المواطنون في المحافظات العراقية يتمكنون من الحصول على بطاقة التلقيح الرسمية الخاصة بكورونا دون أخذ جرعات اللقاح.. يستطيعون استخدام البطاقة لتسيير معاملاتهم في الدوائر الحكومية أو السفر، وهذه البطاقات يتم تزويدها من قبل شبكة تعمل مباشرة داخل المؤسسات الصحية.
اللجوء لإصدار بطاقة التلقيح دون أخذ اية جرعة لقاح أصبح ظاهرة منتشرة في العديد من المحافظات العراقية، بالأخص من قبل المواطنين الذين يخشون أخذ اللقاح لكن الحكومة تجبرهم على إصدار بطاقة التلقيح، وهؤلاء ينتمون لمختلف القوميات والأديان.
نسرين علي، فتاة من محافظة صلاح الدين، كانت من بين الأشخاص الذين رفضوا تلقي جرعات اللقاح بحجة أن "مضارها أكثر من فوائدها"، لكن بعد قبولها في جامعة بإحدى الدول العربية لإكمال دراستها العليا، اضطرت للبحث عن شخص يساعدها للحصول على بطاقة التلقيح كإحدى متطلبات القبول و السماح لها بالسفر.
تولد الخوف لدى نسرين من تلقي اللقاح بعد أ توفي أحد أقاربها بعد أيام من حصوله على جرعة من لقاح كورونا.
"كان الوقت المتبقي أمامي للحصول على بطاقة التلقيح الدولية وسفري قصيراً جداً"، وتضيف نسرين، "كنت أبحث أن شخص يساعدني لتخطي تلك المشكلة".
أحد اصدقاء نسرين أخبرها عن شاب بإمكانه مساعدتها وقالت أنه يدعى "رأس الحربة".
كل ما كان مطلوباً منها هو إرسال نسخة من البطاقة الوطنية أو بطاقة الأحوال المدنية الى "رأس الحربة"، ولم تمر سوى بضعة ايام قليلة حتى أصبحت نسرين تملك بطاقة تلقيح وبعدها حصلت على بطاقة تلقيح دولية.
من هو رأس الحربة؟
"رأس الحربة"، كُنية أطلقت على شاب يقوم بتزويد المواطنين ببطاقات تلقيح ضد فيروس كورونا لمن لايرغب بتعاطي الجرعات، حيث يزودهم ببطاقات موقعة ومختومة بشكل رسمي من مركز صحي في العاصمة العراقية بغداد، وايضاً تصلهم رسائل نصية عبر هواتفهم الخاصة.
في غضون شهر واحد، زود "رأس الحربة" الذي تحدث شخصياً لـ(كركوك ناو)، 20 مواطناً، غالبيتهم من محافظة كركوك، ببطاقات تلقيح موقعة ومختومة من مركز صحي في بغداد، وجميعهم وصلتهم رسائل نصية بانهم ملقحين ولجرعتين، وجميع تلك الكارتات مثبت عليها بان جرعاتهم كانت بلقاح فايزر الامريكي.
لديه صلة مباشرة بموظفين يعملون في مراكز التطعيم، قسم منهم يتولون إدخال البيانات، "بعد أن نعطي هؤلاء الموظفين بطاقات الهوية الخاصة بالراغبين في إصدار بطاقة التلقيح
عند حصولك على الكارت من "رأس الحربة"، بامكانك مراجعة الدوائر الرسمية ودخول الجامعات والمؤسسات التربوية وايضاً بامكانك الحصول على بطاقة التلقيح الدولية.
بحسب تعليمات إدارة محافظة كركوك المستندة الى قرار مجلس الوزراء العراقي، يتوجب على الموظفين ومراجعي الدوائر والمؤسسات الرسمية أخذ لقاح كورونا، بخلاف ذلك، يجب إجراء فحوص الكشف عن كورونا بشكل اسبوعي.
"رأس الحربة" شاب يبلغ من العمر 32 وهو كما يشير اليه اسمه، رأس حربة الشبكة التي تعمل على تزويد المواطنين والموظفين بكارتات لقاح كورونا.
وأوضح "رأس الحربة" لـ(كركوك ناو) بأن لديه صلة مباشرة بموظفين يعملون في مراكز التطعيم، قسم منهم يتولون إدخال البيانات، "بعد أن نعطي هؤلاء الموظفين بطاقات الهوية الخاصة بالراغبين في إصدار بطاقة التلقيح، يبدؤون بتعبئة بطاقات التلقيح و إدخال المعلومات في حاسبة البيانات مباشرةً، حينها تصبح بطاقة التلقيح رسمية ويتم ختمها وإمضاؤها، وبعد إدخال البيانات تصلهم رسائل من موقع وزارة الصحة العراقية تفيد بأنهم تلقوا جرعات اللقاح".
يقول رأس الحربة، ان ما يقوم به هو "لمساعدة الاخرين ولا يدخر مبلغاً مالياً لنفسه".
بدأ "رأس الحربة" عمله في الأشهر الأخيرة من عام 2021 وتتصل به حالياً شبكة واسعة من الاشخاص يطلبون منه مساعدتهم للحصول على بطاقة التلقيح.
مستفيدون يتحدثون عن تجربتهم مع رأس الحربة
محمد صباح، شخص آخر حصل على بطاقة التلقيح بهذه الطريقة قال لـ(كركوك ناو)، " طلب مني رأس الحربة رقم هاتف وصورة لهوية الاحوال المدنية وبطاقة السكن لأتفاجأ بعد ساعات قليلة بوصول رسالتين في وقت واحد مفادها ( عزيزي محمد صباح تم حصولك على اللقاح) "، المرسل ( MOH ) وهو الموقع الرسمي المعني بإرسال الرسائل النصية من قبل البرنامج الرسمي لإدخال البيانات بعد التطعيم.
بعد يوم من وصول الرسائل، حصل محمد على بطاقة التلقيح التي أرسلت له من قبل "رأس الحربة"، لكنه لم يكن متأكداً بعد مما إن كانت مزورة أم لا.
" بعد ايام ذهبت الى مركز اصدار البطاقة الدولية لأتفاجأ أكثر ان الكارت رسمي وكأنني حصلت على اللقاح فعلاً."
رأس الحربة:ساعدت أكثر من 50 شخصاً لإصدار كارتات لقاح مجانية وضعفها بيعت بأموال استفاد أعضاء الشبكة منها مادياً
منذ أن حصلت نسرين علي على بطاقة التلقيح أرسلت عشرات الأشخاص الى "رأس الحربة" لكي يصدر لهم بطاقات تلقيح بنفس الطريقة، بذلك اتسعت رقعة عمل "رأس الحربة" لتشمل عدة محافظات بشبكة معقدة للعثور على الأشخاص الذين لا يريدون أخذ جرعات اللقاح، لكنهم يحتاجون بطاقة التلقيح.
سعر بطاقة التلقيح يصل الى 200 دولار
مدير دائرة صحة الكرخ في بغداد، جاسب الحجامي، تحدث اكثر من مرة لوسائل الاعلام او عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، عن فساد واحالة متورطين ببيع بطاقات اللقاح الى التحقيق ولكن لم تصل هذه التحقيقات الى اي نتيجة تذكر.
حيث قال الحجامي في منشور له في 17 تموز من العام الماضي "منذ الايام الاولى لانطلاق حملة التلقيح للوقاية من فيروس كورونا المستجد، رافقتها عمليات دفع رشا وتزوير لغرض الحصول على بطاقة التلقيح التي تؤيد تلقي الشخص دون ان يتلقاه فعلا".
وأضاف الحجامي، "هناك الآن بطاقات مزورة يصل سعرها الى 200 دولار للبطاقة الواحدة"، واصفا هذا الفعل بـ"المشين" أو كمن "يدفع لقاتل مأجور ليقتله".
وتساءل الحجامي "اذا اصيب ذلك الشخص بالمرض ومات كيف يواجه ربه وهو من دفع المال والرشا ليموت؟ اما الذي يقوم باستلام الرشوة والتزوير فهو قاتل مأجور يتحمل أثم كل من مرض او مات بسببه؟".
ولفت مدير دائرة صحة الكرخ الى أن" هناك اشخاص يتم التحقيق معهم حاليا في دائرة صحة الكرخ قاموا بالمساعدة في إصدار بطاقات التلقيح".
القوات الامنية تلقي القبض
في شهر كانون الاول 2021، افاد مصدر امني في محافظة كركوك، بالقاء القبض على عصابة تقوم بتزوير وبيع بطاقات لقاح كورونا.
حول ذلك، قال المتحدث باسم شرطة كركوك، الرائد عامر نوري، "تمكنت مفارز مكافحة اجرام كركوك من القاء القبض على عصابة تقوم بتزوير وبيع بطاقات لقاحات كوفيد-19، أمام بناية مديرية الجنسية والجوازات في محافظة كركوك، بعد نصب كمين محكم لهم من قبل مدير مكافحة اجرام كركوك....".
وقال بأنه تم تصديق اقوالهم بالاعتراف ابتدائياً وقضائياً وفق المادتين ٢٩٨ و ٢٨٩ من قانون العقوبات.
وتنص المادة 289 من قانون العقوبات العراقي، على عقوبة بـ "السجن مدة لا تزيد على 15 سنة كل من ارتكب تزويراً في محرر رسمي (وثيقة رسمية)".
ومطلع هذا العام ألقي القبض على عصابة تقوم بتزوير بطاقات اللقاح مزوري بطاقات اللقاح في محافظة ديالى.
حيث أعلنت خلية الإعلام الأمني، في 16 كانون الثاني 2022، القاء القبض على 12 شخصاً بتهمة بيع بطاقات لقاح فيروس كورونا.
وأشار البيان الى أن "خمسة من المتهمين، موظفون يعملون في الدوائر ذات العلاقة".
احد موظفي دائرة صحة الرصافة والمسؤول عن ادخال البيانات بعد التلقيح قال لـ(كركوك ناو)، "ان اجراءات الوزارة ودائرة الصحة وادارة القطاعات وادارة المستشفيات والمراكز لم تؤد الى تقليل ظاهرة بيع الكارتات فبعضها رسمية واخرى مزيفة".
واضاف " بالرغم من اغلاق عدة مراكز ومستشفيات منذ تشرين الأول من العام الماضي، الا ان اشخاص يأتون الى مركزنا بعد اشهر لإدخال بيانات البطاقة الصادرة بعد شهرين واكثر من مستشفيات ومراكز أُغلق المنفذ التلقيحي بها، في هذه الحالة نطلب منهم جلب كتاب صحة اصدار الكارت كون الامر لا يتعلق بنا ولكن الشخص يعلم انه سيقع في مساءلة ويذهب دون عودة، ليبرهن لنا ان الاختام والكارتات منتشرة خارج هذه المراكز ".
وحين السؤال عما إن كانت هناك بطاقات تلقيح تباع في المركز اكتفى الموظف بالقول "ربما تباع وتدخل بيانات ولكن لا احد يعلم كيف ومن المسؤول ولكن في مركزنا هناك نظام معقد لا ارجح اخراج اي كارت دون ضوابط وان تكون فبنسب ضئيلة وان المشرفين على التطعيم لا يتهاونون في هكذا امور ".
التقصي اكثر والخوض في تفاصيل أعمق
حاول (كركوك ناو) الوصول الى الممول الرئيسي ببطاقات اللقاح الذي يعتمد عليه "رأس الحربة" ولكن دون فائدة لانه قال "إذا ألحيتم في الامر سانهي الحديث ولن اتكلم باي شيء بهذا الموضوع"، ثم قال بأنه "شخص يعمل لمساعدة الناس فقط".
في بعض الأحيان، يتعرض نظام ارسال الرسائل لايقاف موقت لغرض الصيانة او بسبب عطل معين، بسبب ذلك رفض كاروان حسين، من المكون الكوردي، تسلم بطاقة التطعيم من "رأس الحربة" دون استلام الرسالة لانه يخاف من ان تكون مزورة حسب رأيه، غير أن الرسالة وصلته فيما بعد.
يبدو أن الشاب كان مصاباً بالحمى عند دوامه، ولم يخبر أهله بذلك، وعندما يسألوه لا يخبرهم أنه مصاب
كاروان حسين، من سكنة محافظة كركوك، قال لـ(كركوك ناو)، "كنت مضطراً للحصول على كارت اللقاح لتسيير معاملاتي في الدوائر الحكومية، لكنني لم أكن مستعداً لأخذ اللقاح لعدم ثقتي بالحكومة المحلية في كركوك في قدرتها على حفظ عبوات اللقاح من أن تفسد ".
وزارة الصحة ودوائرها في المحافظات لطالما عملت مع الجهات الاعلامية بدعم من الصحة العالمية على انشاء برامج خاصة للتوعية بضرورة التطعيم وايضاً محاربة الإشاعات والاخبار المضللة.
تداعيات اللقاح والإشاعة!
في 26 تشرين الثاني 2021، توفي طالب في قضاء داقوق بعد تلقيه جرعة من لقاح كورونا، ونشرت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بأن الطالب توفي بسبب تأثير اللقاح.
بعد يوم من الحادث، (27 تشرين الثاني 2021)، قال مدير دائرة صحة كركوك، نبيل حمدي بوشناق، "ذلك الطالب واسمه عدنان مصطفى، كان مريضاً بالفيروس ونسبة اصابته 50% في الرئة".
وأكد أن "اللقاح لا يسبب المرض"، مستدركاً أنه "يبدو أن الشاب كان مصاباً بالحمى عند دوامه، ولم يخبر أهله بذلك، وعندما يسألوه لا يخبرهم أنه مصاب، لذلك أخذ الجرعة الأولى من اللقاح".
ويختم "رأس الحربة" حديثه مع (كركوك ناو)، " انصحك أن تزور سوق مريدي وترى بنفسك، لماذا لا تكافح الدولة والجهات الرقابية هذا الأمر كون هناك حالات بيع وتزوير خارج المراكز الصحية المخصصة للتطعيم..؟ هذا هو السؤال الذي يجب ان يحصل على إجابة".
ملاحظة: الاسماء الواردة في التحقيق جميعها مستعارة بحسب طلبهم وطلب "رأس الحربة".
