نساء معنفات يتركن منازلهم ولا إواء لهن في كركوك.. قصص التعذيب ازدادت هذا العام

الصورة من موقع unsplash بتاريخ 21 أيلول 2023

ليلى أحمد

"والدي ضربني بكل قوته... أقسم بأنه سيأخذني ويرميني في مياه نهر الخاصة ويقطع رجليّ"، بعد الذي سمعته من والدها، أصبحت إيمان عبدالله، فتاة من كركوك في الـ14 عاماً من العمر، ثاني شخص تترك المنزل بعد والدتها.

كانت إيمان تبلغ من العمر تسع سنوات حين انفصل والداها، والآن بعد أن بلغت الـ14، كانت تعيش رفقة شقيق لها عمره 10 سنوات مع والدها وزوجة والدها، لكنها تركت المنزل في 4 أيلول 2023.

إيمان درست حتى الصف الخامس الابتدائي قبل أن يخرجها والدها من المدرسة، "كان يضربني باستمرار أمام أنظار والدتي، كان شخصاً عصبياً جداً، يسب ويلعن... كنا نخافه كثيراً، لم يمض يوم دون أن تحدث في منزلنا مشاجرة"، وأضافت، "أتذكر آخر مشاجرة، أقدم والدي حينها على كيّ يد والدتي، فقررت والدتي ترك المنزل ولم تعد الى أن تطلقت منه".

تقول إيمان أن والدها مارس العنف معها ومع شقيقها ايضاً وأنه قام بتعذيبهما. "في أحد الأيام عاد الى المنزل وكان غاضباً جداً ولم أعرف لماذا. قام بكيّ يدي، آلمني ذلك كثيراً"، وتابعت قائلة، "أقسم بأنه سيغرقني في مياه الخاصة ويقطع رجليّ، وقال بأنه لا يرغب برؤيتي".

هذه التهديدات كانت بداية شهر ايلول الحالي، لذا في 4 أيلول استغلت إيمان ذهاب والدها للدوام في السابعة صباحاً وغادرت المنزل ثم سلمت نفسها للشرطة.

بعضهن يرفضن العودة الى كنف عوائلهن، خشية التعرض للقتل

يعمل والد إيمان في السلك العسكري. بعد انفصاله عن زوجته الأولى (والدة أيمان)، تزوج من امرأة أخرى ورزق بطفل منها.

"كانت زوجة ابي تقول له بأنني أتحدث مع الصبيان، بعدها كان والدي يخبرني باستمرار بأنه لا يرغب برؤيتي".

في نفس اليوم الذي غادرت فيه إيمان المنزل، سلمت شرطة كركوك إيمان لإحدى منظمات المجتمع المدني التي تعمل على قضايا الفتيات والنساء اللائي يتركن منازلهن تحت التهديد.

قضية إيمان واحدة من عشرات القضايا للنساء والفتيات المعنفات في كركوك، وتشير احصائية للمنظمة التي تتابع هذه القضايا الى تسجيل 18 حالة هروب من المنزل بسبب التعرض للتهديدات.

سرود أحمد، مسؤولة فرع كركوك لجمعية الأمل العراقية التي تعمل على قضايا النساء المعنفات لفتت الى أن الحالات الـ18 هي معظمها لمراهقات تعرضن لمشاكل مع اسرهن بسبب سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.

"لدينا باحثون نفسيون واجتماعيون بعد استلام القضايا وتسجيلها يتحدثون مع النساء والفتيات المعنفات.. بعضهن يرفضن العودة الى كنف عوائلهن، خشية التعرض للقتل، بدورنا نحيلهن الى ملاجئ النساء في أربيل والسليمانية"، وتضيف سرود، "المشكلة الكبرى التي تواجهنا تتمثل بعدم وجود مأوى في كركوك، لذا نضطر لإرسالهن الى أربيل والسليمانية".

ويأتي ذلك في الوقت الذي تشدد فيه إدارة كركوك منذ سنوات على فتح ملاذ خاص بالنساء المعنفات في إطار مهام المديرية العامة لشرطة المحافظة.

انتصار كريم، مسؤولة قسم تمكين المرأة في إدارة محافظة كركوك تقول في تصريح أدلت به في تشرين الأول 2022 أن مأوى للنساء المعنفات سيفتتح قريباً

المقدم عامر نوري شواني، المتحدث باسم شرطة كركوك قال لـ(كركوك ناو)، "أي حالة تردنا من هذا القبيل نحيلها الى الشرطة المجتمعية وهم يقررون بشأنها، المشكلة التي نواجهها هي عدم قدرتنا على استقبال أي امرأة معنفة في ملجئنا بالرغم من اكتمال بناء المأوى وتوفير مستلزماته، هناك بعض الاجراءات الروتينية التي تمنعنا من استلام هذه الحالات".

"الشرطة المجتمعية تحاول في أغلب الأحيان حل المشاكل عن طريق الصلح العشائري، لأن هذه المشاكل تتعقد أكثر بالنسبة لأسر النساء المعنفات إذا أحيلت قضاياهن للمحاكم، على سبيل المثال، إذا هربت امرأة من المنزل وتم اعتقال زوجها أو والدها سينظر للأمر كوصمة عار ويصبح حل المشكلة أصعب"، حول الحلول البديلة للمحاكم، قال شواني "نطلب منهم كتابة تعهد خطي بعدم تعنيف بناتهم أو زوجاتهم".

حول ضمان سلامة النساء والفتيات بعد عودتهن الى كنف عوائلهن، قال المتحدث باسم شرطة كركوك، "نراقبهم باستمرار، لدينا إجراءات أخرى لنجدتهن في حال تعرضهن لأي مكروه".

