مخاوف من تجريفها
غابات الموصل تستعيض حرائقها بآلاف الأشجار.. والمتبرعون يتسابقون إلى الصناديق مرة وبالكواريك مرة أخرى

نينوى/ 29 حزيران 2022/ جانب من حريق غابات الموصل تصوير: المقدم سعد حمادي - إعلام الدفاع المدني

مجيد العباجي- كركوك ناو - الموصل

كانت أعمدة الدخان تتصاعد من جانب المدينة الأيسر لتشكل كتلة من دخان كثيف يتلاشى في السماء.. من مكان بعيد تنبأ الناس بمصدر الدخان وهم على أمل أن يكذبهم حدسهم هذه المرة.

أخذت النار بالتوسع قبل أن تصلها آليات الدفاع المدني، عمر الحسيني إعلامي ومدون هرع الى مكان الحريق وفتح هاتفه ليبدأ بالتصوير الحي مع دعوة أطلقها لشباب المدينة للمشاركة في عملية الإطفاء لكن ألسنة اللهب كانت تتواصل في التهام العشب وما تبقى من الأشجار حتى وصل الدفاع المدني.

يقول عمر الحسيني لـ كركوك ناو، "يحدث في كل موسم صيف أن تحترق غابات الموصل لكن الحريق هذه المرة اختلف.. حجمه كان أكبر وكنت مع من حضر مباشرة أقل من أن نعمل على إخماد الخريق. بدأت بالتصوير الحي من المكان وأناشد الى حين وصول سيارات الدفاع المدني"

واستطاعت فرق الدفاع المدني بمساعدة من حضر من شباب المدينة ملاحقة جيوب الاحتراق وحجمت الحريق بعملية استمرت أكثر من 8 ساعات فيما بقيت 4 حوضيات في مكان الحادث منعا لتكرار الحريق.

 

بالفيديو لحظة اندلاع الحريق في غابات الموصل

فيما كان يقف الإعلامي أحمد الجفال بالقرب من النار ويقول "لم تكن جيوبا فحسب كان الوضع حرجا أحدهم اتصل بالمحافظة وطلب النجدة من مقاولي المحافظة بالآليات والجرافات".

من جانبه يقول المقدم سعد حمادي مدير إعلام الدفاع المدني، لـ كركوك ناو "سيطرنا على الحريق بالكامل في تمام الساعة السابعة والنصف بمعية عشرين فريق من الدفاع المدني ومساعدة كبيرة من الأهالي والمؤسسات الخدمية في المدينة وأصيب اثنان من عناصرنا.. أحدهما كسرت يده والآخر مر بحالة اختناق حرجة".

وحولت النيران أكثر من 60 دونم من الغابات إلى بقع متفحمة وسخام وأكلت أشجار عديدة يتجاوز عمرها 20 عام.

وتمتد غابات الموصل على مساحة أكثر من 900 دونم وتقع على الجانب الشرقي لنهر دجلة ويحفها سياج لمنع وقوع حرائق مفتعلة.

نينوى/ 29 حزيران 2022/ جانب من محاولات اطفاء  حريق غابات الموصل تصوير: المقدم سعد حمادي - إعلام الدفاع المدني

بينما يتابع أمير العباجي بحزن وحسرة كبيرين تفاصيل حريق الغابات عبر فيضان من منشورات متتابعة اقتحمت منصات التواصل الاجتماعي وقت الحريق كان يسارع الى كتابة تعليقات تحذر من التسلط على هذه الاراضي الحيوية والتي صارت "مطمع" لكثيرين يرون فيها فرصة استثمارية تدرعليهم أموالا طائلة يترك الناشط المدني أمير هاتفه جانبا ويقول لـ كركوك ناو "الحريق يعقبه تجريف ومن ثم تتحول الى مطاعم وقاعات أعراس".

ونفى العميد حسام خليل مدير الدفاع المدني في محافظة نينوى والذي أشرف ميدانيا على أعمال اخماد الحريق أن يكون الحريق متعمدا أو يأخذ طابع جنائي. ولحقه مدير بلدية الموصل عبد الستار الحبو بتوضيح أصدره بعد مؤتمر الدفاع المدني صباح يوم الخميس قائلا "حرائق الغابات موجودة في كل انحاء العالم ولدينا خطط لإنشاء مساحات خضراء في الغابات وتعويض خسائر الغابات من الأشجار وتحويلها كاملة الى باركات".

ويعتبر حريق يوم الأربعاء 29/6/2022 الحريق الرابع الذي أكل من رئة الموصل مثل هذا الحجم أو ما يقترب منه، أحدهم في عام 2017 مع عمليات تحرير والآخر بعام 2019 في حين توالت الحرائق بالعام الذي يليه 2020 وصولا إلى حريق الأربعاء 29/6/2022.

شباب الموصل يتلاحقون الخطر

بمقابل الحزن الذي اعترى مشاعر الناس خلال لحظات اشتعال الغابات برزت في الاثناء تعهدات تبرع بالأشجار أطقها الشاب أنس الطائي صاحب مشروع الموصل الخضراء وكانت قد التقت كركوك ناو بالطائي سابقا وكتبت عن مشروعه الواعد.

هرع أنس لحظة الاحتراق الى غابات الموصل ولم يجد شيء في مواجهة مشهد احتراق الأشجار إلا التبرع بالأشجار فكتب من هناك "أنا أنس الطائي سأتبرع ب200 شجرة تعويضا عن الأشجار التي احترقت اليوم".

الفكرة التي لامست قلوب الناس خوفا على غابات مدينتهم كانت منطلقا لوسم اشتعل على منصات التواصل الاجتماعي خلال يوم كامل سطر فيه مواطنون ومدونون وناشطون واعلاميون ونواب عن نينوى أرقام تبرعاتهم بالأشجار لتعويض ما خسرته الغابات.

سوف أجعل الأشجار تأكل الغابات أكل بدلا من النيران

كان يوسف مؤيد وهو موظف في دائرة صحة نينوى وقت اشتعال أجزاء من غابات الموصل منخرطا في دوامه في إحدى مستشفيات الموصل، انطلق يوسف وهو يقرأ سيل من تبرعات الأشجار الى الأقسام والشعب التي حوله يحفزهم على التبرع بالأشجار استطاع أن يجمع أكثر من 500 شجرة ليتم غرسها على أرض الغابات.

يقول الطائي وهو يتلقى مكالمات من متبرعين "سوف أجعل الأشجار تأكل الغابات أكل بدلا من النيران".

ولم تكتف المبادرات على جانب التبرع بالأشجار بل ساهم شباب اخرين بوضع صناديق تبرعات توزعت على أماكن معروفة في المدينة الموصل ليبدأ الناس بالمساهمة المالية كل قدر استطاعته.

وتنتظر أرض الغابات ما ينوف عن 20 ألف شجرة حتى الآن تم التبرع بها من مساهمات تطوعية لم تأت من الموصل فحسب بل من أنحاء مختلفة من العراق.

نينوى/ تموز 2022/ صندوق لجمع التبرعات لمبادرة إعادة تشجير غابات الموصل المحروقة  تصوير: كركوك ناو

وأصدرت بلدية الموصل إيضاحا يروم تنظيم عملية زراعة هذه الأشجار واختيار نوعيتها حيث أوعزت المتبرعين بالتوقف عن شجراء "اليوكالبتوس" أو "البولونيا" المزروعة حاليا في غابات الموصل واستبدالها بأخرى لا تسقط أوراقا كثيفة قد تساعد على عملية الاحتراق.

فيما بدأت أعمال التسوية وقلب التربة منذ اليوم الثاني للحرق يبدو أن الموصليين سيستأنفون رحلة إنشاء الغابات وتكثيفها كما فعلها أجدادهم قبل مئة عام أو يزيد.

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT