توجد مؤشرات مهمة على أن السلطات الكوردية في اقليم كوردستان ربما تكون متورطة بشكل مباشر في اختطاف وقتل الصحفي سردشت عثمان، حسبما جاء في تحقيق جديد لثلاث منظمات تعمل في مجال الدفاع عن حرية الصحافة؛ وسط مطالبات بفرض عقوبات على الأشخاص الذين أعاقوا إجراء تحقيقات شفافة وحيادية في القضية.
التحقيق الذي حمل عنوان "اغتيال سردشت عثمان: كشف زيف الرواية الرسمية"، نشرته كل من منظمة الصحافة الحرة غير المحدودة (FPU)، منظمة مراسلين بلا حدود (RSF) ولجنة حكاية الصحفيين (CPJ) اليوم، الأربعاء 2 أيار 2022 للرأي العام في العاصمة الهولندية أمستردام، وتزامن ذلك مع الذكرى السنوية لاختطاف وقتل الصحفي سردشت عثمان.
وكشف التحقيق عن وجود العديد من الثغرات والمفارقات في التحقيقات الخاصة بقضية سردشت عثمان؛ منها عدم إجراء مقابلات مع أفراد أسرة سردشت وأصدقائه، لكن "عوضاً عن ذلك، طُلِب منهم التزام الصمت وتأييد الرواية الرسمية."
في مثل هذا اليوم قبل 12 عاماً، اختُطِف سردشت عثمان من أمام كلية آداب جامعة صلاح الدين في أربيل، حيث كان طالباً في المرحلة الرابعة في تلك الكلية، وبعد يومين، عُثِر على جثته في مدينة الموصل.
"هناك تناقضات في القصة الرسمية تتعلق بهذه الجوانب: اختطاف سردشت، نقله أو نقل (جثته) من أربيل الى الموصل، التقرير الرسمي الخاص بتشريح الجثة، الزعم بأن مرتكبي الجريمة ينتمون الى جماعة أنصار الاسلام الارهابية، وكذلك الدافع المزعوم وراء بالاغتيال، حسبما جاء في تقرير المنظمات الثلاث.
يجب على السلطات الكوردية الكف فوراً عن ممارسة المضايقة والترهيب والتهديد تجاه أفراد أسرة سردشت عثمان وأصدقائه
بعد مقتل سردشت عثمان، نشرت الأجهزة الأمنية في أربيل "اعترافات" عدد من الأشخاص أكدوا فيها على أن، "جماعة ارهابية تواصلت مع سردشت عثمان وطلبوا منه مراراً العمل معهم، لكن بعد رفضه طلبهم أقدموا على قتله"، لكن سرعان ما فندت أسرة سردشت عثمان تلك "الاعترافات"، فيما اعتبرته المنظمات والناشطون إحدى سيناريوهات السلطة لإخفاء المجرم الرئيسي.
وجاء في تحقيق المنظمات الدولية " بعض الصحفيين أمثال سردشت، ممن يعملون في أماكن ذات حرية صحافة محدودة، على وضع الرقابة الذاتية وتفادي اجتياز الخطوط الحمراء التي من الممكن أن تثير ردود فعل عنيفة من السلطات."
التحقيق هو الخامس الذي تجريه تلك المنظمات بهدف تحقيق العدالة على المستوى المحلي كجزء من مبادرة (عالم أكثر أماناً من أجل الحقيقة).
ويقول جولز سوينكلز، باحث رئيسي في هذا التحقيق من منظمة الصحافة الحرة غير المحدودة (FPU) ""قضية سردشت ترمز لما يمكن أن يحدث إذا تخطى الصحفيون حدود حرية التعبير المحددة لهم. سردشت كتب مقالة ساخرة عن اشخاص في هرم السلطة في كردستان، بعد ذلك تم اختطافه واغتياله بسبب ذلك. للأسف، تظهر هذه القضية أن الافتقار التام للإرادة السياسية للتحقيق في جرائم قتل الصحفيين وحلها محليًا هو أحد الأسباب الرئيسية للإفلات من العقاب".
ويرى سوينكلز أن التوصيات الواردة في التقرير توفر سبيلا من أجل أن تسود العدالة في قضايا مقتل الصحفيين.
الصحفي سردشت عثمان كان ينشر مواضيع عن الفساد والمحسوبية، وفي كانون الأول 2009، نشر مادة ساخرة تحت عنوان "أنا أعشق ابنة البارزاني"، حيث قارن فيها بين حياة البذخ والرفاهية التي تعيش فيها عائلة مسعود البارزاني ومعاناة المواطنين الكورد العاديين. بعد مدة قصيرة، وصلته عدة رسائل تهديد بالقتل.