اضطررت لتقبل العنف الذي يمارس بحقي... لم أكن أريد أن يعلم الناس بمشاكلنا، والتزم والدي وشقيقي الصمت

شيماء محمد (26 سنة)، امرأة أخرى تركت زوجها بسبب تعرضها للتهديد، كان عمرها 18 سنة حين أجبرها والدها على الزواج، لديها الآن طفلان وتعيش في مأوى للنساء بإقليم كوردستان، بعد أن تركت منزلها في شهر شباط من هذا العام.

وقالت شيماء لـ(كركوك ناو)، "في العام الأول من زواجنا، كانت حياتنا دون مشاكل، لكن بمرور الوقت تغيرت تصرفاته وأصبح يضربني ويهينني"، وتضيف، "لأن والدتي لم تكن على قيد الحياة، لم أكن أريد العودة الى المنزل والعيش مع زوجة والدي، لذا اضطررت لتقبل العنف الذي يمارس بحقي... لم أكن أريد أن يعلم الناس بمشاكلنا، والتزم والدي وشقيقي الصمت".

زوج شيماء عامل بناء وكانوا يقيمون في منزل مؤجر، وتقول شيماء، "كان يصرف المال الذي يكسبه لشراء المشروبات الروحية ويعود سكراناً وينهال بالضرب علي وعلى أطفالي... غالباً ما حصلت مشادات بينه وبين صاحب المنزل ونطرد من المنزل".

العلاقة بين الزوجين تدهورت منذ مطلع هذا العام، حين طلب الزوج من شيماء أن تطلب الطلاق وتعود مع أطفالها الى منزل والدها. فقررت شيماء العودة لكنها تقول، "هددني زوجي وقال لي يجب أن تعودي". تقول شيماء بأنها هجرت منزل زوجها ثم عادت اليه ثمان مرات، وفي المرة الأخيرة طلب منها والدها وزوجته أن لا تعود مجدداً، بحسب شيماء.

في شهر شباط 2023، " في الساعة الثالثة فجراً، عاد زوجي سكراناً الى البيت، أخرج سكيناً وقال بأنه سيقتلني، في الصباح الباكر غادرت المنزل خلسةً مع أطفالي".

أحيلت شيماء وأطفالها عن طريق الشرطة ومنظمات حقوق المرأة الى مأوى للنساء في اقليم كوردستان حيث تقيم الآن، لكن أفق حياتها لا زال مظلماً.

شيماء سجلت دعوى ضد زوجها وبعد قضائه شهراً في السجن أخلي سبيله بكفالة.

الخيانة الزوجية، العلاقات الغرامية، تعاطي المواد المخدرة وسوء استخدام شبكات التواصل الاجتماعي من الأسباب الرئيسية

تقول سرود أحمد، "المشكلة هي أن بعض النساء المعنفات اللائي يتركن بيوتهن، يتعرض لمزيد من العنف أثناء عودتهن".

"الحل هو أن لا تمنح العوائل مطلق الحرية لأبنائها، وفي نفس الوقت لا تحبسهم في المنزل، يجب وضع قيود على استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، يجب أن يولي الآباء والأمهات اهتماماً أكبر بأبنائهم ويخصصوا لهم وقتاً كافياً"، بحسب سرود.

عدم وجود ملاجئ في كركوك صعب من مهمة المنظمات والمؤسسات الرسمية، وتوضح سرود بأنه، "إذا كان لدينا مأوى للنساء في كل مدينة، يمكننا حل المشاكل بالحوار دون أن نضطر لإرسالهن الى مدينة أخرى ما يؤدي الى تضييق مجال الحوار بين الفتاة أو الإمرأة المعنفة ووالديها أو زوجها".

الى جانب تأمين محامين للقضايا، توفر جمعية الأمل العراقية باحثين نفسيين واجتماعيين كذلك. كل هذا لكي تحل المشاكل ولا تضطر المعنفة للبقاء في المأوى.

شوخان عمر، باحثة اجتماعية –تعمل على قضايا المعنفات- قالت بأن قضايا الفتيات والنساء الـ18 قضايا مسجلة رسمياً، في حين هناك العشرات من الحالات الأخرى التي لا تذكر، أو أنها محالة الى الشرطة أو المحاكم.

"بحسب مجال عملي، أعتقد بأن قضايا ترك النساء لبيوتهن بسبب التعنيف ازدادت هذا العام"، وتقول شوخان، "الخيانة الزوجية، العلاقات الغرامية، تعاطي المواد المخدرة وسوء استخدام شبكات التواصل الاجتماعي من الأسباب الرئيسية".

تحاول إحدى المنظمات حل مشكلتي وإعادتي الى والدي الذي قال بأنه يقبل عودتي، لكنني أخشى أن يقتلني

من مجموع القضايا الـ18 المسجلة من قبل جمعية الأمل، ست منها لنساء وفتيات أعمارهن تتراوح بين 15 و 20 سنة. عشرة منهن رفضن العودة الى أسرهن وتمت إحالتهن الى الملاجئ لحين حل مشاكلهن.

وقالت شوخان، "بعض الآباء والأمهات لديهم شعور بالمسؤولية، حين تتعرض العائلة لمشكلة يتصلون بنا ويطلبون المساعدة لحل المشكلة".

إيمان التي تعيش في مأوى للنساء بإقليم كوردستان ترفض العودة الى أسرتها، بالأخص بعد أن سجلت دعوى ضد والدها واعتقاله لفترة.

"تحاول إحدى المنظمات حل مشكلتي وإعادتي الى والدي الذي قال بأنه يقبل عودتي، لكنني أخشى أن يقتلني"، بحسب إيمان.

 

ملاحظة:  إيمان وشيماء أسماء مستعارة  

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT