يضطر البعض من مزارعي خانقين لجلب السماد عن طريق التهريب ودفع مبالغ كبيرة للحصول عليه، في الوقت الذي تعرضوا فيه خلال العامين الماضيين لخسائر قُدرت بملايين الدنانير بسبب الجفاف ومن المتوقع أن يتراجع انتاج الحبوب في مناطقهم.
وزارة الزراعة العراقية أوقفت في كتاب صدر في 20 تشرين الثاني 2022 وموجه الى وزارة الداخلية عملية شراء ونقل جميع أنواع الأسمدة الكيمياوية من اقليم كوردستان الى محافظات العراق، كما منعت تداولها في الأسواق.
المزارع علي خانقيني، اشترى مطلع هذا العام 35 طناً من الأسمدة الكيمياوية من قضاء كلار –تابع لحكومة الاقليم-، لكن نقاط التفتيش العائدة للحكومة العراقية لم تسمح بمرورها.
خانقين منطقة متنازع عليها بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان وملفها الأمني بيد الحكومة العراقية.
المال يسهل لك كل شيء هنا
يقول علي، "اشترينا السماد مع ستة مزارعين آخرين، أردنا نقله الى خانقين، لكنهم أخبرونا ان ذلك محظور بقرار وزارة الزراعة".
علي وغيره من المزارعين انتظروا لأكثر من شهر، الى أنهم اضطروا نهاية المطاف لجلب السماد الى خانقين عن طريق التهريب بعد أن دفعوا 500 ألف دينار مقابل كل طن.
حول الكيفية التي أدخلوا بها السماد الى خانقين قال علي، "المال يسهل لك كل شيء هنا"، دون الخوض في التفاصيل.
وفقاً لتعليمات وزارة الزراعة العراقية الصادرة في 20 تشرين الثاني 2022، باستثناء سماد اليوريا وغيرها من الأسمدة المحظورة، يمكن استيراد جميع أنواع الاسمدة الكيمياوي الى العراق شريطة أن يكون للمستورد إجازة استيراد، لكن عملية نقله من المنافذ الى المخازن تكون بإشراف جهاز الأمن الوطني وقيادة العمليات المشتركة.
وتنص التعليمات على أن نقل الأسمدة الى الحقول الزراعية يكون تحت رقابة جهاز الأمن الوطني، ويحظر نقل كل أنواع الأسمدة من اقليم كوردستان الى المحافظات العراقية.
إناطة تلك المهام لجهاز الأمن الوطني تتعلق بالملف الأمني، لأن بعض المواد الكيمياوية المستخدم في الزراعة يمكن استخدامها أيضاً لصنع المتفجرات وتعتبر مواد خطرة.
مجلس الوزراء العراقي أجرى تغييرات في بعض الشروط والتعليمات خلال اجتماع عقده في 28 شباط الماضي، منها السماح باستيراد سماد (اليوريا والداب) من اقليم كوردستان الى نينوى عن طريق نقطة تفتيش سد الموصل والى كركوك من نقطة تفتيش دارمان بموجب التعليمات، دون تحديد منفذ لدخول تلك الأسمدة الى ديالى.
ويأتي هذا القرار في الوقت الذي صرف فيه المزارعون خلال الشهرين الماضيين مبالغ كبيرة لتهريب الأسمدة من اقليم كوردستان.
حسب المعلومات التي حصل عليها موقع (كركوك ناو)، أكثر من يعانون من مشكلة الحصول على الأسمدة الكيمياوية هم المزارعون الذين لم يتم تجديد عقودهم الزراعية بسبب وجود نزاعات حول ملكيتها، حيث تمتنع وزارة الزراعة عن تزويدهم بالسماد الكيمياوي، وتوجد هذه المشكلة على نطاق واسع في المناطق المتنازع عليها.
وقال علي خانقيني، "لهذا السبب نلجأ لجلب السماد بطرق غير قانونية وندفع مبالغ كبيرة لهذا الغرض".
في الوقت الذي حَظرت فيه وزارة الزراعة جلب السماد الكيمياوي من اقليم كوردستان، يمكن إدخاله الى خانقي عن طريق التهريب
ابراهيم خليل، مدير دائرة زراعة خانقين –تابعة لمحافظة ديالى-، قال "قرار وزراة الزراعة ينص على عدم السماح لأي مزارع في خانقين استيراد أي نوع من الأسمدة من اقليم كوردستان... نحن نزود المزارعين بالأسمدة والمستلزمات الأخرى حسب مساحة الأرض الزراعية، شريطة أن تكون الوزارة قد جددت عقودهم الزراعية".
