تتفاقم الخلافات يوماً بعد آخر في سنجار، في ظل سعي الجيش العراقي لأن يبقى الملف الأمني للقضاء في يد الحكومة الاتحادية فقط، وهو ما ترفضه وحدات حماية سنجار (اليبشة).
حسب متابعات (كركوك ناو)، تم نشر قوات إضافية من الجيش في قضاء سنجار، بالتحديد في مركز ناحية سنوني، الأمر الذي اثار استياء قسم من سكانها، بالأخص الموالين للفصائل المسلحة المقربة من حزب العمال الكوردستاني.
"في يومي 14 و 15 من هذا الشهر، أُرسِلت قوات من الموصل و كركوك الى سنجار، يتواجد حالياً ما يقرب من تسعة آلاف جندي في القضاء، على سبيل المثال، هناك 16 مركبة همر عسكرية منتشرة على امتداد تسعة كيلومترات فقط داخل ناحية سنوني"، حسبما قال خوديدا ألياس، مسؤول مجلس الادارة الذاتية في ناحية سنوني (شمال غربي سنجار).
وشهد الاسبوع الماضي حالة من التوتر، بعد أن قامت قوة تابعة للجيش العراقي في 15 كانون الثاني بإزالة تمثال زردشت شنكالي، أحد قادة اليبشة، من مركز قضاء سنجار، حيث كان من المقرر أزاحة الستار عنه في مراسيم خاصة.
زردشت شنكالي، القائد العام السابق لوحدات مقاومة سنجار، لقي مصرعه مع ثلاثة آخرين من مقاتلي اليبشة –جميعهم من المكون الايزيدي- في غارة شنتها طائرات مقاتلة تركية استهدفت أحد مقراتهم في 15 كانون الثاني 2020.
وحدات مقاومة سنجار (اليبشة) وعدة قوى أخرى مقربة من حزب العمال الكوردستاني تشكلت وتمركزت في سنجار وأطرافها منذ عام 2014، عقب هجوم داعش على القضاء واستهداف الايزيديين.
"لم تتم إعادة التمثال إلينا، الجيش يقول بأن زردشت سنجاري ليس عراقياً ولم تصلهم أوامر بتسليم التمثال لنا، رغم أننا طالبنا بإعادته عدة مرات"، حسبما أوضح ألياس خوديدا لـ(ككروك ناو)، والذي يرى بأن هذا التصرف وإرسال قوات إضافية "محاولة من الحكومة العراقية لتنفيذ وفرض اتفاق سنجار بالقوة."
إرسال قوات إضافية "محاولة من الحكومة العراقية لتنفيذ وفرض اتفاق سنجار
بموجب مضمون الاتفاق الذي أبرم بين الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة اقليم كوردستان في تشرين الأول 2020 لإعادة تنظيم الملف الإداري، الأمني والخدمي في قضاء سنجار، تتولى الشرطة المحلية، جهاز المخابرات و جهاز الأمن الوطني بالتنسيق مع القوات الأمنية التابعة لحكومة اقليم كوردستان ادارة الملف الأمني للقضاء، فيما يتم نشر القوات المسلحة التابعة للحكومة الاتحادية في أطراف القضاء.
وشهد العامان المنصرمان عدة تظاهرات احتجاجية من قبل مناصري و أعضاء مجلس الادارة الذاتية في سنجار ضد اتفاق أربيل-بغداد بشأن سنجار.
العميد الركن اثير حمزة الربيعي، آمر الفرقة 20 في الجيش العراقي المتمركزة في سنجار، قال لـ(كركوك ناو)، "بإمكان الجيش إعادة الأمن والاستقرار الى القضاء وتوفير افضل الخدمات للمواطنين"، وشدد على أنه بتوصية القائد العام للقوات المسلحة العراقية، "تنعم سنجار الآن بالاستقرار بفضل التنسيق بين كافة القوات الأمنية، من ضمنها الشرطة، الجيش، الحشد الشعبي، الحشد العشائري و البيشمركة."
وصرح أحد قادة الجيش لشبكة الأخبار العراقية شبه الرسمية بأن سنجار بحاجة الى مشاريع خدمية وبأن الجيش يهيئ بيئة آمنة لجذب الاستثمارات الى القضاء.
