في زيارته الأخيرة للموصل، تعهد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بالعودة في شهر آب المقبل لإطلاق عدة مشاريع مهمة من بينها وضع حجر الأساس لمشروع مطار الموصل، ويأتي ذلك بعد أن تعرض لانتقادات من سكان المدينة الذين كانوا ينتظرون من الكاظمي أن يحسم مسألة المطار خلال زيارته الأخيرة.
مطار الموصل وقع بيد مسلحي تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) في حزيران 2014 وتعرض لدمار كبير، وبقي المطار لسنوات بين وعود الحكومة العراقية وخيبة سكان المدينة، الى أن أعاد الكاظمي الموضوع الى الواجهة.
في أول أيام عيد الأضحى، الذي صادف يوم 9 تموز 2022، وصل الكاظمي الى الموصل، وبعد اجتماعه مع مسؤولي الحكومة المحلية، تعهد بالعودة في آب المقبل ليقرر بشأن المشاريع المعلقة وتنفيذ وعوده، غير أن البعض من أهالي الموصل لا يثقون بتلك الوعود.
قيصر دحام، خريج جامعة ويعيش في مركز الموصل، وأحد الذين انتابهم الياس من وعود الحكومة، قال لـ(كركوك ناو)، "يأمل جميع سكان لموصل أن تتم إعادة إعمار المطار، لكن ذلك أصبح حلماً"، وأضاف، "في كل مرة يأتي مسؤول حكومي ويعد بإعادة تأهيل المطار، ثم لا نسمع شيئاً منه بعد ذلك".
وقال قيصر، "إن كنا نريد السفر خارج العراق لأغراض العلاج أو غيرها، يتوجب علينا الذهاب الى مطار أربيل أو بغداد، وهذا يثقل كاهلنا ويزيد كلفة النقل علينا... لا أثق بوعود الكاظمي مطلقاً".
شيد مطار الموصل في عام 1920، حين كان العراق يخضع للحكم البريطاني، وفي عام 1922 تم تحويله من مطار عسكري الى مدني.
بعد سقوط نظام البعث الذي حكم العراق حتى عام 2003، استخدم المطار كقاعدة عسكرية للقوات الأمريكية، لكنه سُلّم للحكومة العراقية في عام 2008 بعد إجراء العديد من التغييرات عليه بحيث يطابق المعايير العالمية، قبل أن يقع المطار في يد مسلحي تنظيم داعش في حزيران 2014.
أواخر عام 2015 بنى تنظيم داعش خنادق بعمق مترين وعرض 10 أمتار داخل المطار، المسافة بين خندق وآخر 100 متر، بهدف منع القوات العراقية من عمليات الإنزال الجوي، هذه الخنادق شكلت أيضاً عائقاً كبيراً أمام إعادة تأهيل المطار في المدة المحددة.
في الوقت الحاضر اكتمل تصميم مشروع ترميم المطار وكان من المقرر أن يُنفذ من قبل شركة فرنسية بقرض 300 مليون يورو، لكن لم يتم التوصل الى اتفاق نهائي بشأن ذلك، بسبب وجود خلافات بين الحكومة العراقية والحكومة المحلية في نينوى.
العام الماضي وافقت الحكومة العراقية على صرف حصة المحافظة من ميزانية تلك الأعوام الثلاثة
ويأتي ذلك في حين شهد شهر كانون الثاني 2021 توقع مذكرة تفاهم بين سلطة الطيران المدني العراقي وشركة ADPI الفرنسية.
ويقول نائب محافظ نينوى للشؤون الادارية، رفعت سمو، "محافظ نينوى، نجم الجبوري، يواصل اجتماعاته ومحادثاته مع سلطة الطيران المدني العراقي والحكومة العراقية، لكن قراراً نهائياً بشأن بدء المشروع لم يُتخذ بعد، في السابق كان من المقرر أن تتولى شركة فرنسية تأهيل المطار بقرض طويل المدى، لكن حسب معلوماتي، الشركة طلبت مبلغاً كبيراً، لذا لم يتم التوصل الى اتفاق"، دون أن يشير الى مقدار المبلغ.
الحكومة المحلية في نينوى تفضل أن تتم إعادة إعمار المطار من حصة محافظة نينوى من ميزانية أعوام 2014 و 2015 و 2016 وليس عن طريق القروض. ولم تصرف الحكومة العراقية في تلك الأعوام حصة المحافظة من الميزانية كونها كانت ترزح تحت سيطرة تنظيم داعش.
لكن رفعت سمو قال "العام الماضي وافقت الحكومة العراقية على صرف حصة المحافظة من ميزانية تلك الأعوام الثلاثة... نريد على الأقل أن يخصص جزء من ذلك المبلغ لتأهيل المطار".
بين كل هذا وذاك وغياب القرار النهائي، قال رفعت سمو "اتخاذ قرار بشأن هذا الموضوع ليس سهلاً والقرار النهائي بيد هيئة الطيران المدني العراقي وليس نحن".