أسماء ألفي مزارع مسجلة عند دائرة زراعة ديالى، ويتم تزويدهم بالسماد الأبيض بمبلغ 300 ألف دينار للطن الواحد، و 900 ألف دينار للسماد الأسود.
أما في حال لجأ المزارع لشراء السماد من السوق السوداء سيكلفه الطن الواحد مبلغ مليون و150 ألف دينار.
بصورة عامة، يوجد نوعان من الأراضي الزراعية، الأول هي الأراضي التي تم تجديد عقودها بعد عام 2003 ، والثاني هي الأراضي التي تعود عقودها لسبعينات القرن الماضي وبموجب التعليمات لا يتم تزويد اصحابها بالأسمدة.
عبدالله محمد، مزارع من خانقين، يقول "في الوقت الذي حَظرت فيه وزارة الزراعة جلب السماد الكيمياوي من اقليم كوردستان، يمكن إدخاله الى خانقي عن طريق التهريب بعد دفع مبالغ كبيرة لـ"غض النظر".
المزارعون الذين لم تجدد عقودهم منذ سبعينات القرن الماذي لا تزودهم وزارة الزراعة بالأسمدة والمستلزمات الزراعية الأخرى.
وتأتي هذه المشكلة لتزيد من معاناة المزارعين الذين تكبدوا خسائر فادحة خلال العامين الماضيين بسبب قلة الأمطار وتداعيات التغير المناخي.
يقول عبدالله محمد أنه تكبد خسائر قُدرت بثمانية ملايين دينار في عام 2021.
عبدالله من المزارعين الذين لم تجدد عقودهم الزراعية ويقول أن الحصول على السماد الكيمياوي زاد على مخاوفه من موسم جفاف آخر.
عدد المزارعين المسجلين عند دائرة زراعة خانقين –التابعة لحكومة اقليم كوردستان- 2400 مزارع، ووفقاً لمدير الدائرة، كامران عبدالله، جميعهم تضرروا في أعوام 2021 و 2022.
وقال كامران، "في العامين السابقين كان انتاج الأراضي الديمية من الحبوب معدوماً، لكن 300 مزارع في خانقين كانوا يقومون بري محاصيلهم بأنفسهم.. إنتاجهم لم يكن بالحجم المطلوب بسبب العواصف الترابية والآفات الزراعية".
يجب على الحكومة أن تفكر في خطة لمساعدة المزارعين، قطعت عنا مياه نهري سيروان وألوند
دائرة زراعة خانقين –التابعة لحكومة الاقليم-، سجلت حجم الأضرار التي لحقت بالمزارعين لكن لا توجد أخبار سارة تخص تعويضهم.
تقدر مساحة الأراضي الديمية في خانقين بـ325 دونم، أما الأراضي المروية فمساحتها 92 ألف دونم.
"الى جانب مشكلة الجفاف، نواجه مشكلة أكبر تتمثل في عدم السماح لنا بجلب الأسمدة، نحن مستعدون للزراعة لكن ما الذي بوسعنا أن نفعله إن لم يساعدونا"، يقول أكرم حاتم، مزارع آخر من خانقين.
وقال أكرم الذي يتكبد خسائر من زراعة الحبوب أربع سنوات متتالية، "في عام 2019 و 2020 تعرضت لخسائر كبيرة".
في عام 2021، زرع أكرم 12 طن من الحنطة في أرض ديمية على أمل تساقط الأمطار، دون أن يكون له انتاج، ويقول أن "الضرر الأكبر لحق به في عام 2022، حين زرع 50 طن من الحنطة".
"أقسم بالله أنا الآن مديون مبلغ 40 مليون دينار"، وقال أكرم مخاطباً الحكومة، "كل ما أعرفه هو الزراعة، يجب على الحكومة أن تفكر في خطة لمساعدة المزارعين، قطعت عنا مياه نهري سيروان وألوند، إذا لم تمطر ستنتهي الزراعة، لن نتحمل مزيداً من الخسائر".