تتواجد أكثر من ثمان قوى مسلحة مختلفة ضمن حدود قضاء سنجار، من بينها الحشد الشعبي، قوات أمن (آسايش) ايزيدخان، وحدات مقاومة سنجار (اليبشة)، الشرطة المحلية، الشرطة الاتحادية، الجيش العراقي، بيشمركة ايزيدخان وقوات البيشمركة التابعة لحكومة اقليم كوردستان المتمركزة في احدى المزارات الدينية.
وقال مدير ناحية سنوني، خوديدا جوكي، لـ(كركوك ناو)، "الناحية ليست بحاجة لتواجد قوات إضافية، لأن سنوني آمنة، لكن حين يشاهد المواطنون كل تلك القوات والعجلات العسكرية أو بعض المظاهر الأمنية الغريبة سيشعرون بأن هناك حرباً ستقع."
خوديدا جوكي أبلغ قيادة عمليات غرب نينوى عن تلك المخاوف، "لكنهم ينفذون الأوامر فقط، وذلك هو السبب الرئيسي وراء التوترات التي حدثت مؤخراً، جزء من ذلك يتعلق بالمفاوضات الجارية لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، فيما تسعى بعض الجهات للمتاجرة بملف سنجار واستغلالها لمآربهم الخاصة"، على حد قول جوكي.
وكانت قوات اليبشة قد حذرت في البيان الذي أصدرته ي 21 كانون الثاني الجاري قائلةً، "نحن تعهدنا بالعيش في سنجار حرة، لن نقبل بغير ذلك لأنفسنا". وجاء البيان بعد مقتل أحد قادة اليبشة في غارة تركية استهدفته في منطقة شلو غربي سنجار في نفس اليوم.
تعزيز القوات ليس لترهيب المواطنين بل لخدمتهم
وكانت الغارات التركية قد اثارت صدامات بين قوات الجيش العراقي ومناصرين لقوات اليبشة في 12 كانون الأول 2021، حيث اشتبك الجانبان بعد تنظيم تظاهرة للتنديد بالقصف التركي و "تخاذل الحكومة العراقية"، واسفرت الاشتباكات عن إصابة عدد من المتظاهرين وأحد الجنود بجروح.
يقول مسؤول مجلس الادارة الذاتية في سنجار بأن "الحكومة العراقية تريد إخراج تلك القوات التي تصفها بغير الشرعية، لكن اليبشة وآسايش ايزيدخان ليست قوات غير شرعية وهم من أهالي سنجار. لذا سنستمر في نضالنا ولسنا بحاجة الى تواجد قوات أخرى".
مجلس الادارة الذاتية في سنجار شُكِّل قبل سنوات من قبل عدة جهات ايزيدية وعربية ومن المكونات الأخرى ويعتبر مقرباً من حزب العمال الكوردستاني، ويتولى المجلس حالياً إدارة شؤون القضاء دون إقرار من الحكومة الاتحادية أو حكومة اقليم كوردستان.
مصدر أمني مطلع في سنجار، رفض الكشف عن اسمه، قال لـ(كركوك ناو)، "هناك بعض الخلافات، لكنها خلافات سياسية على الأغلب ولا يمكن خلطها بمشاكل أخرى، لأن الأجهزة الأمنية تعرف أكثر من الناس ويدركون ما المطلوب توفيره للمنطقة من الناحية الأمنية، لذا فإن تعزيز القوات ليس لترهيب المواطنين بل لخدمتهم."
وتابع المصدر، "سنجار ليست لديها مشاكل من الناحية الأمنية، تم نشر فرقة جديدة من الجيش، لكن الهدف من ذلك هو تأمين حماية أكثر للمنطقة."
ويأتي ذلك في الوقت الذي أظهرت متابعات سابقة لـ(كركوك ناو) بأن الجانب الأمني يمثل أحد العوائق أمام عودة أهالي سنجار من المناطق التي نزحوا اليها، حيث يقدر عدد العوائل النازحة بأكثر من 27 ألف عائلة.
