لا تزال هيفي في ريعان شبابها، لكنها ذاقت كل أنواع العنف، من إذلال وضرب وحرق ومحاولة الانتحار، وكل ذلك بسبب الزواج المبكر.
"منذ اليوم الأول، منع عني الذهاب للسوق وزيارة أقاربي وأصدقائي"، هذا ما قالته هيفي التي لم تفق بعد من صدمات زواجها، لـ(كركوك ناو).
هيفي ضحية للزواج المبكر وتريد من خلال سرد قصتها في إطار حملة الـ16 يوم لمناهضة العنف ضد المرأة والأيام التالية، حث الفتيات على مواجهة العنف ضد المرأة.
هيفي اسم مستعار لامرأة شابة من أهالي كركوك تبلغ من العمر 17 سنة، تزوجت هيفي قبل ثلاث سنوات بعد أن رضخت لضغوط عائلتها وأقاربها، "كنت أحب شاباً أعرفه وقررنا الهرب معاً لأن عائلتي لم تكن توافق على زواجنا، لكننا قررنا بعد ذلك العودة وهذه المرة أجبرتنا عوائلنا على عقد زواجنا."
ذلك الزواج أصبح بداية انقطاع هيفي بشكل كامل عن أسرتها، "لم يدعوا أحداً يعرف بقضيتنا، سكنت في بيت حماتي، ومنذ ذلك اليوم، لم يزرني والداي واخوتي."
لم يعد زوجي كالسابق، كان يضربني يوماً تلو الآخر، يبصق علي ويقول لي لو كنت فتاةً مؤدبة ما كنت هربت معه
بموجب القوانين المعمولة بها في العراق، يُسمح بزواج الفتيات في سن الـ15 فما فوق وفق عدة شروط.
الحب والوله الذي جمع هيفي وزوجها في سن مراهقتهما انقلب الى بغض ومشاكل، "لم يعد زوجي كالسابق، كان يضربني يوماً تلو الآخر، يبصق علي ويقول لي لو كنت فتاةً مؤدبة ما كنت هربت معه، اعتاد أن يضربني، لكنني لم أجرؤ على إخبار أحد بذلك لأنني كنت المسؤولة عما حصل لي"، تقول هيفي.
قضت هيفي عاماً شابه العنف، أهلها وأقاربها لم يسألوا عنها، وفي هذه السن الصغيرة أصبحت أماً.
"نشبت مشاجرة بيننا في أحد الأيام، ضربني و صب علي النفط وأضرم النار في جسدي، فوصل بيت حماتي لنجدتي وأنقذوا حياتي"، لكن هيفي لم تتمكن من تسجيل دعوى لأن ذويها لم يقدموا لها أي دعم.
وصل صوت استغاثة هيفي عن طريق جيرانها الى مسامع عائلتها، قررت جدتها وأعمامها مساعدتها واستقبالها في كنف أسرتها، وكانت تلك بداية انتهاء علاقتها الزوجية والعشق الذي عاشت فيه حينما كانت فتاة مراهقة.
"انفصلت عن زوجي منذ فترة، لست في حالة نفسية جيدة، لكنني عدت الى الدراسة من جديد"، حسبما قالت هيفي.
وفقاً لآخر احصائيات مجلس القضاء لشهر أيلول الماضي، تم تسجيل 228 حالة طلاق في كركوك، قرابة 200 حالة منها كانت خارج المحكمة.
العقيد غالب علي صالح، مدير الشرطة المجتمعية في كركوك قال لـ(كركوك ناو)، "العديد من النساء هربن بسبب مشاكل عائلية، نتيجة لذلك تعرضن لضغوط نفسية، نحن نحاول حل مشاكلهن، بعضهن عدن الى مزاولة حياتهن الطبيعية وتزوجن."
الشرطة المجتمعية ترفض تسليم النساء اللائي حياتهن معرضة للخطر لعوائلهن.
"من المشاكل الشائعة التي تواجهه النساء في كركوك انتهاك حقوقهن وحرمانهن من مستحقاتهن المالية، منعها من حضانة أطفالها، التعرض للأقاويل والنزاعات العشائرية والقتل"، حسبما يقول العقيد غالب علي.
