داخل منزل قديم شبه مدمَّر يفتقر لأبسط مقومات الحياة، تمسك فاطمة، ذات الست سنوات بيديها الراجفتين من البرد مجموعةً من كتب الصف الأول الابتدائي وهي تبكي.
صوت بكاء فاطمة يملأ أرجاء المنزل الواقع في ناحية السعدية، شمال شرقي ديالى، كل ما تطلبه هو أن تحمل حقيبتها وترتدي الزي المدرسي و تتوجه الى مدرستها اسوةً بأصدقائها وصديقاتها، لكن لا والدتها ولا جدتها بإمكانهما حل معضلتها وتحقيق أمنيتها.
مشكلة فاطمة معقدة، فقد وُلِدت نتيجة تعرض والدتها للاغتصاب خلال فترة الحرب ضد داعش وليس لديها أية هوية أو جنسية، لذلك لا يسمحون لها بالالتحاق بالمدرسة.
مسلحو تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) سيطروا على ناحية السعدية في حزيران 2014، لكن قوات الحشد الشعبي، الجيش والشرطة استعادت السيطرة عليها في تشرين الثاني من نفس العام.
عائشة نصرالدين (40 سنة)، والدة فاطمة، كانت تعيش رفقة والديها وشقيقها أثناء هجوم داعش على الناحية، ولم تتمكن اسرتها من مغادرة الناحية.
بعد أن قضوا الليل تحت أصوات وابل الرصاص والقذائف والانفجارات، وجدوا في صباح اليوم التالي بلدتهم قد سقطت في قبضة تنظيم داعش، تقول عائشة نصرالدين بأن والدها وشقيقها فًقِدوا منذ تلك الفترة ولا تعرف شيئاً عن مصيرهما لحد الآن.
ريحان خليل، والدة عائشة، وهي امرأة في ستينات عمرها، قالت لـ(كركوك ناو)، "حين وصل داعش، بقينا هنا ولم نغادر ديارنا، لأننا لم نكن نقدر على ذلك، ولم يكن والد عائشة موجوداً معنا لكي ينقذنا."
واضافت ريحان، "في أحد الأيام نسينا إغلاق باب منزلنا، فدخل مسلحان المنزل و اعتديا على ابنتي عائشة، بعد فترة حبِلت عائشة"، حسب رواية ريحان فإن الحادث وقع إبان سيطرة داعش على المنطقة بالتحديد في الفترة التي فُقِد فيها زوجها وابنها، لكن لم تتوفر أدلة تثبت بأن المسلحين كانا ينتميان لتنظيم داعش.
في عام 2015، ولدت عائشة طفلة سموها فاطمة، وتعيش فاطمة التي بلغت السادسة من عمرها حالياً مع والدتها وجدتها.
تعاني عائشة ووالدتها من الاكتئاب، وحسب معلومات منظمات المجتمع المدني والجهات الأمنية التي تابعت قضية هذه العائلة، فإن عائشة كانت تعاني من مرض نفسي قبل تعرضها للاغتصاب.
جسد عائشة، والدة فاطمة، كان يرجف من البرد، المنزل كان خالياً من أية وسيلة تدفئة ولم تكن ترتدي شيئاً يدفئها، تعيش هذه الأسرة في وضع مزرِ ويعتمدون على المعونات التي يقدمها لهم الناس.
مراسل (كركوك ناو) قال بأنه لم يتمكن من التحدث مع عائشة لأن وضعها الصحي لم يكن يسمح بذلك.
وكانت عائشة قد انفصلت عن زوجها قبل هجوم داعش على السعدية، حيث كان الزوجان يعيشان في ناحية جلولاء، وبعد انفصالها، عادت عائشة الى منزل والدها.
تحظى فاطمة بحب والدتها وجدتها، لكنها الآن تبكي باستمرار بسبب حرمانها من الدراسة كونها لا تملك بطاقة هوية.
بموجب الاتفاقية العالمية لحقوق الطفل، لكل طفل الحق في التعليم و منعه من ذلك يعتبر انتهاكاً لحقوقه.
عمر علي، مسؤول الشرطة المجتمعية في قضاء خانقين –السعدية ناحية تابعة لهذا القضاء- قال لـ(كركوك ناو)، "قبل فترة أُبلِغنا عن حالة تخص طفلة ليس لها بطاقة هوية أو أي وثيقة رسمية أخرى وهي تبكي باستمرار طلباً للالتحاق بالمدرسة."
حسب متابعات الشرطة المجتمعية في خانقين، "هذه المرأة كانت تعاني من مرض نفسي حين تعرضت للاغتصاب، وقد تم الاعتداء عليها جنسياً من قبل مسلحي داعش في عام 2014، وقد حَبِلت جراء ذلك"، على حد قول عمر علي، لكنه لم يعرض أدلة واضحة تثبت أن الاعتداء حصل من قبل مسلحين ينتمون لداعش.
الشرطة المجتمعية نشرت العام الماضي تقريراً مصوراً عن تلك العائلة والطفلة وأرسلته الى مكتب وزير الداخلية العراقية، من أجل إصدار بطاقة هوية للطفلة ومساعدة عائلتها.
بعد إرسال التقرير المصور، وصل وفد من وزارة الداخلية ودائرة جنسية وجوازات ديالى الى ناحية السعدية وزار الوفد منزل تلك العائلة واستمعوا لقصتهم عن كثب، حسبما أوضح مسؤول الشرطة المجتمعية في قضاء خانقين.
وقال، "آنذاك وعدوا بإصدار بطاقة هوية لفاطمة بموجب التعليمات والضوابط القانونية، من أجل مساعدة فاطمة على تحقيق حلمها والالتحاق بالمدرسة."
حسب قانون الأحوال الشخصية، يحق للطفل مجهول النسب سواء كان والداه مجهولين أو أحدهما مجهول الحصول على الجنسية العراقية.
ويقول المحامي آرام يوسف، على ضوء أحكام القانون، "يجب إصدار (شهادة الولادة) للأطفال مجهولي النسب... إذا كان الطفل مجهول النسب قد وصل سن الـ15 بإمكانه أن يقدم طلباً بنفسه للمحكمة المختصة، لكن إذا لم يكن قد بلغ بعد سن الـ15، يتولى شخص آخر تختاره المحكمة تقديم ذلك الطلب."
وأضاف، "ينبغي على المحكمة التحقي من كون ذلك الشخص الذي يقدم طلباً لاستصدار شهادة الولادة مجهول النسب، بالطريقة التي تراها مناسبة، إذا اتضح للمحكمة بأن الطفل مجهول النسب حينها يحال الى دائرة الطب العدلي لتحديد سنه ومن ثم إصدار شهادة ولادته والتي يجب أن تحوي على هذه المعلومات (اسم الشخص، الأسماء التي تُحدد لوالدته ووالده وجده وجدته، مسقط الرأس، العمر والديانة)."
فيما يتعلق بقضية فاطمة التي لا يُعرَف هوية والدها، قال المحامي عدنان رحمن لـ(كركوك ناو)، "حسب قانون الأحوال الشخصية، نظراً لأن والدة ذلك الطفلة ليست مجهولة و عراقية، بإمكانها الحصول على بطاقة الهوية."
أما زهراء عدنان، ناشطة مدنية في ناحية السعدية فتطالب بالإسراع في مساعدة تلك العائلة وتقول، "عائلة فاطمة فقيرة، وضعهم المعيشي صعب جداً... والدة فاطمة وجدتها أيضاً بحاجة للرعاية الاجتماعية والدعم النفسي... ليس لديهم راتب من الرعاية الاجتماعية يعينهم على مصاعب الحياة."
فاطمة بانتظار أن تُفتح ابواب المدرسة أمامها، لكن قبل ذلك يجب أن تُفتح ابواب المحاكم والحكومة، ويأمل عمر علي بأن تنتهي القضية بسرعة وأن تحصل فاطمة على بطاقة هوية عما قريب.
ملاحظة: (كركوك ناو) ارتأت تغيير اسماء افراد تلك العائلة في هذا التقرير