فراقه الطويل عن ساميا، زاد مرارة النزوح على دخيل حسن، دون أن يفقد الأمل بأن يلتئم شمله بزوجته المختطفة.
تحت وطأة الانتظار الذي استمر تسع سنوات، لم يلتفت دخيل لأقاويل من حوله. "الكثيرون كانوا يقولون لي بأن ساميا لن تعود مجدداً، لماذا لا تتزوج من أخرى، لكنني لم أفقد الأمل أبداً وقلت لن تصبح امرأة أخر، غير ساميا زوجة لي"، هذا ما قاله دخيل لـ(كركوك ناو).
لم يكن قد مر عام على زواج دخيل وساميا حين سيطر مسلحو "تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام-داعش" على سنجار واختطفوا آلاف الايزيدين، بينهم ساميا.
"انتظاري لـ(ساميا) لم يكن عبثاً، تزوجنا عن علاقة حب دامت 5 سنوات، فقط الموت كان سيفرقني عنها"، يقول دخيل. تزوج دخيل وساميا في أيلول 2013 وسكنا في قرية رمبوس (تبعد أكثر من 10 كيلومترات جنوب غربي سنجار).
انتظاري لـ(ساميا) لم يكن عبثاً، تزوجنا عن علاقة حب دامت 5 سنوات، فقط الموت كان سيفرقني عنها
أثناء هجوم داعش كان دخيل حسن (29 سنة) في المنزل، بينما كانت زوجته تزور بيت والدها في قرية سولاغ (أقل من 10 كيلومترات شمالي سنجار).
في البداية دخل مسلحو داعش قرية سولاغ، هناك وقعت ساميا وأفراد اسرتها في قبضة داعش"، بحسب دخيل. منذ ذلك اليوم بدأت قصة فراقه عن ساميا.
في 3 آب 2014، هاجم مسلحو داعش قضاء سنجار وسيطر على مركز القضاء والقرى المحيطة به، اختطفوا ستة آلاف و417 ايزيدي، بينهم نساء وأطفال، ولا يزال مصير أكثر من ألفين و600 مختطف مجهولاً.
"كنت في قرية سولاغ، وقعنا جميعاً في اسر داعش، بعد عدة أيام نقلونا الى تلعفر (غربي نينوى)، ثم الى الموصل، بعدها وجدنا أنفسنا في سجن بادوش (شمال غرب الموصل)"، حسبما روت ساميا لـ(كركوك ناو).
ساميا سمو (29 سنة)، ووالداها، اثنين من أشقائها وأعمامها وأخوالها، اختطفوا من قبل داعش.
كل همي كان أن أنجو من الأسر بأسرع وقت وألتقي بزوجي دخيل مجدداً، لكن القدر كتب لهذا الفراق أن يمتد تسع سنوات".
بقيت ساميا محتجزة في الموصل لسنتين، قبل أن يتم نقلها الى سوريا وهناك قضت ثلاث سنوات في الأسر حاولت خلالها الهرب من داعش ثلاث مرات دون أن تنجح في أي منها.
لا أستطيع وصف ما مررت به في قبضة داعش، قاسيت كل أنواع المحن والمصائب... ما ارتكبوه بحقي كان بالإكراه دون رغبي أو إرادتي"، تقول ساميا.
تعرضت النساء والفتيات الايزديات لأنواع التعذيب والاستعباد والاعتداء الجنسي على يد مسلحي داعش، بعد أن اصبحن بضاعة تشترى وتباع في أسواق النخاسة، أما أطفال المكون الديني الايزيدي فكانوا يجندون في صفوف التنظيم بعد تغيير عقيدتهم الى الاسلام وتربيتهم على أفكار التنظيم.
خلال هجمات داعس، قتل ألف و293 ايزيدي، دمر 86 معبد وموقع ديني وعثر حتى الآن على 80 مقبرة جماعية كما نزح وهاجر أكثر من 450 ألف من أبناء المكون الايزيدي.
قرية دخيل حسن تبعد حوالي 20 كم عن القرية التي تعيش فيها أسرة ساميا، لذا لم يتمكن من الذهاب لمعرفة مصير زوجته وتوجه نحو جبل سنجار في رحلة محفوفة بالمخاطر استغرقت يومين.
قضوا اسبوعاً على جبل سنجار دون أكل وشرب، حيث كان مسلحو داعش يحاصرون الجبل، قبل أن يجدوا ممراً نحو الأراضي السورية ومن هناك عادوا الى العراق واستقروا في مخيم قاديا بدهوك.
"على مدار عامين سعيت لمعرفة مصير ساميا، لم أكن أعرف ماذا أفعل، بقيت في وضع نفسي سيء حتى وصلتني مكالمة من ساميا في عام 2016"، بحسب دخيل تمكنت زوجته من الاتصال به سراً.
على مدار عامين سعيت لمعرفة مصير ساميا، لم أكن أعرف ماذا أفعل، بقيت في وضع نفسي سيء حتى وصلتني مكالمة من ساميا في عام 2016
يقول دخيل، "قلت لساميا خلال المكالمة انجي بحياتك، كلما كنت أسمع بتحرير مجموعة من المختطفين كنت آمل أن ساميا بينهم لكي ينتهي هذا الفراق".
في عام 2015، نجت والدة ساميا من الأسر لكنها لم تكن تعرف شيئاً عن مصير ابنتها ولا عن والد واشقاء وأعمام وأخوال ساميا.
"في تلك المرة التي تمكنت فيها من الاتصال بدخيل، علموا بأمري ولا استطيع عن أتحدث عما تعرضت له"، تقول ساميا.
فيديو: دهوك/ حزيران 2023/ الاحتفال بعودة ساميا وخمي مختطفات أخريات من المكون الايزيدي
في آذار 2019، تم القضاء على داعش في سوريا، حسبما أعلنت في حينها قوات سوريا الديمقراطية (هسدة)، دون أن يظهر أثر لساميا وغيرها من المختطفين الايزيديين.
تقول ساميا أن عائلة أحد مسلحي داعش هرّبوها في عام 2018 الى تركيا وعملت في إحدى المدن كخياطة وهي لا تزال محتجزة، وقبل حوالي ثلاثة أسابيع من نجاتها، تمكنت من الاتصال بدخيل.
في 8 حزيران 2023، أعيدت ساميا وخمس سيدات ايزيديات أخريات الى دهوك وتم استقبالهن بحفاوة من قبل أهاليهن وأقاربهن. لكن اياَ من هؤلاء الناجيات لم يرغبن في خوض تفاصيل كيفية إنقاذهن من الأسر.
بعد تسع سنوات من الفراق التأم شمل دخيل وساميا والتقيا مجدداً بعد تسع سنوات وهما يمسكان يدي بعض بقوة، بينما تكمل الوشوم المرسومة عليها اسميهما، دخيل كتب اسم ساميا بالانجليزية (SAMEA) أما ساميا فكتبت بالعربية (دخيل).
تجلس ساميا جنب زوجها تمسك يده وتقول له "سعيدة جداً بعودتي ولأنك انتظرتني كل هذه السنين، أشعر وكأننا تزوجنا للتو".
تجديد ميثاق زواج ساميا ودخيل أصبح حقيقة، في 16 حزيران 2023 أقيم حفل زواج في قاعة أفراح بمحافظة دهوك، حيث ارتدت ساميا ثوب العرس من جديد.
"قصة عشقي مع ساميا ليست أقل من القصص والملاحم الشهيرة"، يقول خيل.
يعيش الزوجان حالياً في مخيم قاديا، ومصير عودتهم اسوة بآلاف آخرين من المكون الايزيدي لا زال مجهولاً. دخيل مل من حياة المخيم لكنها حياة جديدة بالنسبة لساميا، وتظلا الهجرة الى خارج العراق أحد الخيارات أمامهم.