ولفت مدير الشرطة المجتمعية الى الجهود التي تبذلها مجموعة مكونة من سبع نساء متطوعات لنشر الوعي ومعالجة مشاكل النساء، وناشد المواطنين بوضع ثقتهم بالشرطة المجتمعية والاتصال بهم حتى يتمكنوا من مساعدتهم.
لا توجد في محافظة كركوك مراكز خاصة بإيواء النساء والفتيات المعرضات للتهديد أو اللائي يتعرضن للعنف الأسري لأسباب مختلفة.
عندما كنت في الثانية عشرة من عمري خسر أحد اشقائي في لعبة القمار وفي مقابل ذلك أجبرني على الزواج من الشخص الذي يدين له
"عندما كنت في الثانية عشرة من عمري خسر أحد اشقائي في لعبة القمار وفي مقابل ذلك أجبرني على الزواج من الشخص الذي يدين له شقيقي بالرغم من أنه كان يكبرني في العمر بـ36 سنة، لم يقف في وجهه أي من أفراد عائلتي"، هكذا تحدثت فاطمة، اسم مستعار لامرأة كركوكية، عن بداية المعاناة في حياتها.
"أخرجوني من المدرسة حين كنت في الصف الرابع الابتدائي لكي أتزوج، لم يكن يمض يوم دون أن يضرني أو يضرب أطفالي، قضيت عدة سنوات أقاسي مرارة الحياة، رجعت عدة مرات الى بيت والدي مع طفلَيّ، لكن ف يكل مرة كانوا يجبرونني على العودة الى زوجي، حين علمت بأن أحداً لن يساعدني حاولت الانتحار، لكن والدتي منعتني من ذلك."
تمكنت فاطمة، بمساعدة والدتها، من الانفصال عن زوجها خارج المحكمة، "أحضرت اطفالي عندي وتخليت عن كل حقوقي، فقط لكي أتخلص من تلك الحياة"، فاطمة التي بلغت الآن الـ24 من عمرها تسعى جاهدةً لتأمين حياة كريمة لأطفالها وهي الآن تزاول مهنة الخياطة.
تشير احصائية حصلت عليها (كركوك ناو) من قيادة شرطة كركوك الى تسجيل ما يقرب من 500 قضية عنف اسري رسمياً منذ مطلع هذا العام.
الرائد عامر نوري، المتحدث باسم قيادة شرطة كركوك قال لـ(كركوك ناو)، "القضايا البالغة عددها 500 متنوعة، من ضمنها مشاجرات بين الأزواج، الخيانة الزوجية، حضانة الطفل من قبل أحد الطرفين والعديد من المشاكل الأخرى، بعض القضايا حُسِمت والبعض الآخر لا تزال قيد التحقيق."
"نأمل أن تنخرط النساء والفتيات ف يسلك الشرطة، فكما أن المستشفيات بحاجة الى وجود طبيبات، نحن أيضاً هنا بحاجة الى وجود شرطيات للتحقيق مع النساء."
نحن بحاجة الى وجود شرطيات للتحقيق مع النساء
ويقول المتحدث باسم قيادة شرطة كركوك بأن الفتيات بمقدورهن تسجيل اسمائهن للالتحاق بالشرطة بعد المشاركة في دورة تدريبية لتسعة اشهر في بغداد.
ولفت الرائد عامر الى عدم تسجيل أي حالة قتل للنساء عند الشرطة بصورة رسمية خلال هذا العام.
حسب احصائية للمفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق، أعطيت لـ(كركوك ناو) حصراً، سجّلت المفوضية رسمياً 50 حالة "انتحار" في الأشهر الستة الأولى من هذا العام، 42 منها كانت لإناث، الى جانب أكثر من 260 حالة عنف أسري.
ويأتي ذلك في حين شهد العام الماضي تسجيل 65 حالة "انتحار" في محافظة كركوك اضافة الى 200 حالة عنف أخرى في الفترة من شباط الى نهاية ايلول 2020.
في عام 2019، سجلت كركوك أعلى معدل لـ"الانتحار" بين محافظات العراق حيث سجلت 106 حالة انتحار، 89 منها كانت لإناث.
قانون مناهضة العنف الأسري يتطرق الى عدة سبل للحد من العنف الأسري من بينها فتح ملاذات في المحافظات، غير أن هذا القانون لم يُقر بعد من قبل البرلمان العراقي.
شارك في إعداد هذه المتابعة كاروان الصالحي