لم تظهر القيادة الكوردية والمؤسسات الرسمية لإقليم كوردستان أي ردة فعل تجاه قضية استحداث قضاء مندلي، حتى أن الجهات الكوردية لم يتم دعوتها للمشاركة في الاحتفالات الجماهيرية بذلك الحدث، لكنهم يريدون تسنم منصب قائممقام القضاء.
ويرى المراقبون السياسيون أن غياب ردود الفعل من القيادة الكوردية رغم أنها أكدتت باستمرار على "كوردستانية" مندلي، يعود لحقيقة أنها لم تلعب دوراً في مساعي استحداث القضاء، كما أن الأحزاب الكوردية لم تكن ضمن الأحزاب الرئيسية في المنطقة، فضلاً عن أنها "كانت مقصرة تجاه مندلي وسكانها منذ عام 2003".
في 12 آذار 2023، أعلنت وزارة التخطيط العراقية موافقتها على إعادة استحداث قضاء مندلي بهدف عودة الحياة الى الأقضية التي "تعاني من الإهمال" بحسب الوزارة.
بسبب سياسات النظام السابق، التغييرات الديموغرافية في المنطقة وتهجير سكانها الأصليين
مازن أكرم، الذي يشرف حالياً على إدارة قضاء مندلي وهو من المكون العربي، قال "هذا انجاز كبير سينقل وضع البلدة نحو الأفضل، يطور البنية التحتية للخدمات في مندلي، كما سيجذب مشاريع خدمية تؤدي لازدهار مندلي".
وكانت مندلي قد حولت الى قضاء في عام 1947 وتعد من أقدم الأقضية في العراق، لكن بعد 40 سنة وتحديداً في عام 1987 تم تحويلها مرة أخرى الى ناحية تابعة لقضاء بلدروز في ديالى.
المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط، عبدالزهرة الهنداوي، أعلن في بيان نشر في 12 آذار موافقة الوزارة على إعادة استحداث قضاء مندلي مع التأكيد على إلغاء قرار عام 1987.
وقال مازن أكرم، "حين تم إلغاء قضاء مندلي بقرار من حزب البعث وحول الى ناحية، تعرض سكانها للنزوح واستقروا في بلدروز، كنعان، بغداد ومناطق أخرى".
يقول آزاد حميد، الذي ترأس مجلس ناحية مندلي لأكثر من 10 سنوات –تم حل المجلس-، بأن مندلي أشبه بقرية حوّلت الى قضاء، "بسبب سياسات النظام السابق، التغييرات الديموغرافية في المنطقة وتهجير سكانها الأصليين".
مندلي من المناطق المتنازع عليها بين الحكومة الاحادية العراقية وحكومة اقليم كوردستان ، إدارياً تتبع محافظة ديالى، وتبعد 93 كم عن مدينة بعقوبة، مركز المحافظة، ويسكنها خليط سكاني من العرب، الكورد الفيليين والتركمان.
خلال فترة حكم نظام البعث، طالت قرارات النظام الكورد الفيليين، لذا يقول وزير التخطيط العراقي ونائب رئيس الوزراء، محمد تميم، في كتاب وجه في 9 آذار الى الهيئة العليا للتنسيق بين المحافظات يطلب فيها إعادة استحداث قضاء مندلي، "الهدف من هذه الخطوة إعادة الحياة الى مندلي، لأنها تعاني من الإهمال رغم الامكانيات المتعددة المتوفرة فيها ولأنها تضررت من الحروب التي وقعت في المنطقة وأجبرت سكانها على النزوح".
وشدد أيضاً على أن "هذه الخطوة هي لمحو الآثار السيئة التي نشأت نتيجة تلك القرارات التي صدرت ضد الكورد الفيليين في مندلي".
عقب أحداث 16 أكتوبر، تراجع دور الكورد بصورة كبيرة وصودرت مقارنا الحزبية
أما آزاد حميد، الذي تولى منصب رئيس مجلس ناحية مندلي ضمن حصة الكورد وتحديداً الحزب الديمقراطي الكوردستاني فيقول، "لا تزال 84 قرية كوردية في مندلي تعاني من آثار الدمار، ولا تزال عشرات الآلاف من الدونمات من أراضي الكورد مسلوبة في إطار عمليات التعريب، لذا يجب العمل بجدية على هذا الموضوع وتطبيع الأوضاع في مندلي وإعادة سكانها النازحين الى أراضيهم".
وأضاف، "مع أن مندلي أصبحت قضاءً، لكن الحل الوحيد هو تنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي".
استأنفت الأحزاب الكوردية العمل السياسي في مندلي بعد سقوط نظام البعث عام 2003 وفاز التحالف الذي شاركوا به في انتخابات مجالس المحافظات في 2005 بأعلى نسبة من أصوات ناخبي ناحية مندلي، وتم توزيع منصبي مدير الناحية ورئيس مجلسها بين الحزبين الكورديين الرئيسيين (الاتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني).
آزاد حميد، الذي كان رئيساً لمجلس ناحية مندلي قبل جل مجالس المحافظات والأقضية والنواحي عام 2019، قال "عقب أحداث 16 أكتوبر، تراجع دور الكورد بصورة كبيرة وصودرت مقارنا الحزبية".
الديمقراطي الكوردستاني لم يستطع ممارسة العمل السياسي في مندلي منذ أحداث 16 أكتوبر 2017 والاستيلاء على مقراتهم
واحد الكاكائي مسؤول اللجنة الحزبية للاتحاد الوطني الكوردستاني في مندلي يقول أنه كان من المفترض أن يتم تحويل مندلي الى قضاء على يد الكورد وليس أي جهة أخرى، "لكن الكورد يعانون من خلافات داخلية أثرت أيضاً على كيفية عملنا في تلك المناطق".
الاتحاد الوطني الكوردستاني لم يشارك في احتفالات استحداث قضاء مندلي، ويقول واحد الكاكائي، "لم نكن مدعوّين ولم نرسل أي تهنئة، لكن قرار استحداث قضاء مندلي أفرحنا، لأن سكان مندلي تعرضوا للنزوح والمآسي".
وانتقد الأحزاب الكوردية بأنها كانت "مقصرة في خدمة مندلي ولم تكن لديهم مشاريع استراتيجية للمنطقة" حين كانت متنفذة في مندلي.
الطرق والشوارع في مندلي تعاني من الإهمال، هناك مشاريع لإعادة تأهيل بعض الطرق لكنها تعود لما قبل صدور قرار استحداث القضاء. تعاني مندلي أيضاً من شح المياه في الصيف، ونظامها الصحي والتعليمي مماثل لما هو موجود في مناطق أخرى من محافظة ديالى.
شمس الدين حسن، مسؤول الفرع 15 للحزب الديمقراطي الكوردستاني في خانقين ومسؤول القسم الجماهيري والمهني للفرع يقول أن الديمقراطي الكوردستاني لم يستطع ممارسة العمل السياسي في مندلي منذ أحداث 16 أكتوبر 2017 والاستيلاء على مقراتهم، لكنه قال أن قرار استحداث قضاء مندلي أسعدهم، "هنأنا سكان المنطقة"، لكن الديمقراطي الكوردستاني لم يشارك في مراسيم افتتاح مبنى قائممقامية مندلي.
لكورد يسعون الآن لتولي منصب القائممقام، وأضاف "لهذا الغرض نواصل اجتماعاتنا ومحادثاتنا مع الأطراف السياسية
في 16 أكتوبر 2017، أعادت القوات العراقية، بأوامر من رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، فرض سيطرتها على المناطق المتنازع عليها ، وأجبرت قوات انسحبت البيشمركة والقوات الأمنية الأخرى التابعة لحكومة اقليم كوردستان على الانسحاب.
الحزبان الكورديان الرئيسيان سعيا عن طريق ممثليهما في البرلمان العراقي والحكومة العراقية السابقة لإعادة استحداث قضاء مندلي، لكن في الوقت الحاضر يَنظر الى محسن المندلاوي، النائب الأول لرئيس البرلمان العراقي كالشخص الأول المرشح للعب دور في حسم القضية.
آزاد حميد، الذي يعمل حالياً في المنطقة كشخصية سياسية تابعة للحزب الديمقراطي الكوردستاني وهو شقيق رئيس عشيرة قرلوس، يقول أن الكورد يسعون الآن لتولي منصب القائممقام، وأضاف "لهذا الغرض نواصل اجتماعاتنا ومحادثاتنا مع الأطراف السياسية، لأن منصب مدير الناحية كان سابقاً من حصة الكورد كاستحقاق انتخابي".
قرلوس عشيرة كوردية يعيش معظم أفرادها في مندلي.
أحمد خليل، مراقب سياسي في ديالى، يرى أن غياب الدور الكوردي في قضية استحداث قضاء مندلي يعود الى عدة أسباب أهمها، "عدم تمكنهم من حسم القضية في الفترة التي كانت السلطة بحوزتهم في مندلي، أو تقصيرهم في العمل من أجل هذا الهدف".
وقال، "من الأسباب الأخرى، أن الانجاز نسب الى شخص لا ينتمي لأي من الحزبين الكورديين، وهو محسن المندلاوي، النائب الأول لرئيس البرلمان العراقي".
محسن المندلاوي، وهو من المكون الكوردي الفيلي، دخل في الإطار التنسيقي وتسنم منصبه بدعم الأطراف الشيعية. يوقل أحمد خليل، "الأحزاب الكوردية تشعر بأنها لم تلعب دوراً في القضية".
وتابع قائلاً، "كان بإمكان القيادة الكوردية التي تمتعت بسلطة كبيرة في المنطقة بعد 2003، العمل من أجل جعل مندلي مركزاً للكورد الفيليين، لكنها لم تفعل شيئاً".
رغم ذلك يقول خليل، "استحداث قضاء مندلي سيكون فرصة جيدة لتطوير البلدة من ناحية البنية التحتية الخدمية والاقتصادية ويجبر الحكومة على تخصيص ميزانية خاصة لمندلي، أما من الناحية السياسية تتمثل أهميته في أن مندلي ستصبح دائرة انتخابية وفقاً للنظام الذي طبق في الانتخابات البرلمانية الأخيرة".
وأضاف، "من الناحية الاقتصادية ستمهد الأرضية للاستثمار والاهتمام بالمنافذ الحدودية مع ايران والتي تمثل مصدراً اقتصادياً مهماً".
تحاذي مندلي قضاء خانقين من الشمال، وتقع على الشريط الحدودي مع إيران من الشرق وناحية قزانية، مركز قضاء بلدروز، من الغرب.
يقدر عدد سكان قضاء مندلي بـ47 ألف و796 نسمة، حسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط العراقية.
ليلى أحمد شاركت في إعداد هذه المتابعة