في الوقت الذي يصل فيه سعر الطن الواحد من التمر 300 دولار، تبلغ كلفة الانتاج السنوي لنفس الكمية أكثر بكثير، الأمر الذي جعل الإحباط يصيب مزارعي خانقين، بينهم أوميد جاويد.
قضاء خانقين الذي يشتهر ببساتين النخيل يشهد تراجعاَ ملحوظاً، وفقاً لإحصائيات دائرة زراعة خانقين، تراجع انتاج التمر على مدار 20 سنة الماضية من 8000 طن الى 4000 طن سنوياً.
حتى ما قبل عدة أعوام كان أوميد جاويد ينتج ويسوّق سنوياً 30 طن من أجود أصناف التمور، لكن انتاجه تراجع خلال العامين الماضيين الى 16 طن فقط.
رغم أن بعض العوامل التي أدت الى هذا التراجع منها طبيعية مثل قلة الأمطار و العواصف الترابية التي تصيب أشجار النخيل ببعض الآفات، لكن هناك عوامل أخرى تتعلق بغياب الدعم الحكومي للمزارعين.
الفترة بين عامي 2019 و 2022 كانت أسوء فترة مرت بها بساتين النخيل
يقول جاويد، "في السنوات الثلاث الماضية فقدت 40 دونم من بساتين النخيل، بعضها احترقت وبعضها جرفت، كما لم نتمكن من تأمين المياه لبعضها".
يجني المزارعون 400 دينار للكيلوغرام الواحد من التمر، وهو مبلغ "زهيد" مقارنة بكلفة انتاجه، ويقول جاويد "همنا الأكبر الآن هو أن نتفادى خسارة كبيرة ونتمكن على الأقل من تأمين كلفة الانتاج".
القصة تتكرر مع عشرات آخرين من مزارعي خانقين بمحافظة ديالى، القضاء من المناطق المتنازع عليها بين حكومة اقليم كوردستان والحكومة الاتحادية بموجب الدستور العراقي، وربما ذلك من الأسباب التي جعلت الحكومة لا تقدم الدعم للمزارعين بالشكل المطلوب، حيث يقول المزارعون بأن حكومات متعددة تعاقبت على إدارة القضاء اتبعت أساليب مختلفة في التعامل معهم.
وقال جاويد، "الفترة بين عامي 2019 و 2022 كانت أسوء فترة مرت بها بساتين النخيل".
خلال تلك الفترة تراجعت نسبة الأمطار بشكل كبير في المقابل أثرت العواصف الترابية وشح المياه الجوفية بشكل مباشر على الزراعة والبستنة وحتى رعي المواشي.
يعد التمر من المنتجات الغذائية المهمة في العراق ويستخدم لصناعة الدبس وكذلك في بعض المأكولات.
محمد الخزعلي، المتحدث باسم وزارة الزراعة العراقية أعلن في شباط الماضي بأن عدد أشجار النخيل في العراق يصل حالياً الى 20 مليون نخلة، وذلك بعد الجهود التي بذلتها الوزارة لزراعة النخيل كبديل للأشجار التي اندثرت.
"بسبب الحروب والحصار، تعرضت أشجار النخيل للإهمال وتناقص عددها من 32 مليون الى 12 مليون نخلة، لكن خطط الوزارة نجحت في زراعة أشجار النخيل في بعض المحافظات مثل كركوك، صلاح الدين، نينوى والأنبار، نتيجة لذلك وصل عددها الى 20 مليون نخلة".
بانتظار أن يصل سعر الكيلوغرام الواحد الى 600 دينار، إن حدث ذلك سيكون أمراً جيداً لنا"
إجمالاً، كان عام 2023 أفضل نسبياً لإنتاج التمر في بستان أوميد جاويد، حيث رفع انتاجه من 16 طن الى 23 طن، لكن ذلك لا يلبي طموح جاويد وغيره من المزارعين. "أن نفشل في كسب 300 دولار من الطن الواحد فهذه كارثة، لأن كلفة انتاج الطن الواحد من التمر أكثر من هذا المبلغ".
يعد شهر تشرين الثاني شهر تسويق التمر بالنسبة للمزارعين، لأن سعر التمر يرتفع في هذا الشهر. أغلب المزارعين يبيعون تمورهم بعد نضوجها في شهر تشرين الأول ولا يستطيعون الانتظار حتى تشرين الثاني.
"بانتظار أن يصل سعر الكيلوغرام الواحد الى 600 دينار، إن حدث ذلك سيكون أمراً جيداً لنا"، بحسب جاويد.
العام الماضي تم تصدير أكثر من 650 ألف طن من التمر الى الأسواق الآسيوية، وفقاً لوزارة الزراعة العراقية.
يوجد في قضاء خانقين ألفان و414 بستان نخيل، حسب إحصائيات دائرة الزراعة، 160 منها على هيئة عقود، والبقية مملوكة لأصحابها.
يقول أوميد جاويد، "الحكومة لا توفر لنا الأسمدة والمبيدات بالشكل المطلوب، قبل سقوط نظام البعث -2003- كانت الحكومة تشرف بنفسها على عملية رش البساتين بالمبيدات عن طريق الطائرات المروحية لحماية الأشجار من الإصابة ببعض الآفات، لكن ذلك لا يحدث الآن"، ويضيف جاويد، "في تلك الفترة كان هناك نوعان أو ثلاثة أنواع من الآفات، أما الآن فهناك 30 آفة متنوعة".
يملك محمد عزت بساتين نخيل تبلغ مساحتها 101 دونم، ويصل عدد اشجار النخيل فيها الى 5000 نخلة كانت تنتج سنوياً 200 طن من التمر، ويشتكي محمد من تعرضه لخسائر بسبب كثرة المعوقات وغياب الدعم الحكومي.
أحد العوائق التي تواجه محمد عزت هو أن الحكومة إبان فترة حكم حزب البعث استولت على قسم من بساتينه بحجة وجود نزاعات حول ملكيتها، حين استر بساتينه كان قسم كبير من اشجار النخيل فيها قد اندثرت.
يملك محمد بستاني نخيل في مركز القضاء مساحة أحدهما 16 دونم والآخر 8 دونم ينتجان سنوياً 35 طن من التمر، تحوي بساتين محمد عزت على اشهر أصناف التمور من ضمنها صنف الخضراوي، غير أن انتاجه تراجع خلال العامين الماضيين الى 30 طن.
يقول معظم المزارعين بأنهم سيتمكنون من تأمين كلفة الانتاج في حال باعوا الكيلوغرام الواحد بـ700 دينار، وهم الآن بانتظار أن يصل سعره في غضون الأسبوعين المقبلين الى 600 دينار.
محمد تحدث عن إحدى الآفات التي تصيب النخيل (الدوباس) والتي انتشرت على نطاق واسع منذ سنوات وألحقت الضرر بنخيله وكمية الإنتاج.
"الدوباس حشرة تمتص العصارات الطبيعية للنبتة وتفرز مادة عسلية تنتشر تدريجياً عليها وفي أسوأ الحالات تغمر الشجرة بأكملها مما يعرضها للموت... وهناك آفة أخرى تسمى عنكبوت الغبار وتلحق أضراراً كبيرة بأشجار النخيل".
في الوقت الذي يشعر فيه المزارعون بنوع من الإحباط، هناك مساعي لإنشاء بساتين نخيل جديدة لإنتاج اصناف متنوعة من التمور في خانقين.
كامران عبدالله، مدير زراعة خانقين قال لـ(كركوك ناو)، "بعض المزارعين جلبوا نوعيات جديدة من النخيل من السعودية يرون بأنها تتلاءم مع مناخ منطقتنا، أدى هذا الى ازدياد بساتين النخيل خلال العامين الماضيين".
حتى ما قبل عقدين من الزمن، كان هناك 16 صنف من التمور، أما الآن فوصل عددها الى 24، بحسب كامران عبدالله.
من العوائق الأخرى التي تواجه البساتين، تعرضها للتجريف ومن ثم تحويلها الى قطع أراض سكنية، حيث أزيل خلال 20 سنة الماضية حوالي 60 بستاناً مساحتها الاجمالية 180 دونم.
بساتين النخيل اندمجت مع روحي، سأواصل العمل رغم أنه لم تعد هناك أرباح وفي بعض الأحيان وحياناً أخرى أتعرض للخسائر
"رش النخيل باستخدام الطائرات المروحية كان له تأثير مباشر في القضاء على الآفات، لكننا في الوقت الحاضر نضطر لإعطاء المبيدات للنخيل عن طريق إحداث ثقوب فيها من أجل القضاء على الآفات".
الحكومة العراقية قالت رداً على طلب دائرة زراعة خانقين بشأن توفير مروحيات، "لم تعد لدينا تلك المروحيات التي كنا نستخدمها في مجال الزراعة والبستنة".
وأوضح كامران أن "التغيرات المناخية، غياب الدعم الحكومي وتعرض البساتين للتجريف بغرض تحويلها الى وحدات سكنية، من الأسباب الرئيسية وراء تراجع انتاج التمر".
مع ذلك، بحسب بعض المزارعين والمسؤولين في دائرة الزراعة، تحسن انتاج التمر نسبياً خلال عام 2003 مقارنة بالأعوام الثلاثة التي مضت، وعزوا التحسن الى زيادة نسبة الأمطار.
يقول محمد عزت، "بساتين النخيل اندمجت مع روحي، سأواصل العمل رغم أنه لم تعد هناك أرباح وفي بعض الأحيان وحياناً أخرى أتعرض للخسائر".