يتعرض الناشطون المدنيون و الصحفيون في قضاء خانقين بمحافظة ديالى الى حملة لـ"تكميم الأفواه" من خلال تسجيل دعاوى قضائية عليهم وسوقهم للمحاكم وتعرضهم للاعتقال بسبب الانتقادات التي يوجهونها على شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام وتنظيمهم للتجمعات الاحتجاجية.
هذه الحملة التي بدأت مطلع عام 2020 واشتدت وفقاً للإحصائيات، تتزامن مع تصاعد احتجاجات المواطنين والناشطين المدنيين ضد إدارة قضاء خانقين بسبب انتقادهم لـ"سوء الادارة وقلة الخدمات الأساسية."
سرور علي، أحد نشطاء خانقين مثُل أمام المحكمة منتصف عام 2020، وذلك بعدما طالب دائرة صحة القضاء بعدم إخفاء احصائيات الوفيات جراء كورونا.
ورأي سرور بأن "دائرة صحة خانقين تخفي أرقام الاصابات والوفيات بكورونا"، وطالبها بأن تكون "صادقة" مع سكان خانقين. "فعلت ذلك من أجل سلامة أرواح المواطنين وكوادر المستشفى لكي يكون الناس و العاملون في المستشفى بأمن من ذلك الوباء."
مواجهته لمسؤولي دائرة الصحة كانت السبب وراء تسجيل دعوى قضائية عليه واتهامه بالسعي لـ"مهاجمة" الدوائر الحكومية.
الهدف من وراء جميع تلك الدعاوى التي تسجل ضد صحفيي وناشطي خانقين هو تكميم الأفواه وتضييق حرية التعبير
على خلفية تلك الدعوى القضائية، تم توقيف سرور علي لساعتين قبل أن يطلق سراحه بكفالة.
في تموز من هذا العام، حسمت محكمة خانقين القضية لصالح سرور علي، لكن سرور ليس سعيداً ويقول "الهدف من وراء جميع تلك الدعاوى التي تسجل ضد صحفيي وناشطي خانقين هو تكميم الأفواه وتضييق حرية التعبير."
تلك لم تكن الدعوى الأولى التي تسجل ضده بسبب انتقاداته، ففي نهاية شهر ايلول الماضي، قيدت نقابة المحامين في العراق/ فرع خانقين، دعوى ضده بتهمة "التشهير".
وجاءت الدعوى على خلفية منشور في مجموعة على شبكة فيسبوك تضم 80 ألف مشترك يشرف عليها سرور علي.
المنشور انتقد أداء المحكمة وبعض المحامين، من حيث التلكؤ في تسيير معاملات المواطنين وعدم ارتداء الزي الخاص بالمحامين في جلسات المحكمة.
وقال سرور "كتب أحد شيئاً في التعليقات وقام بالتشهير بشخص وحدثت مشادة كلامية بينهما، الدعوى نصت على أنني ساعدت في نشر تلك الانتقادات والشتائم"، وأضاف "بعد أن تحدثت مع المحامين اتفقنا على أن أنشر اعتذاراَ أوضح فيه بأن تلك التعليقات لا تعبر عن رأيي، لكنني لم أكن مستعداً لحذف المنشور... بسبب الاعتذار، سحب المحامون الدعوى المسجلة ضدي."
حول سبب عدم حذفه للمنشور، قال سرور علي، "المنشور كان انتقادياً، لم يحتوي على أي تشهير أو إهانة لأي أحد، لذا لم أكن مستعداً لحذفه، في المقابل لم تكن لديهم مشكلة مع المنشور لكنهم اشتكوا من التعليقات التي كتبت حول الموضوع."
"ما يقوم به الناشطون والصحفيون في خانقين هو في سبيل الحق العام و تقديم خدمات افضل للناس، لكن الحكومة تتعامل معنا بهذه الصورة"، يقول سرور.
سلام عبدالله، ناشط آخر في خانقين، قال لـ(كركوك ناو)، "يتعرض العديد من زملائي الناشطين والصحفيين للمشاكل والعراقيل والاعتقال من قبل القوات الأمنية، بناءً على شكاوى مقدمة من الدوائر الحكومية ومسؤولي الأحزاب... نعتقد بأن الهدف من كل ذلك هو إسكاتنا."
وفقاً لإحصائية للناشطين وفرع خانقين لنقابة صحفيي كوردستان، منذ مطلع عام 2020 لغاية أواخر أيلول 2021 ، أُحيل سبعة ناشطين وصحفيين على الأقل للمحاكم.
جميع الدعاوى سُجلت من قبل النقابات والدوائر الحكومية ومسؤولين في الأحزاب، واستندت تلك الدعاوى الى المواد 433 و 435 من قانون العقوبات العراقي.
وتخص هاتان المادتان التشهير والاهانة عن طريق المكالمات الهاتفية، أو وسائل الاعلام، وفي حال ثبوت التهم يتم معاقبة المتهم بدفع غرامة مالية والسجن.
يقول مراد علي، صحفي في خانقين بأن الدعاوى القضائية التي تسجل ضد الصحفيين تتعلق بالانتقادات وتنظيم الاحتجاجات ضد نقص المياه، الكهرباء، حرق البساتين وتحويلها الى وحدات سكنية، "هذه حقوق عامة ولا يجب أجبار الناشطين على السكوت بشأنها."
لم تطل الدعاوى القضائية مراد علي خلال العامين الماضيين، لكنه تعرض للتوقيف لـ27 ساعة بسبب نشره مقالة ضد بلدية خانقين في صحيفة روزي نوى (اليوم الجديد) في حزيران 2013.
روزي نوي صحيفة نقدية محلية كانت تصدر في خانقين، وقد توقف إصدارها بسبب تراجع الاقبال على وسائل الاعلام المكتوبة.
يقول مراد، "كتبوا في ملف الدعوى بأن مراد علي كاسب وليس صحفياً، في حين كنت عضواً في نقابة صحفيي كوردستان."
"حين حقق القاضي معي أظهرت له هوية نقابة الصحفيين، عيّنت النقابة محامياً لي وأفرجوا عني وفزت بالقضية في المحكمة"، حسب مراد.
تعليماتنا لجميع القوات الأمنية تشدد على ضرورة التعامل بصورة لائقة مع الصحفيين والناشطين
لكن المشكلة الكبرى التي تواجه صحفيي خانقين، حسبما يقول مراد، تتمثل في عدم تمكنهم من الوصول الى المعلومات بسهولة، متهمين القوات الأمنية والدوائر الحكومية بانتهاك حقوقهم و عدم تقديم المعلومات لهم.
في المقابل قال المتحدث باسم شرطة محافظة ديالى، نهاد محمد لـ(كركوك ناو)، "تعليماتنا لجميع القوات الأمنية تشدد على ضرورة التعامل بصورة لائقة مع الصحفيين والناشطين، لكن يعود سبب اعتقالهم واعتراض عملهم الى عدم حملهم للوثائق المتعلقة بالعمل الصحفي، لكي يتمكنوا من تغطية الأحداث بحرية."
"يجب على الصحفيين أن يتعاملوا بمهنية وأن تكون لديهم تصاريح للعمل من قبل النقابات الصحفية لكي يكون بمقدورهم أداء مهامهم الصحفية دون مشاكل أو عراقيل"، حسبنا قال نهاد محمد.
فيما يخص وجود تعليمات جديدة بشأن الصحفيين والناشطين في خانقين، قال قائممقام قضاء خانقين دلير حسن سايه، ليست لدينا تعليمات جديدة بشأن كيفية التعامل تجاه ناشطي و صحفيي خانقين، لكننا نتمتع بعلاقة جيدة معهم ولم نمنع ابداً تنظيم التظاهرات."
وأردف دلير حسن، "لم يحدث أن قدم الناشطون أو الصحفيون طلباً للسماح بتنظيم تظاهرة إلا ووافقنا عليه، لكن ينبغي أن تكون هناك حدود لكل شيء، ليس من المقبول أن تظهر على الشاشة وتقوم بالتشهير."
"هناك عدد كبير من الناشطين والصحفيين في خانقين وحرية التعبير فيها أفضل بكثير من المناطق الأخرى"، على حد قول قائممقام خانقين.
لكن الناشط سرور علي يقول بأن تسجيل عشرات الدعاوى القضائية ضد الصحفيين والناشطين خلال الأعوام القليلة الماضية دليل على أنه "لم يتم التعامل بصورة جيدة مع حرية التعبير والهدف الرئيسي هو تكميم الأفواه."