ام صلاح وسكنة قرية الزهور في محافظة الديوانية، التي يقطنها الغجر كانوا متخوفين عند الإعلان عن اول إصابة بفيروس كورونا، من عدم علاجهم في حالة إصابة احد منهم.
المخاوف تبددت مع دخول أول الفرق الصحية الى القرية لأخذ المسحات منهم وتوفير العلاج لمن قرر التعافي في منزله، حتى بات بإمكان كل فرد من الغجر الحصول على لقاح كورونا دون عراقيل.
تقع قرية الزهور على بعد ٧ كم جنوب شرقي قضاء الديوانية، وتقطنها غالبية عربية من المذهب الشيعي، وعدد قليل من السنة وبعض الصابئة المندائيين إضافةً الى الغجر.
يشكل الغجر في العراق أقلية عرقية، تمثل المنتجات الحيوانية، خصوصاً الحليب، مصدر رزقهم الرئيسي، لا تتوفر إحصائيات دقيقة بأعداد الغجر في العراق بسبب أسلوب وطبيعة حياتهم التي تتسم بالتنقل المستمر من منطقة الى أخرى بحثاً عن مراع لماشيتهم.
تتوفر حالياً إحصائيتان حكوميتان، إحداهما صدرت في عام 2000 وقدرت أعدادهم بأكثر من 200 ألف نسمة، فيما انخفض العدد حسب إحصائية أخرى صدرت عام في 2005 إلى 50 ألف نسمة، وهذا دلدل على عدم دقة الاحصائيات المتوفرة.
وتقول أم صلاح (42 سنة)، لـ (كركوك ناو)، إن "الجهل والابتعاد عن متابعة الاخبار لانشغالنا بتامين قوتنا أسهم في عدم معرفتنا بالجائحة واضرارها، الى أن أصيب شخصان من أسرة واحدة في الأشهر الأولى من عام 2020".
بعد حصولنا على البطاقة الوطنية، تمكنا من التسجيل لاخذ جرعات اللقاح
منذ ذلك الحين، بدأ الغجر بالتحري عن الوباء وأضراره وكيفية وقاية أنفسهم منه، وذلك بعد أن زارت فرق طبية القرى والمناطق النائية من بينها قرية الزهور.
تشير بعض المصادر التاريخية الى أن الغجر اتجهوا الى الشمال الغربي منذ الألفية الثانية قبل الميلاد، ودخلوا بلاد فارس ثم نزلوا السهل العراقي في الألفية الأولى قبل الميلاد.
في عام 2020، أصدرت وزارة الداخلية العراقية تعليمات إلى مديريات الجنسية في المحافظات، تقضي برفع صفة "الغجري"، من هوية الأحوال المدنية وكلمة "الاستثناء"، من شهادة الجنسية، وأصبحت نافذة العمل للمساواة بين المواطنين.
هذه الخطوة سهّلت للغجر حصولهم على البطاقة الوطنية، وبالتالي إمكانية حصولهم على جرعات لقاح كورونا، حيث أن البطاقة الوطنية هي إحدى المستمسكات الرسمية والرئيسية التي ينبغي أن تصدر لكل مواطن عراقي وأصبح بديلاً للوثائق السابقة مثل شهاد الجنسية العراقية وبطاقة الأحوال المدنية.
يقول أمجد حسين وهو أب لثلاث بنات ويعيش في نفس القرية بأن الحصول على اللقاح كان يتطلب أن تكون عنهم وثيقة رسمية، " بعد حصولنا على البطاقة الوطنية، تمكنا من التسجيل لاخذ جرعات اللقاح، أنا وزوجتي واثنين من بناتي تلقينا جرعتين من اللقاح".
وتؤكد أم صلاح، "غالبية أهلي واقاربي تلقوا جرعة اللقاح دون عراقيل، ونحن نشجع الاخرين على أخذ اللقاح".
