تسعى الموصل وعدة مناطق أخرى من محافظة نينوى عن طريق مشروع يمتد لثلاث سنوات لمحو الصراعات والتداعيات التي خلفها الفكر المتطرف لتنظيم داعش، بهدف بث المصالحة بين مكوناتها.
تفاصيل المشروع تم الاعلان عنها في إطار مؤتمر حمل عنوان (تعزيز التعاون بين المؤسسات الحكومية والأمنية والاجتماعية) نظمته منظمة النجدة الشعبية (PAO) في مدينة أربيل بدعم من البرنامج الانمائي للأمم المتحدة (UNDP).
"يتم الاعداد للمشروع منذ مدة طويلة، وستتولى تنفيذه عدة جهات تلعب دوراً في المصالحة والتعايش، من بينها السلطة المحلية، المسؤولون الأمنيون ومنظمات المجتمع المدني"، حسب ألوند طلعت، مدير المشاريع في منظمة النجدة الشعبية (PAO)- منظمة غير حكومية.
المشروع سيُنفذ في 12 منطقة، تضم الجانبين الأيسر والأيمن لمدينة الموصل، سنجار، سهل نينوى، تلعفر والقيارة
وأوضح ألوند لـ(كركوك ناو) بأن مهمتهم تتمثل بتدريب المشاركين في المشروع على كيفية معالجة المشاكل والنزاعات، "بدءاً من فهم طبيعة المشاكل وانتهاءً بكيفية إيجاد الحلول".
رزحت مدينة الموصل ومعظم مناطق نينوى تحت سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) لثلاث سنوات، تعرضت خلالها عشرات الآلاف من العوائل من مختلف المكونات الدينية والقومية للقتل، الاختطاف، العنف والنزوح.
"المشروع سيُنفذ في 12 منطقة، تضم الجانبين الأيسر والأيمن لمدينة الموصل، سنجار، سهل نينوى، تلعفر والقيارة"، وأشار ألوند طلعت الى أن مراحل الاعداد الأخيرة للمشروع تضمنت تحديد النقاط التي تمثل تهديداً للمصالحة والتعايش بالرغم من مرور ما يقرب من خمس سنوات على استعادة المحافظة من قبضة داعش.
"من بين تلك المشاكل، نبذ تلك العوائل التي بقيت في المدينة ولم تنزح أثناء فترة سيطرة داعش، فهم غير مرغوبين فيهم من قبل النازحين العائدين، الى جانب استمرار مشاكل النازحين الذين لم يتمكن قسم منهم حتى الآن من الاندماج في مجتمعاتهم بسب نشوء حالة من الحقد والضغينة".
مدير مشاريع منظمة النجدة الشعبية أشار الى أنه "بصورة عامة، هناك مفهوم سائد بأن النازحين ليسوا جزءاً من داعش أما الذين بقوا في الموصل تحوم حولهم شبهات الانتماء لداعش".
شهدت الأعوام السابقة احتجاجات كثيرة في عدة مناطق من نينوى ضد عودة الأشخاص المتهمين بالتعاون مع تنظيم داعش، تطورت في بعض المناطق، مثل القيارة، الى اشتباكات.
نائب محافظ نينوى، علي عمر، قال لـ(كركوك ناو) عقب مشاركته في مؤتمر أربيل، "المشاكل والنزاعات بين مكونات الموصل كانت موجودة حتى قبل مجيء داعش، لكن لم تصل لهذه الدرجة، يمكن القول بأن ظهور داعش كشف المستور وأيقد نار الصراع، لذا من الضروري جداً وضع حد لهذه النزاعات".
تدأب الحكومة العراقية منذ سنوات على وضع استراتيجية لمجابهة التطرف، وفي حزيران 2021 شكل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لجان خاص بتهيئة الأرضية للسلام والتعايش في كل من محافظات نينوى، كركوك وصلاح الدين.
يقول نائب محافظ نينوى الذي يترأس ايضاً استراتيجية محاربة التطرف في الموصل بأنهم يعملون على زرع السلم المجتمعي والتعايش منذ أربع سنوات، "أبرز آثار التطرف الذي خلفه تنظيم داعش في الموصل هو تأثير الفكر الداعشي على الأطفال والأحداث، لذا تبنينا مشروعاً لتنظيف أفكار هؤلاء الأطفال ومن المقرر إدراج مادة التربية الأخلاقية ضمن المناهج الدراسية في العام الدراسي المقبل".
فضلاً عن قتل المئات من أبناء مكونات نينوى المختلفة، اختطف مسلحو تنظيم داعش الآلاف منهم، بالأخص من الايزيديين والتركمان الشيعة، لا يزال مصير قسم منهم مجهولاً.
لعبنا دوراً إيجابياً في حل مجموعة من المشاكل، نظراً لأن هذا المكتب يضم جميع المكونات
"تعتبر عوائل مقاتلي داعش أحد المشاكل الكبرى، البعض من الأهالي يرفضون عودة تلك العوائل، خصوصاً في القيارة، فيما تم التعامل مع جزء من المشكلة عن طريق إسكان قسم من عوائل داعش في منطقة جديدة أو في مخيم الجدعة، لكن ذلك يتطلب حلاً نهائياً"، على حد قول علي عمر.
أُعدّ مخيم الجدعة في نينوى مطلع العام الماضي لإيواء زوجات وأطفال وأقارب مسلحي داعش من حملة الجنسية العراقية، وذلك بعد إعادتهم من سوريا، حيث يتواجد أكثر من 30 ألف مواطن في مخيم الهول السوري.
عمر العبيدي، مدير مكتب البرلمان العراقي في الجانب الأيمن للموصل وأحد المشاركين في المؤتمر، قال لـ(كركوك ناو)، "لعبنا دوراً إيجابياً في حل مجموعة من المشاكل، نظراً لأن هذا المكتب يضم جميع المكونات"-تملك نينوى 34 نائباً في البرلمان بينهم عرب، كورد، تركمان، ايزيديون، شبك ومسيحيون.
يقول العبيدي بأن المشروع الذي يستغرق ثلاث سنوات ما هو إلا محاولة أولية لتشخيص المشاكل ومن ثم حلها، "دورنا في هذا الاطار سيكون حلقة الوصل بين المواطنين والنواب لمناقشة المشاكل عن كثب".
في عام 2019، سعت الحكومة العراقية لإنشاء مخيم العملة في ناحية الزمار، شمال غربي محافظة نينوى وتخصيصه لإيواء عوائل داعش، لكن المشروع توقف بسبب احتجاجات الأهالي والمسؤولين المحليين.
وقال المسؤول في منظمة النجدة الشعبية (PAO)، "بعد خمس سنوات على انتهاء سيطرة داعش لم يترسخ التعايش في الموصل، أهمية المشروع تكمن في أنه يعمل على إعادة الثقة بين المكونات وذلك يتطلب وقتاً"، حسب ألوند طلعت.
الأمم المتحدة حاولت سابقاً من خلال تشكيل لجان عدة، بالتعاون مع المسؤولين الأمنيين والإداريين ووجهاء العشائر تعزيز التعايش السلمي وإعادة الأشخاص المتهمين بصلتهم بمسلحي داعش على عدة مراحل، من بينها توقيع "ميثاق شرف" للتعايش وإعادة النازحين والمشردين.