تأمل فاضل نادر خيراً بالعودة الى دياره ولم يكن يرغب في تركها مجدداً بسبب البطالة وتردي الخدمات، لكنه اضطر في النهاية لأن يرمي المنديل.
فاضل، أب لثلاثة أطفال، قرر العودة الى المخيم من أجل عائلته، بعد أن قضى سنوات من المعاناة فيه.
"العودة الى الديار لم تكن كما كنا نتوقع، حين كنا في المخيم أخبرونا بأننا سنتخلص من المعاناة بعد عودتنا ونرتاح، لكن الأمور لم تسر كذلك"، يقول فاضل نادر (33 سنة).
وأوضح لـ(كركوك ناو) بأنه أجّر منزلاً في ناحية سنوني التابعة لقضاء سنجار بعد عودته، لأن منزله تعرض للدمار بسبب الحرب، "أثناء تلك المدة تنقلت بين ثلاث منازل مؤجرة، ايجار كل واحد منها 150 ألف دينار"، هذا المبلغ كان كثيراً بالنسبة لأسرة فاضل لأن مصدر دخله كان من العمل كأجير والذي لم يكن يتوفر كل يوم".
أي عائلة تريد العودة مجدداً، في حال يمنح لها سكن في المخيمات، تقع مسؤوليتها على إدارة المخيم ولا يمكننا مساعدتها
قصة عودة عائلة فاضل دامت لشهرين، فقد غادروا مخيم بيرسيف بدهوك في 20 ايار من هذا العام وعادوا اليه في 25 آب.
أكثر من ألف عائلة سنجارية عادت مجدداً الى حياة النزوح والمخيمات خلال العامين الماضيين، بحسب إحصائيات حصل عليها (كركوك ناو) من وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، في المقابل تعود عشرات العوائل شهرياً من المخيمات الى مناطقها الأصلية.
وفقاً لمتابعات (كركوك ناو) عدم توفر فرص العمل وتردي الخدمات كالكهرباء والماء، وبطء أعمال إعادة إعمار سنجار، من الأسباب الرئيسية وراء النزوح العكسي للسكان.
أسكندر محمد أمين، مدير دائرة الهجرة والمهجرين العراقية في دهوك قال لـ(كركوك ناو)، "النازحون أحرار في العودة ولا أحد يجبر على العودة، لكن أي نازح يعود الى دياره يغلق ملفه عندنا ويحرم من كل أنواع المساعدات في حال عودته الى المنطقة التي كان نازحاً فيها".
وتعاني مئات العوائل المقيمة في المخيمات من انعدام المساعدات، شح مياه الشرب ورداءة نوعية المواد الغذائية التي توزعها عليهم الحكومة العراقية.
"أي عائلة تريد العودة مجدداً، في حال يمنح لها سكن في المخيمات، تقع مسؤوليتها على إدارة المخيم ولا يمكننا مساعدتها"، بحسب اسكندر.
يوجد 16 مخيماً للنازحين في محافظة دهوك تقيم فيها أكثر من 26 ألف عائلة، فيما تعيش أكثر من 38 ألف عائلة نازحة أخرى خارج مخيمات المحافظة.
فاضل نادر عاد مجدداً الى مخيم بيرسيف ومنح خيمة فيه، "كنت أرغب بشدة في البقاء بسنوني، لو توفرت فيها فرص عمل، لكن بسبب البطالة وعدم قدرتي على دفع الإيجار الى جانب فواتير الماء والكهرباء، طردت من ثلاثة منازل".
يقول فاضل بأن العديد من العوائل الأخرى، من بينهم عوائل والده واشقائه واصدقائه اضطروا للعودة الى المخيمات، "عدنا على أمل أن نجد فرص عمل، لكن ذلك لم يحصل ولم تسأل عن أحوالنا أية منظمة أو جهة".
عدم توفر فرص العمل وتردي الخدمات من ضمنها الخدمات الصحية، أو عدم قدرتهم على إعادة تأهيل منازلهم التي دمرتها الحرب
كل عائلة نازحة تعود من المخيمات الى سنجار تحصل على منحة قدرها مليون و500 ألف دينار في إطار مساعي الحكومة العراقية لإغلاق كافة المخيمات، حيث تم غلق كافة المخيمات الواقعة في المناطق الخاضعة لسلطة الحكومة الاتحادية، وبقي 26 مخيم فقط في اقليم كوردستان.
"بين فترة وأخرى، تزورنا أربع أو خمس عوائل تطلب منا تخصيص خيم لها بعد عودتها من سنجار الى المخيم، قبل 15 يوماً طلبت أربع عوائل خيم لكن لم تتوفر عندنا، لذا اضطروا للعيش خارج المخيم"، حسبما قال بير علو كجل، مدير مخيم خانكي لـ(كركوك ناو).
وأشار الى أن حوالي 500 عائلة عادت من سنجار الى اقليم كوردستان في غضون الأشهر القليلة الماضية، "بعضها تقيم خارج المخيمات أو تنتقل الى مدن أخرى في الاقليم، أو يسكنون في المخيمات إن توفر لهم المكان".
ويقول مدير مخيم خانكي في قضاء سيميل التابع لمحافظة دهوك بأنهم استفسروا عن أسباب النزوح العكسي من معظم النازحين وكانت إجابتهم، "عدم توفر فرص العمل وتردي الخدمات من ضمنها الخدمات الصحية، أو عدم قدرتهم على إعادة تأهيل منازلهم التي دمرتها الحرب".
وقعت سنجار تحت سيطرة مسلحي تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام-داعش" في آب 2014، وخلال أشهر تعرضت المنازل والأبنية والقطاعات الخدمية في القضاء للدمار جراء الحرب.
بير ديان جعفر، مدير دائرة الهجرة والمهجرين والاستجابة للأزمات التابعة لحكومة اقليم كوردستان قال لـ(كركوك ناو)، "لدينا لجنة خاصة للعوائل التي تعود من سنجار الى الاقليم تستقبل تلك العوائل كل يوم أربعاء، إذا توفر لهذه العوائل مكان في المخيمات توجه اللجنة كتاباً الى إدارة المخيم تطلب منها استقبالهم، بخلاف ذلك يضطرون للعيش خارج المخيم".
يعيش أكثر من 664 ألف نازح في اقليم كوردستان، معظمهم من محافظة نينوى، بالتحديد من قضاء سنجار، يشكل الايزيديون نسبة 30 بالمائة منهم.
"نحاول قدر الإمكان توفير سكن للعوائل العائدة داخل المخيمات ولا نميزهم عن النازحين الآخرين وتوزع عليهم المساعدات كغيرهم"، بحسب ديان جعفر.
عملية إعادة الإعمار في قضاء سنجار الذي يملك إدارتين محليتين منذ سنوات، مهون بتنفيذ بنود اتفاقية سنجار وقد تم تثبيتها في المنهاج الوزاري للحكومة العراقية، ورغم أن الاتفاقية أبرمت في عام 2020 غير أن بنودها لم تنفذ حتى الآن.
مدير دائرة الهجرة والمهجرين التابعة للإقليم يقول بأن متابعاتهم واستفساراتهم أظهرت أن الأوضاع الأمنية، قلة الخدمات وعدم توفر فرص العمل من اسباب موجة النزوح العكسي.
عملية إغلاق المخيمات وإعادة النازحين الى مناطقهم أثارت اتهامات متبادلة بين المسؤولين في الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة اقليم كوردستان.
ستة ملايين مواطن عراقي نزحوا من مناطقهم بسبب حرب داعش والعمليات العسكرية للقوات العراقية في الفترة من 2014 الى 2017، وحسب إحصائيات المنظمة العالمية للهجرة لا يزال أكثر من مليون مواطن يعيشون في النزوح، بضمنهم النازحين المقيمين داخل مخيمات اقليم كوردستان.
فاضل نادر مثال للعديد من النازحين الذين لم يهنؤوا بالعيش لا في ديارهم ولا في المخيمات، وكما يقول فإن مصير عائلته وقع في يد قدر مجهول بعد سنوات عدة قضوها نازحين.