تعج مراكز الشرطة في قضاء خانقين بالعرب الوافدين الذين أعيدوا قبل 19 عاماً الى مناطقهم، لكنهم عادوا الآن ليطالبوا بتعويضات عن طريق تسجيل دعاوى قضائية.
خلال شهر واحد فقط سجلت 300 شكوى في شرطة خانقين والعملية مستمرة. هؤلاء المواطنين استقروا إبان فترة حكم حزب البعث في قرى خانقين في إطار عملية التعريب، لكنهم عادوا بعد سقوط نظام البعث في 2003 الى مناطقهم في جنوب ووسط العراق.
جاسم مريد، في الثمانين من العمر، قال بينما كان ينتظر دوره أمام مركز شرطة في خانقين لتسجيل دعوى قانونية، "أسجل دعواي ضد أمريكا، لأنهم السبب وراء ترحيلي من خانقين في عام 2003، جئت الآن للمطالبة بالتعويضات".
جاسم وعلى حد قوله، نُقل مع اقربائه بقرار من نظام البعث في عام 1975 من محافظة واسط الى قرية بابلاو بقضاء خانقين –قرية يقطنها الكورد-، وأضاف "عشنا طوال 28 سنة هنا على أراض وممتلكات الكورد، حين أسقطت أمريكا نظام البعث، كنا 30 عائلة أُخرجنا من هذه القرية".
حول سبب تسجيله الدعوى ومطالبه، قال جاسم، "تركنا أملاكنا وأراضينا الزراعية، تم الاستيلاء على مواشينا والآن نطالب بتعويضنا".
بموجب المادة 140 من الدستور العراقي، أي عائلة عربية وافدة تقدم طلباً للعودة الى منطقتها الأصلية وتوافق على العودة، ستحصل على مبلغ 20 مليون دينار وتعاد الى منطقتها.
معظم الذين تحدث معهم مراسل (كركوك ناو) في مراكز الشرطة كانوا من أهالي محافظات الديوانية، الناصرية وواسط والذين عادوا الى مناطقهم الأصلية في عام 2003 دون تسجيل دعاوى.
في عام 2003، أطاحت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بنظام البعث في العراق، على إثر ذلك عادت آلاف العوائل العربية التي جُلبت في إطار حملة التعريب الى المناطق المتنازع عليها، من ضمنها قضاء خانقين بمحافظة ديالى الى مناطقها تحت ضغط القوات الكوردية.
من أمام مركز شرطة آزادي في خانقين بعد تسجيله دعواه، قال أحمد دشر، لـ(كركوك ناو) ، "استقرينا في قرية دكة ملا ابراهيم للـ28 عاماً وزرعنا في أراضيهم، لكن حزب البعث سقط وصودرت جميع أملاكنا".
قرية دكة ملا ابراهيم قرية كوردية عادت الى أصحابها الأصليين منذ عام 2003.
"تعرضنا لكارثة، أمريكا سمحت للكورد بطردنا، لكننا رغم ذلك لا نسجل دعاوى ضد الكورد أو البيشمركة"، يقول أحمد دشر.
لكنه أبدى رغبته بالعودة الى الأراضي التي كانوا يزرعون فيها على مدار 28 عاماً مضت، قائلاً، "إما أن نحصل على تعويضات أو أن يعيدونا الى أراضينا في خانقين".
بصورة عامة، بدأت محاولات العرب الوافدين للعودة الى خانقين والمناطق الأخرى المتنازع عليها من ضمنها كركوك بعد انتهاء حرب داعش وعودة القوات العراقية الى تلك المناطق أواخر 2017 وانسحاب القوات التابعة لحكومة اقليم كوردستان منها.
أكثر من مصدر في شرطة خانقين، فضلوا عدم الكشف عن اسمائهم، أشاروا الى تسجيل 300 دعوى خلال شهر واحد.
مصدر رفيع المستوى في شرطة خانقين قال لـ(كركوك ناو)، "أجرينا متابعة وتبين بأن لجنة لتعويض المتضررين تم تشكيلها وباشرت مهامها في المحافظات، وتتولى هذه اللجنة قضية العوائل الذين تضرروا في تلك الفترة وتطلب اللجنة من تلك العوائل تقديم أدلة وإثباتات، والتي بدورها تسجل دعاوى وتستخدمها كأوراق ثبوتية يأخذونها الى محافظاتهم".
بموجب المادة 140 من الدستور العراقي تُمنح كل عائلة وافدة في المناطق المتنازع عليها مبلغ 20 مليون دينار في حال عودتها الى منطقتها الأصلية، اضافةً الى تعويض آخر يتعلق بحجم الضرر الذي يلحق بها بسبب عودتها، على سبيل المثال كلفة حفر آبار المياه، بناء المنزل، الخسائر الزراعية، بحسب ما اوضحه عدنان منصور الذي ترأس مكتب خانقين للجنة تنفيذ المادة 140 في خانقين لـ 16 عاماً.
عدنان منصور الذي ترك المنصب شهر آذار الماضي، قال لـ(كركوك ناو)، "تسجيل دعوى ضد القوات الأمريكية لا يستند الى أي أساس قانوني دولي، لأن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت نفسها في مجلس الأمن الدولي كدولة محتلة، ف بهذه الحالة لن يوكد تسجيل الدعوى مجدياً، أستغرب حشر اسم أمريكا في هذه القضية".
وتابع، "حسب المادة 140 من الدستور، أي مواطن عربي نُقل الى خانقين في الفترة بين عامي 1968 و 2003، كان لديه خياران، إما تقديم طلب لتسلم التعويضات وعودته الى منطقته الأصلية، أو بقائه شريطة أن لا يبقى على أراضي مملوكة للكورد أو المكونات الأخرى".
"حسم نزاعات الملكية في المناطق المتنازع عليها مسألة معقدة، تنطوي على جوانب سياسية وقانونية
وتشير إحصائيات مكتب خانقين للجنة تنفيذ المادة 140، تم تعويض ما يقرب من 4000 عائلة عربية وافدة عن طريق المكتب.
وأضاف عدنان، "بعد عام 2003، غادر معظم العرب قضاء خانقين، ولم يقدم قسم كبير منهم طلبات تعويض للجنة تنفيذ المادة 140، يبدو أنهم يريدون تقديمها الآن".
وتأتي محاولات العوائل للحصول على تعويضات في إطار المادة 140 في الوقت الذي لم يصل فيه مشروع قانون الميزانية العامة لسنة 2022 الى البرلمان ولم تحدد بعد حصة تلك المادة من الميزانية.
وزارة المالية العراقية خصصت في عام 2021 مبلغ 12 مليار و 900 مليون دينار فقط لتعويض المواطنين في اطار المادة 140 من الدستور، وذلك في الوقت الذي طلب مكتب كركوك لتنفيذ المادة 140 ميزانية تقدر بـ 60 مليار دينار لهذا الغرض.
لا تزال آلاف العوائل بانتظار الحصول على التعويضات في إطار تطبيع الأوضاع في المناطق المتنازع عليها – التطبيع أحد مراحل تنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي- رغم أنه كان من المقرر تطبيق المادة 140 قبل نهاية عام 2007.
وقال عدنان منصور، "حسم نزاعات الملكية في المناطق المتنازع عليها مسألة معقدة، تنطوي على جوانب سياسية وقانونية، لا أحد يتخذ خطوات تجاه الجانب السياسي، لذا من الضروري الاهتمام بالجانب القانونين وهذا الجانب أيضاً مهمّش، لو أ، هذه المشكلة عولجت في وقتها في عام 2007، لم تكن الأمور تصل لما هي عليه الآن".