ماجد شنكالي، نائب عن محافظة نينوى في البرلمان العراقي يقول بأن مجمل العملية تتعلق بوجود خلافات بين رئيس الوزراء والحكومة المحلية في نينوى والشركة الفرنسية حول مقدار المبلغ المخصص لتأهيل المطار وكيفية صرفه.
"رئيس الوزراء يود منح المشروع للشركة الفرنسية، لكن على هيئة قرض 300 مليون يورو، أي ما يعادل حوالي 450 مليار دينار، في المقابل ترغب الحكومة المحلية في نينوى في إعادة إعمار المطار على ميزانية المحافظة لتلك الأعوام الثلاثة"، وأضاف ماجد شنكالي، "مجموع ميزانية تلك الأعوام الثلاثة هو 800 مليار دينار، تريد الحكومة المحلية في نينوى تخصيص 214 مليار دينار منها في البداية للمطار".
في مؤتمر صحفي عقد في 27 كانون الثاني 2021، شدد محافظ نينوى، نجم الجبوري، على أن أعمال ترميم وتأهيل المطار ستبدأ "هذا العام"، وهو جزء يسير من الوعود التي أعطيت بشأن المطار.
هناك بعض الجهات التي تقول أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني يعيق المشروع لأنه سيؤثر على الرحلات من مطار أربيل
بالنسبة للمواطن قيصر دحام، الذي ينتظر أن يكون شاهداً بنفسه على بدء الرحلات الجوية من مطار الموصل، تبعثر هذه الخلافات أمانيه وتزيد يأسه من إمكانية تنفيذ وعود تأهيل المطار.
يقول قيصر، "ربما هناك تدخلات خارجية ايضاً لكي لا يعاد تأهيل المطار"، وتحدث عن احتمال أن "لا يسرّ" المشروع حكومة اقليم كوردستان وبعض المسؤولين في نينوى لكي ينطلق معظم الرحلات من مطار أربيل.
وقال ماجد شنكالي، وهو نائب عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني "هناك بعض الجهات التي تقول أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني يعيق المشروع لأنه سيؤثر على الرحلات من مطار أربيل، لكن هذه الادعاءات غير صحيحة أبداً... نحن نقول أن من حق أهالي الموصل أن يكتمل بناء المطار"، غير أن شنكالي لم يستبعد وجود تدخلات داخلية وخارجية دون أن يبين طبيعة تلك التدخلات.
الكاظمي كان عازماً على تنفيذ وعوده لأهالي الموصل، بالأخص مشروع المطار... في نفس الاجتماع قال بأنه سيعود الى الموصل في شهر آب لحسم الموضوع
وفقاُ لمتابعات سابقة لـ (كركوك ناو)، نسبة الأضرار التي لحقت بمدارج المطار تصل الى 25 بالمائة، ساحات وقوف الطائرات 5 بالمائة، ابراج المراقبة 100 بالمائة، كما تضررت جميع المعدات والأقسام الأخرى للمطار كلياً.
بعد يومين من زيارة الكاظمي للموصل، انطلقت تجمعات احتجاجية في سهل نينوى وناحية بعشيقة انتقد فيها المشاركون الحكومة المحلية في نينوى لعدم البدء بمشروع تأهيل المطار، رغم أن البعض فسر تلك التجمعات على أنها جزء من الصراع السياسي بين جبهتين.
ويرى ماجد شنكالي أن زيارة الكاظمي الى الموصل لم تكن مناسبة، "يجب أن تكون زيارته متزامنة مع وضع حجر الأساس لمشروع تأهيل المطار".
وأضاف، "أو أن يضع خلالها حجر الأساس لعدد من المشاريع المهمة على الأقل".
في اجتماع الكاظمي مع محافظ نينوى في التاسع من تموز الجاري تم التطرق مرة أخرى لموضوع المطار، حسب النائب شيروان الدوبرداني.
"الكاظمي كان عازماً على تنفيذ وعوده لأهالي الموصل، بالأخص مشروع المطار... في نفس الاجتماع قال بأنه سيعود الى الموصل في شهر آب لحسم الموضوع"، على حد قول شيروان الدوبرداني الذي حضر ذلك الاجتماع بصفة نائب.
في 18 تموز، ترأس الكاظمي اجتماعاً خصص لقضية تأهيل مطار الموصل الدولي، حضره محافظ نينوى وعدد من المسؤولين المختصين الى جانب عدد من الوزراء، واستُعرض في الاجتماع المخططات، والتصاميم الجديدة للمطار، وتحديد الكلف المالية الخاصة بالتنفيذ .
وذكر المكتب الاعلامي لرئيس الوزراء العراقي في بيان "الكاظمي يعلن قرب وضع حجر الأساس لمشروع تأهيل مطار الموصل"، معتبراً ذلك جزءاً من تنفيذ الوعود التي أعطيت لأهالي الموصل.
لكن ماجد شنكالي، أحد النواب الذين يتابعون القضية، يقول "لا أعتقد أن المشروع سيبدأ، المشكلة أكبر من ذلك وهناك تدخلات خارجية وداخلية كبيرة".