الساعة كانت تشير للثامنة ليلاً، صوت إطلاق نار كثيف أفزع عبدالوهاب عمران (70 سنة) الذي كان راقداً على سريره في منزله. سرعان ما بدأ مسلحون بإضرام النيران في منازل ومركبات سكان القرية وأردوا البعض قتلى، بينهم أحد ابناء عبدالوهاب.
يقول عبدالوهاب، وهو من المذهب السني، "حدثت فوضى عارمة داخل القرية وقالوا بأن مسلحي داعش قد جاؤوا، داهموا منزل ابني وقتلوه، لم أكن أدرك ما الذي يحصل، الجثث كانت منتشرة في أرجاء القرية، حتى أنني لم أتمكن من حمل جثة ابني لأنني كنت واثقاً من أنهم سيقتلونني أيضاً."
حتى أنني لم أتمكن من حمل جثة ابني لأنني كنت واثقاً من أنهم سيقتلونني أيضاً
وقعت أحداث هذه القصة في الساعة الثامنة من ليلة 26 تشرين الأول 2021 في الرشاد، وهي قرية تقطنها اغلبية من الشيعة في قضاء المقدادية (شهربان) التابعة لمحافظة ديالى.
الهجوم على تلك القرية جاءت بعد أن داهم مسلحون مزرعة لتربية المواشي بالقرب من قرية الرشاد وقتلوا عدداً من الشبان، وأثناء توجه ذويهم لنجدتهم وقعوا في كمين أوقع عدداً آخر من القتلى، بعد ذلك هاجموا القرية وحسب الحصيلة التي كشفتها الأجهزة الأمنية في ديالى، قُتِل ما لا يقل عن 16 شخصاً في تلك القرية.
باستثناء نجل عبدالوهاب الذي ينتمي للمذهب السني، جميع قتلى الهجوم في تلك القرية وعددهم 15 شخصاً، من الشيعة.
قيادة العمليات المشتركة في العراق حمّلت رسمياً في بيان تنظيم داعش مسؤولية الهجوم على قرية الرشاد.
وفي رد فعل انتقامي، اقتحم مسلحون فجر يوم 27 تشرين الأول (بعد خمس ساعات على حادث قرية الرشاد)، قرية نهر الامام –على بعد ثلاثة كيلومترات من قرية الرشاد- وقتلوا عدداً من سكانها، كما أضرموا النيران في منازل ومركبات القرويين، وأسفرت المداهمة عن مقتل تسعة اشخاص من سكان القرية، جميعهم من المذهب السني.
مصدر رفيع المستوى في شرطة ديالى قال في تصريح سابق لـ(كركوك ناو)، "اجتاح الغضب ذوي قتلى قرية الرشاد وشنوا هجوماً انتقامياً على قرية نهر الامام خلّف تسعة قتلى على الأقل من سكان تلك القرية الى جانب حرق عدد من المنازل و المركبات."
الحادث الذي لا زالت التحقيقات الأمنية بشأنه متواصلة، فيما توجه أصابع الاتهام الى مسلحي تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش)، أوشك على أن يغرق قضاء المقدادية (شهربان) في أتون اقتتال طائفي كبير كاد أن يمتد الى جميع أرجاء محافظة ديالى.
يقول عبدالوهاب عمران بأن كل ما سمعه هو أن مسلحي داعش قد جاؤوا، "إذا كان تنظيم داعش هو من ارتكب ذلك أو أية جهة أخرى، فإن هدفهم كان ايقاد حرب طائفية في ديالى تمتد بعدها الى باقي أجزاء العراق"، وهو ما يخشاه عبدالوهاب وغيره من سكان المنطقة.
وقال عبدالوهاب، "ما حدث كان اشبه بيوم الحشر، الجميع كانوا منهمكين بنقل الجرحى و جثث قتلى قرية الرشاد، نحن سنيون، لكننا نعيش في قرية الرشاد الشيعية، في الحقيقة سكان هذه القرية يعيشون في سلام وتآخي ولا يوجد أي فرق بيننا."
في اليوم التالي، غادر عبدالوهاب قريته وهو الآن نازح في منطقة حمرين، تلك كانت المرة الثانية التي يتعرض فيها لشيء كذلك في حياته، بعد الحرب الطائفية التي اندلعت في عام 2006 في أغلب المحافظات العراقية.
وفقاً لإحصائية لمكتب دائرة الهجرة والمهجرين العراقية في ديالى، نزحت لحد الآن 227 عائلة من المقدادية، أغلبهم من السنة.
علي غازي، مدير الهجرة والمهجرين في قضاء خانقين، قال في تصريح لــ(كركوك ناوئ) "حوالي 37 عائلة نازحة من المقدادية وصلت الى مناطق خانقين."
وأضاف "وزارة الهجرة والمهجرين لم تكن تؤيد فكرة إنشاء مخيم للنازحين لأن ذلك سيؤدي الى بدء موجة نزوح عكسية مجدداً... هناك مساعي لإعادة النازحين الى مناطقهم الأصلية، وذلك بعد عودة الاستقرار وتهدئة الأوضاع هناك."
هناك مساعي لإعادة النازحين الى مناطقهم الأصلية، وذلك بعد عودة الاستقرار وتهدئة الأوضاع هناك
وهراء زهير، نازحة من قرية الرشاد قالت لـ(كركوك ناو)، "في ليلة الحادث، قطعوا عنا الكهرباء في البداية، ثم داهم مسلحون منزلنا واقتادوا أخي وقتلوه، ثم سألنا المسلحون بعدها عن مكان والدنا الذي كان قد توجه لنجدة أخي... بعد ذلك سمعنا صوت إطلاق نار وحين خرجنا وجدنا والدنا مضرجاً بدمائه وقد فارق الحياة."
يقول رئيس بلدية المقدادية عدنان التميمي بأن الأوضاع مستقرة حالياً في المقدادية وأن الحكومة تخطط لإعادة ترميم المنازل والأبنية المتضررة ووضع حد لما حصل."
"لكن المنطقة التي وقعت فيها تلك الأحداث بحاجة الى ترميم قلوب ونفوس سكانها وليس أبنيتها وجدرانها، لأنه ينبغي أن يوضع حد لمثل هذه الأمور ويعود الأمان لسكان المنطقة"، على حد قول التميمي.
الحكومة العراقية قررت في نفس الليلة، بإيعاز من رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة العراقية، مصطفى الكاظمي، إرسال تعزيزات أمنية الى المنطقة وشكلت لجنة تحقيق، كما قررت شن عدة عمليات عسكرية لتعقب مسلحي داعش في المقدادية و مناطق أخرى من محافظة ديالى.
الكاظمي قال في تغريدة على موقع تويتر في حينها، "جريمة المقدادية (شهربان) بحق شعبنا لن تمر من دون قصاص… واللهم فاشهد".
قضاء المقدادية مقسمة حالياً الى أربعة قواطع أمنية، يتولى قائد عسكري مسؤولية كل قاطع بهدف إعادة الاستقرار الأمني، في حين تم نشر وحدة لقوات الرد السريع في المنطقة، ومن المقرر نشر لواء المغاوير التابع لقيادة عمليات ديالى قريباً في قرى المقدادية.
يوم الجمعة الماضية، 5 تشرين الثاني، أدي أتباع المذهبين الشيعي والسني صلاة جمعة موحدة في قضاء المقدادية، في خطوة لدرء الفتنة وتفادي نشوء نزاعات طائفية.
بعد أن فقد ابنه، يطالب عبدالوهاب عمران القوات الأمنية بالعمل على إعادة جميع النازحين الى ديارهم.
"هناك جهات تريد خلق التفرقة والنزاعات بين السنة والشيعة إذكاء نار الحرب الطائفية مجدداً، لكننا نؤكد لهم بأنهم لن ينالوا مرامهم"، ويضيف عبدالوهاب "صحيح بأننا الآن نازحون، لكن بعد استتباب الأوضاع سنعود وسنعيش في تآخي."
"المنطقة بحاجة الى ترميم القلوب والنفوس، لا المنازل والجدران"، هكذا يرى رئيس بلدية المقدادية الطريق لعودة الاستقرار.