لم يستطع ريناس خيرو أن يستمتع بسنوات طفولته بسبب أعباء النزوح والعيش في الخيم، وقضاها وهو يزاول أعمالاً لا تتناسب مع سنه.
ريناس في الـ16 من العمر لكنه، كما يقول، يبدو أكبر من سنه لأن النزوح أتعبه نفسياً وجسدياً.
"تركت الدراسة بسبب الفقر والعوز، عائلتنا كبيرة لذا فأنا مضطر للعمل ايضاً، والدي كان عامل بناء لكنه الآن مريض ولا نملك مصدر دخل آخر"، هذا ما قاله ريناس لـ(كركوك ناو).
عائلة ريناس من أهالي سنجار، تعيش هذه العائلة منذ ثمان سنوات في مخيم ايسيان بناحية باعدري التابعة لقضاء شيخان والذي يضم أكثر من ألفين وخمسمائة عائلة.
معاناة ريناس هي نفسها التي يعاني منها العشرات من أطفال النازحين.
"في الصيف، أستقل يومياً مركبة تأخذني الى سهل بردرش (تابعة لمحافظة دهوك) الذي يبعد ساعة ونصف عن المخيم للعمل في أحد حقول البطاطا بأجر يومي يتراوح بين 10 آلاف الى 15 ألف دينار، إذا لم يتوفر ذلك العمل، حينها أتولى نقل الطوب الخرسانية."
يقول ريناس، "أخرج للعمل منذ الصباح الباكر، إذا لم أعمل يوماً واحداً لن يكون بمقدورنا تأمين لقمة العيش"، في بعض الأحيان، كما يقول ريناس، لا يحصل على عمل ويضطر للجلوس في البيت مع شقيقيه الآخرين.
بموجب قانون العمل العراقي، لا يجوز تشغيل الأحداث من الجنسين قبل إتمام سن الخامسة عشرة و مخالفة هذا القانون تترتب عليه عقوبات، ولمن أتموا هذه السن، لا يجوز أن يكون العمل مرهقاً وخطراً وأن لا يؤثر سلباً على سلوكه أو دراسته.
شيلان زيدان خلف (16 سنة)، تعمل الى جانب دراستها لكي تساعد أسرتها، لأن والدها أصم وشقيقها من ذوي الاحتياجات الخاصة.
"عملنا هو جني البطاطس والطماطم في الحقول نظير أجر يومي يبلغ ستة آلاف دينار فقط"، وقالت شيلان لـ(كركوك ناو) بأن المال الذي تجنيه مع شقيقها وشقيقتها يتم صرفه لتأمين لقمة العيش للعائلة وشراء الاحتياجات اليومية والأدوية.
"فضلاً عن عملي في الخارج، أحمل على عاتقي الأعمال المنزلية وأحياناً أعدّ الطعام، أعبائي ثقيلة جداً"، حسبما قالت شيلان، وهي أيضاً نازحة تعيش في مخيم ايسيان.
ويأتي ذلك في حين تنص فيه بنود الاتفاقية العالمية لحقوق الطفل، على أن لكل طفل الحق في التعليم و العيش الكريم ويحق للأطفال الحصول على الحماية من القيام بالأعمال الخطرة أو الأعمال التي تمنعهم من الحصول على التعليم أو تضر بصحتهم أو نموهم.
سيزار داوود، باحث نفسي عمل مع عدة منظمات في مجال مساعدة أطفال النازحين، قال لـ(كركوك ناو)، "البعض من أطفال النازحين يعملون خارج المخيمات وفي الحقول ولا يعودون الى بيوتهم لعدة ايام، حيث يبيتون في الأبنية المهجورة وأماكن أخرى."
"هؤلاء الطفال محرومون من كافة حقوقهم، بعضهم فقدوا آبائهم وأمهاتهم وهم بحاجة الى المساعدة وإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع"، وفقاً لما قاله داوود لـ(كركوك ناو).
في آب 2014، هاجم مسلحو تنظيم داعش الايزيديين في سنجار وسهل نينوى وقُتِل أكثر من ألف ايزيدي، بينهم أطفال، كما اختطف التنظيم أكثر من ستة آلاف ايزيدي، تم إنقاذ ما يقرب من ألفي طفل ولا يزال مصير حوالي ثلاثة آلاف شخص مجهولاً.
هادي سليمان (14 سنة) يعمل كإسكافي وهو طالب في نفس الوقت، "يتفاوت المبلغ الذي أحصل عليه يومياً، أحياناً خمسة آلاف دينار وأحياناً أخرى يصل الى 10 آلاف دينار، وفي بعض الأيام لا يتجاوز ألفي دينار."
وقال هادي لـ(كركوك ناو) بأنه نزح مع عائلته قبل سبع سنوات من منطقة سيبا شيخ خدر بسنجار عقب هجوم داعش وبأنهم يعيشون منذ حينها في مخيم كبرتو (يضم المخيم أكثر من ألفين و 200 عائلة).
يتواجد أكثر من 664 ألف نازح في اقليم كوردستان، يتوزع قسم منهم على 26 مخيماً في محافظات أربيل، السليمانية ودهوك، فيما يعيش القسم الآخر من النازحين خارج المخيمات.
شيرزاد حسن، مدير عام التنمية الاجتماعية في محافظة دهوك، قال لـ(كركوك ناو) بأنه تابع ملف الأطفال الذين يزاولون أعمالاً شاقة، بالأخص الأطفال الايزيديين الناجين من قبضة داعش، وأشار الى أن مديرية التنمية الاجتماعية تنظم دورات مستمرة للترفيه وتوفير الدعم النفسي لهؤلاء الأطفال ومحاولة إبعادهم عن تلك الأعمال الصعبة.
"لدينا مشروع مع منظمة اليونيسيف للأطفال الذين يضطرون لمزاولة أعمال شاقة ومرهقة لأنه ليس لديهم مصدر دخل، لكي نعالج مشاكلهم في هذا الإطار."
مديرية التنمية الاجتماعية تابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية في حكومة اقليم كوردستان وقد افتتحت داراً في مجمع شاريا خاصة بإيواء الأطفال من ضحايا حرب داعش.
وقال شيرزاد حسن، "نخطط لتوفير العلاج النفسي والأغذية والمستلزمات الأخرى لجميع الأطفال الايزيديين، ونسعى عن طريق وزارة المالية لتخصيص راتب شهري رمزي لهؤلاء الأطفال."
بموجب قانون الناجيات الايزيديات الذي أُقرّ في البرلمان العراقي في الأول من آذار 2021، يتم قانون م منح الفئات المشمولة بأحكام هذا القانون قطعة أرض سكنية او وحدة سكنية مجانا، الى جانب فتح عدد من المراكز الخاصة بتقديم الدعم النفسي للناجيات وتوفير فرص التعليم للناجيات اللائي انقطعن عن الدراسة بسبب تعرضهن للاختطاف، غير أن هذا القانون لم يُنفّذ كما هو حتى الآن.
* لنشر صور الأطفال الذين تحدثوا لـ(كركوك ناو) في هذا التقرير، حصلت (كركوك ناو) على موافقتهم وموافقة ذويهم.