قائد عمليات غرب نينوى، اللواء الركن جبار الطائي، كشف في تصريح ادلى به مطلع هذا الشهر بأن مسؤولية الملف الأمني داخل قضاء سنجار أنيطت كلياً بقوات الجيش مشيراً الى أن هذا العام سيشهد تشكيل قوة جديدة عناصرها من الايزيديين.
وفقاً لاتفاق سنجار المبرم بين الحكومة الاتحادية العراقية و حكومة اقليم كوردستان، سيتم تعيين ألفين و 500 منتسب أمني، ألف و 500 منهم من نازحي سنجار المتواجدين في المخيمات الى جانب ألف منتسب من السكنة الحاليين في قضاء سنجار، في الوقت الذي تقدم فيه ما يقرب من 10 آلاف شاب ايزيدي للانخراط في صفوف القوات الأمنية.
وتأتي المساعي لتشكيل تلك القوة في الوقت الذي لا تزال المشاكل بين الجيش والقوات المقربة من حزب العمال الكوردستاني معلقة، بالرغم من أن عدة وفود أمنية عراقية رفيعة المستوى قد زارت القضاء سابقاً لهذا الغرض.
المواطنون سئموا من الخلافات والصدامات بين الجيش والقوات الأخرى
نزار برجس، ناشط مدني في ناحية سنوني، قال لـ(كركوك ناو)، "أخبرنا قائد عمليات غرب نينوى علانيةً وبكل وضوح بأن المواطنين سئموا من الخلافات والصدامات بين الجيش والقوات الأخرى، الى متى نتحمل هذه المواجع، نحن بحاجة الى حلول قطعية حتى لا تقع ضحايا من أي طرف."
برجس كان من بين المشاركين في اجتماع مع مسؤولين عسكريين في سنوني، نُظم من قبل منظمة جسر الشباب في 21 كانون الثاني، على خلفية النزاعات بين الجيش واليبشة، بهدف منع تكرار الصدامات المسلحة.
"المسؤولون في الجيش العراقي تعهدوا بوضع حد للمشاكل و تهدئة الأوضاع... في النهاية قدمنا 13 مطلباً كانت تتعلق بمنع حدوث التوتر والاشتباكات المسلحة، تشكيل إدارة جديدة في سنجار وإعادة تنظيم تلك القوى التي توصف بغير الشرعية عن طريق إخراجها أو دمجها ضمن تشكيلات قوات أخرى."
توجد إدارتان لسنجار منذ خمس سنوات، إحداها داخل القضاء والأخرى مقرها في محافظة دهوك، فضلاً عن مجلس الادارة الذاتية، وينص اتفاق سنجار على تشكيل إدارة جديدة للقضاء.
قبل عدة ليال، بادر عدد من شباب قضاء سنجار، بتقديم وجبات الطعام لعناصر الجيش العراقي والشرطة الاتحادية والمحلية المنتشرة لحماية الاهالي هناك، فضلاً عن جمع الاخشاب من مناطق مختلفة وايصالها الى النقاط الامنية، لإشعال النار، بالتزامن مع انخفاض درجات الحرارة في المنطقة.
حسين سعيد، أحد الناشطين المشاركين في المبادرة قال لـ(كركوك ناو)، "أردنا من خلال هذه الخطوة أن نعبر عن امتناننا لمجهودهم لحمايتنا في هذا البرد القارس".
وفي ذلك الاطار، قامت قوات الفرقة 20 للجيش العراقي بإيصال سلال غذائية ومستلزمات طبية وكميات من النفط الأبيض الى جبل سنجار لمساعدة مئات العوائل النازحة التي تقيم في مخيمات على جبل سنجار والتي ناشدت في وقت سابق عن طريق (كركوك ناو) الحكومة العراقية لمساعدتهم.
يقع قضاء سنجار على بعد 120 كم غرب الموصل و يتبع محافظة نينوى إدارياً، لكن القضاء يعتبر من المناطق المتنازع عليها بين حكومة اقليم كوردستان و الحكومة الاتحادية. اجتاح مسلحو تنظيم داعش القضاء في 3 آب 2014، قبل أن تتم استعادته في 13 تشرين الثاني 2015.