"هناك دائماً أشخاص لا يريدون الاستماع عندما تبدأ بقول الحقيقة ويغضبون عند سماع أدنى صوت. يجب أن نقول الحقيقة ما بقينا، لذا سأستمر في الكتابة حتى آخر لحظة في حياتي"، كان هذا رد سردشت الشخصي للتهديدات التي وصلته قبل أن يتم اغتياله.
ويتضمن تحقيق المنظمات الثلاث مجموعة من التوصيات لحكومة اقليم كوردستان والمجتمع الدولي جاء فيها، "يجب على السلطات الكوردية الكف فوراً عن ممارسة المضايقة والترهيب والتهديد تجاه أفراد أسرة سردشت عثمان وأصدقائه وإعادة إجراء تحقيق شفاف و نزيه في قضية سردشت عثمان.
وأوصى التحقيق بضرورة أن تمارس الجهات المدافعة، بالأخص الدول التي لديها علاقات دبلوماسية واقتصادية مع حكومة اقليم كوردستان، " الضغط المستمر على السلطات الكردية للتحقيق بما يتوافق والمعايير الدولية في التهديدات والاعتداءات وعمليات القتل التي يتعرض لها الصحفيون، بما في ذلك إعادة التحقيق في قضية سردشت عثمان."
يجب أن تمارس الجهات التي لديها علاقات دبلوماسية واقتصادية مع حكومة اقليم كوردستان لضغط المستمر على السلطات الكردية للتحقيق بما يتوافق والمعايير الدولية في التهديدات والاعتداءات وعمليات القتل التي يتعرض لها الصحفيون
ترمز قضية سردشت عثمان لمصير العديد من الصحفيين الناقدين الشباب في كردستان العراق، أمثال "آسوس هردي، كاوه كرمياني، وداد حسين وسوران مامه حمه". وتشير البيانات التي جمعتها لجنة حماية الصحفيين أنه منذ مقتل سردشت عثمان، قُتِل ما لا يقل عن 22 صحفياً آخرين في العراق لأسباب تتعلق بعملهم، ثمانية منهم في اقليم كردستان العراق.
" نادراً ما يتم التحقيق بشكل سريع ودقيق وفعال في التهديدات والاعتداءات التي ترتكب بحق الصحفيين"، حسبما جاء في التحقيق.
التوصية الثالثة التي تضمنها التحقيق نصت على ضرورة أن "تفرض الدول عقوبات مستهدفة على مسؤولي وسلطات حكومة إقليم كردستان كونها منعت إجراء تحقيقات سريعة وفعالة وشاملة ونزيهة وشفافة في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين."
وتقول ييجانه ريزايان، باحثة في لجنة حماية الصحفيين (CPJ)، "يجب أن يكون الصحفيون قادرين على قول الحقيقة للسلطة ، وكشف الفساد ، ومحاسبة المتنفذين ، وأن يسخروا من الشخصيات العامة دون خوف من الترهيب والعنف والموت."
وتضيف ريزايان، "عندما تتّبع السلطات أجندة اضطهاد الصحفيين والسماح للمعتدين بالإفلات من العقاب ، من الواجب عدم السماح لهم بالتهرب من العدالة ومواصلة حملة الرقابة العنيفة ضد الصحفيين. هذا التقرير يوفر خارطة طريق واضحة لكيفية التعامل مع قضية سردشت وضمان شفافية ومسؤولية أكبر في المستقبل."
وحثت المنظمات الثلاث المدافعين عن حرية الصحافة بالانضمام اليها لمطالبة السلطات الكوردية بوضع آلية وقائية رسمية مستقلة، مكلفة بالتحقيق في التهديدات والاعتداءات ضد الصحفيين في كوردستان العراق.
وترى أن من الممكن البدء بكسر حلقة الافلات من العقاب من خلال توفير تدابير الحماية والوقاية.
وتقول سابرينا بينوي، مسؤولة الشرق الأوسط في منظمة مراسلين بلا حدود (RSF)، "بعد مضي 12 عاماً على اغتيال سردشت عثمان، لا تزال السلطات متمسكة بنسختها الرسمية –التي لم يؤمن بها المقربون من الصحفي سردشت بتاتاً- فيما يتعلق بكتاباته المنتقدة للحكومة. التحقيقات بقدر ما يكتنفها الغموض ، يبدو عليها الاستعجال، ومن الجليّ أنها لم تكشف الحقائق حول الجناة ودافعهم الحقيقي."
يأتي العراق بالمرتبة الـ163 من بين 180 دولة على مؤشر حرية الصحافة العالمي. كافة قتلة الصحفيين في اقليم كوردستان قد أفلتوا من العقاب، وذلك وفقاً للتصنيف العالمي الخاص بالإفلات من العقاب لعام 2021 الصادر من لجنة حماية الصحفيين، والذي يحتل العراق فيه المرتبة الثالثة.
بإمكانك تنزيل وقراءة التحقيق كاملاً باللغة العربية هنا: