كركوك ثالثاً في التجاوزات السكنية..نزاع المواطن مع الحكومة يصل الى المحاكم

كركوك/ كانون الثاني 2022/ منازل في حي المسيجة بمنطقة عرفة بًنيَت على أراض تابعة لشركة نفط الشمال التي تطالبهم بإخلائها تمهيداً لهدمها تصوير: كركوك ناو

كركوك ناو

عرفان قادر أمام خيار صعب، إما أن يتحدى إدارة كركوك أو أن يعيش في الشارع، لأنه بنى منزله بصورة غير قانونية.

يقع منزل عرفان في حي المسيجة بمنطقة عرفة وسط مدينة كركوك، الأرض التي شيد عليها منزله مملوكة لشركة نفط الشمال التابعة لوزارة النفط العراقية، والتي قررت بعد سنوات من السكوت، المطالبة بها.

قرار شركة نفط الشمال باستعادة الأراضي المملوكة لها يوشك أن يهدم الأعشاش التي بناها عرفان قادر وعشرات العوائل الأخرى في ذلك الحي، والذي استقر قسم منها في ذلك الحي منذ 19 عاماً.

"عدت الى كركوك بعد عام 2003، وبنيت غرفتين هنا، أعيش حياةً صعبة مليئة بالمعاناة رفقة زوجتي وأطفالي هنا"، هذا ما قاله عرفان لـ(كركوك ناو)، معرباً عن استيائه لاستكثارهم تلك الحياة عليه.

تقيم 250 عائلة في حي المسيجة وقد تم تبليغ تلك العوائل أكثر من مرة بضرورة إخلاء منازلهم لأن شركة نفط الشمال تعتزم هدمها واستعادة الأراضي، وذلك بالاستناد الى قرار من المحكمة يقضي بملكية تلك الأراضي للشركة ويفرض على إدارة كركوك تنفيذ القرار.

حسب متابعات (كركوك ناو)، سكان ذلك الحي يرفضون إخلاء منازلهم ما لم يحصلوا على تعويضات مادية أو تخصيص قطع أراض سكنية لهم.

وقال عرفان قادر، "لو كانت لدي إمكانيات مادية، لقمت مثل غيري من المواطنين ببناء منزل في مكان أفضل ولم أكن لأبقى هنا."

ahangakan-3

كركوك/ تشرين الأول 2020/ امرأة تبكي احتجاجاً على مساعي لهدم منزلها في إطار حملة لإزالة التجاوزات و هدم المنازل المبنية بصورة غير قانونية في منطقة ساحة الاحتفالات   تصوير: كركوك ناو

Caption

بعد عام 2003 وسقوط نظام البعث برئاسة صدام حسين، بنيت الالاف من المنازل على أراضي تعود ملكيتها للدولة في جميع محافظات العراق من ضمنها كركوك.

توجد في محافظة كركوك أكثر من 60 ألف منزل ومبنى تجاري جرى تشييدها بصورة غير قانونية وتأتي في المرتبة الثالثة بعد كل من بغداد (أكثر من 130 ألف تجاوز) و البصرة بـ(أكثر من 90 ألف تجاوز)، حسب احصائية رسمية حصلت عليها (كركوك ناو) من قائممقامية كركوك.

مصطفى نور الدين، مدير شعبة التجاوزات في بلدية كركوك قال لـ(كركوك ناو)، "إدارة كركوك تقوم بإزالة التجاوزات بموجب كتاب رسمي، سواء كان التجاوز مبنى تجارياً أم سكنياً"، وأوضح نورالدين بأن البلدية أحياناً لا تعرف لأية دائرة حكومية تعود ملكية الأرض ويجري التأكد من ذلك في دائرة التسجيل العقاري.

تتألف شعبة التجاوزات في بلدية كركوك من ستة أقسام تتولى مهمة الرقابة في مناطق مختلفة من المحافظة وإبلاغ شعبة الملكية في ديوان إدارة كركوك عن وجود اية تجاوزات.

أغلب الحملات التي تنفذها قائممقامية كركوك بالتنسيق مع البلدية والقوات الأمنية لإزالة التجاوزات، تتمخض عن نشوء احتجاجات من قبل المواطنين والتي غالباً ما تقود الى توتر وصدامات مثلما حدث العام الماضي في حي المسيجة بمنطقة عرفة.

نتيجة لتلك الاحتجاجات اعتقلت القوات الأمنية شخصين أحيلا الى المحكمة، قبل أن يتم اطلاق سراحهما بكفالة.

