقف عادل بجوار زوجته الراقدة على سرير المستشفى، ناداها بصوت خافت عدة مرات: هناء... هناء، لكنها كانت جسداً هامداً لا يقدر على الحراك، فغادر الردهة واليأس يعتريه ولم يعد بعدها.
حسب أقوال ذوي هناء والأشخاص الذين تواجدوا في المستشفى في ذلك اليوم، لم يروا عادل يشعر بمثل ذلك الاحباط طوال الاسبوعين الذين كانت زوجته تتلقى فيهما العلاج.
"أصبح كالمجنون، في حوالي الساعة 11 قبل الظهر توجه الى الردهة ونادى هناء بصوت حزين وخافت، لكن هناء كانت قد فقدت القدرة على الحركة والنطق والأكل، كانت بحالة سيئة جداً"، حسبما قالت والدة هناء، نارو بيبو، لـ(كركوك ناو).
حرص عادل على البقاء في المستشفى في تلك الفترة، كان دائماً ما يتنقل بين أجنحة وباحة المستشفى والأزقة القريبة من المستشفى، لم يكن يريد أن يرى هناء بتلك الحالة.
نُقِلت هناء الى المستشفى بعد اصابتها بحروق، وهناك تبين بأنها مصابة ايضاً بفيروس كورونا، الأمر الذي جعل حياتها في خطر أكبر.
تقارير الأطباء و التحاليل المختبرية لم تحمل في طياتها بصيص أمل لبقائها على قيد الحياة، وذلك ما أثبط عزيمة عادل بالكامل.
واسيناه وقلنا له بأن يتحلى بالصبر وبأنها ستشفى وتعود الى بيتها
"فقد عادل صوابه، ... نصحناه كثيراً، واسيناه وقلنا له بأن يتحلى بالصبر وبأنها ستشفى وتعود الى بيتها"، هكذا تحدث حسين علي، والد هناء، لـ(كركوك ناو).
في الساعة الثانية من بعد ظهر يوم 30 آب 2021، في مكان قريب من مستشفى دهوك للحروق ، حيث كانت هناء تتلقى العلاج، أقدم عادل علي (22 سنة) على "شنق نفسه"، منهياً حياته.
"قبل دقائق من الحادث، تحدثت بالهاتف مع عادل وقلت له بأن حالة هناء الصحية متدهورة، أحسست من نبرة صوته بالضيق و الحزن الذي أصابه، قلت له بأن لا يحزن وبأن الله سيشفيها، بعدها أنهينا المكالمة وعلمت بأنه شنق نفسه في ذلك اليوم"، حسبما قال شاكر علي، شقيق عادل، لـ(كركوك ناو).
يقول شاكر بأنه ذهب ذلك اليوم لزيارة هناء في المستشفى وهناك أخبرته الشرطة بأن شقيقه قد "شنق نفسه"، وطلبوا منه التوجه الى دائرة الطب العدلي لاستلام جثمانه.
الشرطة وصفت الحادث في بيان بـ "انتحار بالشنق" لكن (كركوك ناو) لم تتمكن من أخذ تصريح من الشرطة للحصول على معلومات أوفى.
عادل علي "شنق نفسه" باستخدام حبل علق بجسر للمشاة بالقرب من مستشفى دهوك.
عادل و هناء وابنهما البالغ من العمر سنتين تصوير: أُرسٍلت الى (كركوك ناو) من قبل أسرة عادل
تقول والدة هناء، "اليوم الذي دخل فيه عادل الى غرفة هناء كان آخر مرة أراه فيها، بعد عدة ساعات قالوا بأنه انتحر."
هناء حسين (17 سنة)، تعرضت لحادث في منتصف شهر حزيران الماضي تسبب بإصابة أجزاء من جسدها بحروق، وكانت قد تلقت العلاج في منزلها طوال شهرين، لن وضعها الصحي تدهور بصورة كبيرة لذا نُقِلت الى المستشفى، وبعد إجراء الفحوص، اتضح بأنها مصابة بفيروس كورونا.
"في 15 حزيران، ذهبنا مع هناء وعادل الى مزرعة أبي، كنا نعمل هناك، فجأة سمعنا صوت صراخ هناء، توجهنا اليها فرأيناها تحترق وقد اشتعلت النار في ملابسها، صببنا الماء بسرعة عليها وأخمدنا النار"، على حد قول شقيق عادل.
أَحبَّ ابنتي وقبلت بزواجهما، كانوا سعداء جداً ولم تكن بينهم أية مشاكل
وأوضح شاكر بأن هناء كانت قد جمعت بعض الحشائش اليابسة وأرادت حرقها، "بدل النفط، استخدمت عبوة تحوي على البنزين وصبته على الحشائش اليابسة، ونظراً لأنها كانت قريبة منها، اشتعلت النار في ملابسها."
وقال شاكر بأن نسبة الحروق التي أصابتها لم تكن كبيرة، لذا قدموا لها العلاج بالأدوية والأعشاب الطبيعية في المنزل، وأضاف "بعد شهرين التأمت حروقها، لكن حالتها الصحية لم تكن جيدة بصورة عامة، لذا أخذناها الى مستشفى دهوك للحروق وهناك علمنا بأنها مصابة بكورونا."
تبين في المستشفى بأن نسبة حروق هناء كانت 30 بالمائة.
يقع بستان والد عادل في مجمع مهته بقضاء شيخان، بعد هجمات داعش في عام 2014 نزحت أسرة عادل من مجمع دوكري التابع لقضاء سنجار الى شيخان، لكن هناء و عادل اختارا العيش في ناحية باعدرة.
يقول والد هناء، "لا تربطنا صلات قرابة مع اسرة عادل، تعرفنا على بعضنا خلال النزوح، أَحبَّ ابنتي وقبلت بزواجهما، كانوا سعداء جداً ولم تكن بينهم أية مشاكل."
تزوجت هناء، وهي نازحة من أهالي مجمع كوهبل التابع لسنجار، بـ(عادل) في عام 2019 عن علاقة حب، ورُزِقا بطفل بلغ الثانية من عمره.
"مناعة هناء كانت ضعيفة جداً، ربما بسبب الحروق التي أصابتها، لم تكن تأكل بالشكل اللازم منذ البداية، إصابتها بكورونا قضت عليها، حتى فارقت الحياة في الساعة 4 من فجر يوم الثلاثاء، 31 آب 2021 في المستشفى،" كما قالت والدة هناء.
تلك هي المرة الثانية التي يغيّب فيها الموت فلذات أكباد نارو بيبو، حيث فقدت ابنةً أخرى لها في سن العاشرة بسبب سقوط جدار عليها. تقول نارو باكية بأنها كانت تعتبر صهرها عادل كأحد أبنائها لذا فقد حزنت كثيراً على موته، "كنت أعرف مدى حبه لهناء."
يوم واحد فقط فصل بين موت كل من هناء و عادل.
يقول شقيق عادل، "تدهورت صحة هناء كثيراً بعد إصابتها بكورونا... في 31 آب، أي بعد يوم من موت عادل، فارقت هناء الحياة."
دفن عادل في مقبرة ميرا بسنجار، أما زوجته هناء دفنت في مزار شرف الدين في نفس القضاء.
