قبل أن يلتحق ترف محمود بالجامعة، راودته رغبة حمل السلاح في صفوف الشرطة، ورغم مضي أربع سنوات على تلك الرغبة إلا أنه لم ييأس بعد من مراده وينتظر بفارغ الصبر فتح باب الالتحاق.
في أواخر عام 2017، كان ترف من بين المئات من شبان كركوك، معظمهم طلاب، ممن ملأوا الاستمارات الالكترونية الخاصة بالتعيينات في السلك الأمني، أغلبهم أكملوا معاملاتهم لكي يتمكنوا من المشاركة في التدريبات وصولاً الى الخطوة الأخيرة المتمثلة بصدور أوامر المباشرة.
"مرت أربع سنوات منذ ذلك الحين، لكننا ما زلنا ننتظر صدور الأوامر الخاصة بالمباشرة والتعيين، لحد الآن لم نلق أي رد والعملية بقيت معلقة"، يقول ترف محمود لـ(كركوك ناو).
خلال السنوات الأربع الماضية، خرج هؤلاء الشبات المتقدمين للتعيين في سلك الشرطة في العديد من التظاهرات والتجمعات الاحتجاجية في كركوك و العاصمة بغداد، آخرها كان في شهر تشرين الأول 2021، دون أن تثمر محاولاتهم عن شيء.
وقال ترف محمود (27 سنة)، "طرقنا أبواب جميع المسؤولين ونواب البرلمان، استغلونا خلال فترة الحملات الانتخابية، بعد ذلك أخبرونا بأنه لا تتوفر الميزانية المطلوبة لكي يتم تعييننا."
استغلونا خلال فترة الحملات الانتخابية، بعد ذلك أخبرونا بأنه لا تتوفر الميزانية المطلوبة لكي يتم تعييننا
ترف تخرج من قسم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة كركوك، ويشتغل حالياً كعامل أجير، لكنه لا يريد التخلي عن فكرة الالتحاق بالشرطة. يقول ترف بأن البعض من زملائه تركوا الدراسة الجامعية في حينها أملاً بتعيينهم في سلك الشرطة، وبعد فشل مساعيهم لم يتمكنوا من العودة الى الجامعة.
"وزارة الداخلية قررت منح الأولية في التعيين لإعادة الأشخاص الذين تركوا السلك الأمني أو طُرِدوا منه أثناء هجمات تنظيم داعش في عام 2014، وذلك بالرغم من أننا أمضينا أربع سنوات من عمرنا على أمل التعيين"، حسبما قال ترف محمود.
وزارة الداخلية العراقية نشرت قبل أربع سنوات رابطاً الكترونياً للراغبين في الالتحاق بالشرطة، وبعد ملء الاستمارة الخاصة، عادت أسماء المتقدمين في غضون شهرين وتم استدعاؤهم للخضوع للفحص الطبي والبدني في بغداد، بعد استكمال المعاملات اللازمة والحصول على التصاريح الأمنية، تقرر استدعاؤهم للتدريب والمباشرة، لكن الخطوة الأخيرة بقيت معلقة منذ ذلك الحين.
أرشد الصالحي، النائب عن محافظة كركوك في الدورة الرابعة للبرلمان العراقي، قال في تصريح أواخر شهر آب الماضي، بعد لقائه ممثلي الشبان الراغبين بالالتحاق بسلك الشرطة، "إذا لم تكن الوزارة بحاجة الى هؤلاء الشبان، لماذا طلبت منهم ملء استمارات التقديم وإجراء معاملات التعيين، ثم تجاهلتهم بعد ذلك؟ لذا ينبغي مساءلة المسؤولين في وزارة الداخلية عن هذا الملف، لكي يعرفوا بأنه لا يحق لهم اللعب بمشاعر الآخرين."
ولفت الصالحي الى أنهم بذلوا جهوداً عن طريق البرلمان فيما يخص قضية التعيينات، لكن وزارة الداخلية لم تصدر أوامر مباشرة للمتقدمين (الفاحصين) بحجة عدم تخصيص ميزانية من قبل وزارة المالية.
فيديو: كركوك/ تشرين الأول 2021/ تظاهرة لشبان تقدموا بطلبات للالتحاق بسلك الشرطة
الشروط المطلوبة للانخراط في سلك الشرطة ضمن وزارة الداخلية هي أن يكون عمر المتقدم بين 18 الى 35 سنة، أن لا يقل طوله عن 167 سنتمتر، أن يتناسب وزنه مع طوله و أن ينجح في الاختبارات الطبية، فحص النظر و اللياقة البدنية.
مؤيد الموسوي، شاب من مدينة كركوك، تخرج من قسم الادارة في المعهد التقني وأكمل في عام 2017 المعاملات الخاصة بالتعيين في سلك الشرطة، لكنه لم يتعين في السلك الأمني ولم تسنح له فرصة عمل في المجال الذي تخرج منه.
"شبان كركوك هم الوحيدون الذين لم تصدر لهم أوامر المباشرة والتعيين، بخلاف شبان المحافظات العراقية الأخرى الذين بدأوا المعاملات بالتزامن معنا وتم تعيينهم"، على حد قول مؤيد.
حسب متابعات (كركوك ناو)، في كل من ديالى وصلاح الدين، وهما من ضمن المحافظات التي تم التقديم فيها للالتحاق بالسلك الأمني، صدرت أوامر المباشرة والتعيين لأكثر من نصف المتقدمين، في حين لم يتم تعيين أي شخص في كركوك.
شبان كركوك هم الوحيدون الذين لم تصدر لهم أوامر المباشرة والتعيين
"الشهر الماضي نظمنا تظاهرة في بغداد أمام مبنى وزارة الداخلية، أردنا الالتقاء بوزير الداخلية، لكننا اجتمعنا مع وكيل الوزارة حسين العوادي والذي أرسل كتاباً الى رئيس الوزراء للموافقة على طلبنا"، حسبما قال مؤيد الموسوي لـ(كركوك ناو).
وتضمن الكتاب الذي وجه الى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، طلباً بمخاطبة وزارة الداخلية من أجل تخصيص ميزانية لغرض تعيين المتقدمين الذين أكملوا معاملات الالتحاق بالشرطة في عام 2017، وذلك في الوقت الذي تحتاج فيه الوزارة الى تعيين 64 ألف شخص لسد الشواغر في ملاكات القوات التابعة لوزارة لداخلية، نظراً لأن العديد قد تقاعدوا، توفوا أو تركوا الخدمة خلل السنوات الماضية.
وقال مؤيد، "انتظرنا كثيراً أمام مبنى الوزارة، الى أن أخبرنا وكيل الوزارة بأن رئيس الوزراء قد أبدى موافقته، عدنا بعد ذلك الى بيوتنا، لكننا لم نصل الى نتيجة منذ ذلك الحين و لم تر تعييناتنا النور."
في العام الماضي، قال وزير الداخلية عثمان الغانمي في بيان بأن الوزارة ستبذل مساعي جدية مع أعضاء لجنة الأمن والدفاع النيابية من أجل ايجاد حل مناسب لمشكلة الأشخاص الذين قدموا للتعيينات في الفترة بين عامي 2017 و 2018، لكن لا الوزير ولا اللجنة النيابية كشفت منذ حينها نتائج متابعاتهم للقضية.
حسب متابعات (كركوك ناو)، قدّم أكثر من 1200 شاب من كركوك منذ عام 2017 طلبات تعيين في سلك الشرطة وقد أكملوا معاملاتهم، خلال تلك السنوات الأربع توجه قسم منه للعمل في أماكن أخرى أو تعينوا في السلك المدني، مثل سلك التربية والتعليم، لكن معظمهم لا زالوا بانتظار تعيينهم من قبل وزارة الداخلية.
مصدر أمني في وزارة الداخلية قال لـ(كركوك ناو)، "قيادة شرطة كركوك وجهت العديد من الكتب الرسمية الى وزارة الداخلية بشأن قضية الشبان الذين تقدموا للتعيين من أجل سد الفراغ الحاصل في ملاكات قيادة الشرطة"، دون أن تسفر جهودهم عن نتائج ملموسة.
وأوضح المصدر بأن القضية لا تتعلق فقط بوزارة الداخلية بل أن هناك وزارات أخرى بحاجة الى ملاكات، لكن العملية تتعلق بتخصيص الميزانية ويجب أن تخصص وزارة المالية ميزانية خاصة برواتب المتعينين الجدد.
وتعود آخر تعيينات في سلك الشرطة بمحافظة كركوك الى عام 2012، حيث تم تعيين 900 شرطي من قوميات ومكونات كركوك المختلفة.
يقول مؤيد الموسوي بأن هناك أصحاب شهادات عليا أو خريجي هندسة بينهم، لكنهم بانتظار التعيين في سلك الشرطة، بعضهم لديهم في الوقت الحاضر زوجات واطفال ويمرون بظروف معيشية صعبة، حتى أن البعض ممن ذهبوا الى بغداد للمشاركة في التجمع الاحتجاجي أمام مبنى الوزارة اقترضوا المال لتكاليف النقل.
"فئة كبيرة من الشباب يتم تجاهلهم من قبل الحكومة، بيننا شبان خاطبون وبانتظار التعيين لكي يعقدوا زفافهم، حتى أننا اقترحنا على إدارة كركوك في احدى الاجتماعات أن تصدر أوامر تعيين الشبان الذين أكملوا معاملاتهم دون صرف رواتب لهم لحين تخصيص الميزانية."
ويقول الموسوي بأن قسماً منهم تعرضوا لنفس تلك المعاملة في أعوام 2014 و 2015 أثناء طلبهم التعيين في الدفاع المدني، وبأنهم يتعرضون للمماطلة منذ عدة سنوات بالرغم من أن قيادة الشرطة بحاجة الى تعيين منتسبين جدد.
قيادة شرطة كركوك فقدت منذ عام 2003 عدداً كبيراً من منتسبيها
وفقاً للإحصائيات الرسمية التي حصلت عليها (كركوك ناو)، تضم قيادة شرطة كركوك محافظة كركوك بأقسامها المختلفة، 11 ألف منتسب، فضلاً عن المئات من منتسبي شرطة المرور، شرطة الاستخبارات والجنسية التابعين لوكالة وزارة الداخلية لشؤون الشرطة مباشرةً.
مصدر في وزارة الداخلية قال من بأن أعداد منتسبي شرطة كركوك قليلة مقارنةً بمحافظة نينوى (22 ألف منتسب)، ومحافظة صلاح الدين (16 ألف منتسب)، في حين أن عدد سكان كل من محافظتي كركوك وصلاح الدين متقارب، حيث يبلغ تعدادهم أكثر من مليون و 600 ألف شخص.
"قيادة شرطة كركوك فقدت منذ عام 2003 عدداً كبيراً من منتسبيها، بسبب الجرح أو الاستشهاد أو التقاعد"، حسبما أوضح المصدر.
حسب الاحصائيات التي أعطتها قيادة شرطة كركوك لـ(كركوك ناو)، "استشهد خلال الأعوام الـ18 الماضية أكثر من 722 شرطي وأصيب 1200 آخرون بجروح تقاع قسم منهم على اثر ذلك، في حين لا يوال أكثر من 800 شرطي ممن تعرضوا لإصابات مواظبين على أداء مهامهم."