منذ لحظة اعلان دخول الجائحة الى البلاد والمحافظة حرصت فرق طبية على زيارة قرية الزهور
المديرية العامة لصحة الديوانية افتتحت مركزاً صحياً صغيراً في قرية الزهور لكي يتمكن سكان القرية، من ضمنهم الغجر، من الحصول على اللقاح.
في غضون ذلك يوضح مدير مفوضية حقوق الإنسان في محافظة الديوانية، محمد البديري، بأنه "يوجد في هذه القرية مركز صحي يقدم خدمات قليلة جداً لهم، إضافة الى أن الكثير يتعرضون للأمراض، لاسيما الأمراض المعدية والجلدية بسبب سكنهم في مكان غير مؤهل للسكن".
ودعت انعام عبد، وهي طبيبة ضمن فرق مديرية صحة الديوانية، الى ضرورة ايلاء اهتمام اكبر بهذه الشريحة، كونهم عرضة للأمراض ، وخصوصاً الأمراض الجلدية".
بصورة عامة، يصعب على الغجر الحصول على الخدمات الصحية بسبب تنقلهم الدائم وبعد مناطق سكنهم عن مراكز المدن والأقضية، لذا أصبحوا معرضين الى جانب مخاطر كورونا للإصابة بالعديد من الأمراض التي تصيب الجلد.
ينتشر الغجر في جماعات صغيرة على عموم العراق، بالأخص في الديوانية، ويسكنون في تجمعات قروية أو بشرية عادة ما تكون منعزلة عند أطراف المدن أو الأقضية، لكن لا تتوفر في الوقت الحالي إحصائية بأعداد الغجر في محافظة الديوانية.
كما لا تتوفر إحصائية بعدد الغجر الذين تلقوا لقاح كورونا، كون الاحصائيات الرسمية لقسم الصحة العامة التابع الى مديرية صحة الديوانية، لم تميز الغجر عن باقي المواطنين وذلك لامتلاكهم البطاقة الوطنية التي رفعت عنهم الوصمة الاجتماعية المطبوعة في هوية الأحوال المدنية السابقة التي يكتب فيها "غجري" أو "كاولي".
ويقول مدير قسم الصحة العامة الدكتور مكي بريبر السعيدي، إن " منذ لحظة اعلان دخول الجائحة الى البلاد والمحافظة حرصت فرق طبية على زيارة قرية الزهور، وعند حصول دائرة الصحة على اللقاحات سجلت تلقيح اكثر من ٨٠ مواطنا في تلك القرية".
"قسم الصحة العامة وجميع الكوادر الطبية والتمريضية تتعامل بمساواة مع المواطنين بغض النظر عن لونهم او عرقهم او انتمائهم، فالبطاقة الوطنية ألغت تلك المعلومات التي كانت تتسبب بالفوارق والوصمات الاجتماعية بين المواطنين"، حسبما أوضح مدير قسم الصحة العامة مكي بريبر السعيدي، لـ(كركوك ناو).
من جانبه، يقول مختار قرية الزهور، أبو سيف (٤٧ سنة)، أن "جميع سكان القرية يعتمدون على العمل اليومي لتامين مصادر الدخل، وعند فرض حظر التجوال حرمنا من اعمالنا او توفير الأموال لنتدبر حياتنا اليومية، لكن بعض المنظمات ونشطاء المجتمع واضبوا على توفير سلات غذائية ساعدت في تخطي الازمة".
وكانت عدة منظمات دولية ومحلية، من ضمنها، لجنة الإنقاذ الدولية ((IRC، وهي شريك تنفيذي للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، خصصت برامج عدة لضمان حقوق المواطنين في امتلاك البطاقة الوطنية.
بموجب قرارات الحكومة، يشترط امتلاك وثيقة رسمية مثل بطاقة الأحوال المدنية، شهادة الجنسية العراقية أو البطاقة الوطنية للحصول على اللقاح.
بغضّ النظر عن طبيعة حياة الغجر، يتوفر حالياً مركز صحي في القرية التي تعيش فيها أم صلاح، وبمقدور كل شخص هناك الحصول على اللقاح دون أي معوقات.