كركوك/ كانون الثاني 2022/ منزل مشيّد على أراضي متجاوزة عليها  في حي المسيجة بمنطقة عرفة تصوير: كركوك ناو

كركوك/ كانون الثاني 2022/ منزل مشيّد على أراضي متجاوزة عليها  في حي المسيجة بمنطقة عرفة تصوير: كركوك ناو

 

عرفان قادر الذي اعتقل في وقتها قال لـ(كركوك ناو)، "أصدرت المحكمة مذكرة قبض بحقي بحجة أنني لم أقم بإخلاء منزلي، وبعد ذلك أُخلي سبيلي بكفالة مقدارها 10 ملايين دينار"، غير أن ملف القضية لم يُحسم بعد.

"أنا الآن بين خيارين أحلاهما مرّ، إذا أُحِلت الى المحكمة مرة أخرى سأتعرض للحبس، وإذا لم أمتثل أمام المحكمة سيسجنون الشخص الذي كفلني"، حسبما قال عرفان.

مشكلة حي المسيجة تتكرر في عدة أحياء عشوائية أخرى، الاحتجاجات والتظاهرات ووقع الصدامات، في حين أن قسماً من المنازل المتجاوزة، حسب متابعات (كركوك ناو)، تعود لعوائل تعرضت للترحيل في إطار سياسة "التعريب" خلال فترة حكم نظام البعث وعادت الى مناطقها بعد سقوط النظام.

بعد عودة تلك العوائل، قامت بعض الأحزاب الكوردية بتوزيع قطع أراض على العائدين "بصورة عشوائية" دون تسجيلها بصورة قانونية.

وقال مدير شعبة إزالة التجاوزات في بلدية كركوك، "بعد أحداث 16 أكتوبر 2017 (عودة الجيش العراقي الى المناطق المتنازع عليها عقب استفتاء استقلال اقليم كوردستان) ازدادت نسبة التجاوزات، لذا فإن حملاتنا متواصلة يومياً في جميع الأحياء، دون تمييز، سواء تلك التي تقطنها أغلبية من الكورد، العرب أو التركمان، لكي لا يقولوا بأننا نفرق بينهم"، حسبما قال مصطفى نور الدين.

كركوك/ كانون الثاني 2020/ هدم وإزالة عدد من المحال المبنية بصورة غير قانونية داخل مدينة كركوك   تصوير: كركوك ناو

Caption

 

كل من أحياء شوراو، سونه كولي، دروازة، الفيلق، الباروتخانة (كانت سابقاً معسكرات تعود ملكيتها لوزارة الدفاع)، بنجا علي (أراضي الحي مملوكة لوزارة النفط)، تمثل جزءاً من الأحياء التي بنيت بصورة غير قانونية، الى جانب عشرات الآلاف من المنازل المبنية داخل الأحياء المسجلة قانونياً، من ضمنها أجزاء من منطقة الكورنيش، طريق بغداد، العروبة، رحيماوا، ساحة الاحتفالات وعدة أحياء أخرى.

في تشرين الثاني 2019، قررت الامانة العامة لمجلس الوزراء العراقي تمليك الأراضي السكنية المتجاوز عليها، خارج التصاميم الأساسية للمدن في كافة محافظات العراق، وذلك بعد تقدير قيمة الأرض من قبل لجان مختصة. ونصّ القرار على استيفاء مبلغ مقداره 5% من بدل القطعة، ويقسط الباقي لمدة 20 سنة، غير أن هذا القرار لم يُنَفَّذ في أية محافظة عراقية لحد الآن.

يقول مصطفى نور الدين، "في بعض الحالات، كنا نعتزم هدم عدة منازل مبنية بصورة غير قانونية، لكن سكان تلك المنازل منعونا من هدمها، لذا اضطررنا لإحالة قضاياهم الى محكمة كركوك لكي تصدر قراراً بشأنها."

قضية إزالة التجاوزات في كركوك تبقى معلقة بسبب احتجاجات المواطنين، في الوقت الذي ترفض فيه إدارة كركوك تنفيذ مشاريع خدمية فيها، كشبكات المياه والمجاري والطرق.

عرفان قادر، الذي لا توال قضيته على رفوف المحكمة ولا يعرف فما الذي سيحل بمصير المنازل المتجاوزة في حي المسيحة بمنطقة عرفة، قد قرر الرضوخ لضغوط إدارة كركوك، "مضطر لإخلاء منزلي لكي لا أتعرض للمحاكمة و عقوبة السجن، لأنه لا أحد يدافع عنا."

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT