أنتج عدد من الفنانين الشباب في قضاء تلعفر بمحافظة نينوى، مسلسلاً باللغة التركمانية يعدُ الأول في تاريخ القضاء، بجهود ذاتية وبإمكانيات محدودة، وفيما طالبَ الفنانون بدعم لتطوير مواهبهم، لقي العمل استحساناً كبيراً من الجمهور الذي بدا يتابع حلقاته بشغف.
المسلسل الدرامي تم تسجيله باللغة التركمانية ويتحدث عن معاناة سكان القضاء في خضم الأحداث التي شهدها القضاء مؤخراً، من ضمنها مآسي الحرب على تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام "داعش".
"يتعذر علينا التصوير في الكثير من المناطق لعدم امتلاكنا موافقات رسمية من الجهات المعنية، حيث أن السلطات المحلية في تلعفر ترمي الكرة بملعب المحافظة، وتؤكد أن منح الموافقات خارج صلاحياتها الإدارية، هذا الأمر معرقل كبير لعملنا، وحائل لتطوير مواهبنا وامكانياتنا" هكذا يعبر علي عزالدين، مصور.
عن جانب من شجون الفنانين في قضاء تلعفر
ويضيف في حديث لـ(كركوك ناو)، أنه "لانعدام بعض أدوات العمل كالإضاءة نضطر إلى تصوير المشاهد نهاراً قدر الإمكان، ويقتصر تصويرنا على مواقع محددة، في حين أن هناك مشاهد يتطلب تصويرها في ردهات المستشفيات أو الدوائر أو غيرها الا أنه لا يمكننا القيام بذلك".
ويسترسل قائلاً "في الأصل أنا لاعب ملاكمة، ولكن أهوى التصوير وأسعى إلى توظيف امكانياتي في هذا المجال لخدمة المجتمع".
وتقع تلعفر شمال غرب العراق، وتبعد عن مدينة الموصل حوالي 70 كم، دخلها تنظيم داعش في 16 حزيران 2014 وبعد مقاومة من أبناء العشائر استمرت نحو عشرة أيام نفذت أسلحتهم ولم تصلهم أي دعم او امدادات من الحكومة المركزية فسقطت كليا في 26 حزيران.
إلى جانب المعالجة الاجتماعية لبعض القضايا نسعى للحفاظ على الهوية التركمانية
محمد علي جرك، مخرج مسلسل (انتقام الأمير) الذي بات حديث الساعة في الوسط الفني التركماني، يتحدث عن العمل قائلاً "قصة المسلسل واقعية، تتمحور حول شاب من ذوي الاحتياجات الخاصة، يتعرض إلى حالة تنمر خلال ممارسته للرياضة في احدى قاعات بناء الأجسام، ليتطور الأمر إلى القتل وعداءات بين أطراف متعددة، لذا فإن الهدف الرئيسي هو الوقوف بوجه الظواهر الاجتماعية السلبية -ومنها التنمر ضد ذوي الاحتياجات الخاصة".
ويشير في حديثه لـ(كركوك ناو) أن "الجزء الأول من المسلسل يضم ثماني حلقات، ومدة كل حلقة 20 دقيقة، ولقيَ المسلسل إقبالاً واسعاً حتى من خارج العراق، ولهذا وضعنا ترجمة عربية للحلقات، والمسلسل هو الأول في تاريخ تلعفر، باللغة التركمانية، فإلى جانب المعالجة الاجتماعية لبعض القضايا نسعى للحفاظ على الهوية التركمانية للمدينة من خلال استخدام الالفاظ والأسماء والالقاب المحلية".
ويتابع "لم نتلقى أي دعم من أي جهة، بل نعمل بشكلٍ طوعيّ، ونتأمل أن نتلقى دعماً للنهوض بالفن التركماني من قِبل الجهات الرسمية والمنظمات الدولية والمحلية والمؤسسات الإعلامية، ونشكر التفاتة (كركوك ناو) حيث أنه أول وسيلة إعلامية سلطت الأضواء على مواهبنا".
وعن الأعمال القادمة كشف قائلاً "يتبع المسلسل فلم سينمائي يوثق تضحيات أحد شهداء تلعفر خلال معارك التحرير من تنظيم داعش، كما نخطط لإنتاج أفلام قصيرة هادفة".
بعد تحرير تلعفر من سيطرة (داعش)، في أب 2017، عاد نحو 60% من النازحين التركمان إلى مدينتهم بينما ينتشر الاخرون، الذين فضّلوا عدم العودة، في عددٍ من المحافظات الجنوبية والوسطى، لا سيما النجف وكربلاء وبابل، إلى جانب إقليم كوردستان، وكركوك وتركيا.
نعمل بشكل طوعي.. الانتقاد الهادف يساهم في تطوير الأداء
"قبل أربع سنوات كنتُ أعمل في تصوير الحفلات والمناسبات، وبدأت مؤخراً بتصوير مسلسل (انتقام الأمير) مع عدد من الزملاء بكاميراتنا الشخصية، ورغم امكانياتنا وأدواتنا البسيطة الا أن ما قمنا به نال استحسان الجمهور واشادته، ونعمل بشكل طوعيّ"، يقول عبدالله شعيب، مصور.
ويضيف "نحتاج إلى تعاون السلطات المحلية وهناك مشاهد تتطلب الاستعانة بالعربات العسكرية في تصوير بعض اللقطات، الأمر الذي يساهم في تطوير العمل والخروج بإنتاج متميز".
ويشير في حديثٍ لـ(كركوك ناو) إلى أن "المواقف الطريفة في عملنا أن شحن بطاريات الكاميرات تنفذ أحياناً فنضطر إلى إيقاف العمل مؤقتاً ريثما تتم إعادة الشحن"، مرحباً بـ"الانتقادات الهادفة التي تساهم في تطوير الأداء وتصحيح الأخطاء التي لا يخلو أي عمل منها".
وشهدت مدينة تلعفر خلال السنوات 2004-2010، أعمال عنف ذات طابع طائفي، خلفت آلاف الضحايا، والمهجرين في صفوف سكانها التركمان، فيما تشهد اليوم نشاطاً ثقافياً واسعاً، عقب تحريره من سيطرة (داعش)، حيث تم افتتاح عدة مكتبات ونوادٍ ثقافية، ورصيف للكتب يشتمل على فعاليات أدبية وفنية منوعة.
"هناك مواهب عديدة في تلعفر تحتاج إلى الرعاية ليكون لهم مستقبل فني واعد، فهم يمتلكون مقومات التمثيل الناجح الا أنه ليس هناك جهة تهتم بهم وترعاهم" بحسب قيصر محمد، ممثل.
ويؤكد في حديثه لـ(كركوك ناو) أن "الأعمال الفنية التي نقوم بأدائها باللغة التركمانية تتم ترجمتها إلى اللغة العربية الفصحى لوجود متابعين من خارج العراق لا سيما ليبيا ومصر وتركيا، إلى جانب المدن العراقية الأخرى، وتفرحنا اشادتهم بأعمالنا ومتابعتهم لها".
ويتابع "في المشاهد نستعين بلقطات قتل وعنف لجذب المشاهدين بهدف إيصال الرسالة التي نرغب بها، حيث أن المشاهد التقليدية الخالية من الاكشن لم تعد تستحوذ على اهتمام الجمهور".
وتعذّر الحصول على رأي من نقابة الفنانين العراقيين، أو مكتب الثقافة التركمانية لعدم وجود مكاتب لهما في تلعفر، في حين تشير السلطات المحلية أن منح الموافقات الخاصة بتصوير وإنتاج الأفلام أمر خارج صلاحياتها الإدارية، مع التأكيد على أنها مع دعم المواهب الفنية التي تسعى لنشر المحبة والسلام وتساهم في خدمة المجتمع عبر الاعلام الهادف، الا أنها ملتزمة باحترام سلسلة المراجع والصلاحيات وفقاً للتعليمات النافذة.