بعد أن كان يحيط بهما خمسة من أبنائهم، بقي جمال كريم وزوجته لوحدهما في ناحية نوجول وذلك بسبب غياب الخدمات وآثار تغير المناخ التي دفعت أبناء وبنات جمال لمغادرة ديار آبائهم وأجدادهم.
تقع ناحية نوجول بين قضاءي كفري وطوزخورماتوو وتعتمد معيشة سكانها على الزراعة وتربية المواشي، قطاعان يواجهان خطراً كبيراً بسبب شح المياه ومشاكل أخرى.
"نعمل هنا في الزراعة منذ الأزل، لكن الجفاف وقلة الأمطار وغياب الخدمات كالكهرباء أدت الى فقدان السكان لعملهم، نتيجة لذلك لن نستطيع الاستمرار في العيش هنا"، هذا ما قاله جمال كريم آغا (75 سنة) عن المنطقة التي عاش فيها أهله وأقرباؤه منذ مئات السنين.
بحسب تقرير لمنظمة الأمم المتحدة، يأتي العراق في المرتبة الخامسة في العالم من حيث سرعة ظهور آثار تغير المناخ فيه كشح المياه، الجفاف، ارتفاع معدلات درجة الحرارة والتلوث البيئي.
خلال الأعوام الماضية كان يعيش في مركز الناحية أكثر من 100 عائلة ، لكن بسبب تفاقم بعض المشاكل كأزمة الكهرباء ورداءة الطرق والشوارع
وقال جمال كريم لـ(كركوك ناو)، إن "معظم أهلي وأقاربي وسكان المنطقة رحلوا، خمسة من ابنائي وبناتي غادروا مع عوائلهم العام الماضي الى السليمانية ومناطق أخرى، بقيت لوحدي مع زوجتي"، تجهز الناحية يومياً بساعات قليلة فقط من الكهرباء، "نقضي الليل على ضوء الفانوس، الكهرباء الوطنية شحيحة ولا توجد لدينا مولدات أهلية".
حوالي 131 ألف مواطن عراقي في 12 محافظة غادروا مناطقهم منذ عام 2016 حتى منتصف شهر أيلول 2023، بسبب آثار تغير المناخ، نظراً لأن معيشة العديد منهم كانت تعتمد على الزراعة وتربية المواشي، وفقاً لإحصائيات المنظمة الدولية للهجرة (IOM).
الحياة اصبحت صعبة للغاية، من الصعب أن نستطيع الاستمرار في العيش هنا"، بحسب جمال كريم.
تعاني نوجول من كونها تابعة لإدارتين مختلفتين، فقسم من الناحية تابع إدارياً لقضاء كفري والقسم الآخر تابع لقضاء طوزخورماتوو بمحافظة صلاح الدين، القضاءان من المناطق المتنازع عليها، كفري تابعة لمحافظة ديالى لكنها إدارياً تتبع إدارة كرميان المستقلة ضمن حدود محافظة السليمانية.
وهاب أحمد، مدير ناحية نوجول قال لـ(كركوك ناو)، "خلال الأعوام الماضية كان يعيش في مركز الناحية أكثر من 100 عائلة ، لكن بسبب تفاقم بعض المشاكل كأزمة الكهرباء ورداءة الطرق والشوارع غادر معظم سكان الناحي وتقلص العدد الى 68 عائلة، وحالياً تعيش 18 عائلة فقط في مركز الناحية"، في غضون سنوات قليلة غادر 82 بالمائة من سكان نوجول.
ويقول وهاب إن الناحية "مهمشة" بين إدارتين، حيث أنها تابعة لكل من حكومة اقليم كوردستان والحكومة الاتحادية العراقية، المعاملات والشؤون الادارية لنصف سكان الناحية في طوز خورماتوو والنصف الآخر في كفري، هذا الانقسام يشمل كافة القطاعات الخدمية والتربية والكهرباء وحتى تصويت الناخبين.
"سكان المنطقة كانوا منشغلين بالزراعة وتربية المواشي والتي لم تعد موجودة الآن... القرى الواقعة في أطراف الناحية مهملة كلياً، بالأخص قطاع الكهرباء المتردي جداً"، حسبما أوضح مدير ناحية نوجول.
تضم ناحية نوجول 46 قرية، أخليت أربعة منها كلياً من ساكنيها منذ سنوات بسبب تهديدات "تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام- داعش"، القرى الأخرى التي يخضع قسم منها لسلطة قوات الحشد الشعبي والقسم الآخر لسلطة القوات التابعة لحكومة اقليم كوردستان، فقد رحل سكانها بنسب متفاوتة.
مسعود احمد، مزارع من منطقة زينانه التابعة لناحية نوجول، والذي غادر منطقته واستقر في ناحية رزكاري بقضاء كلار، قال لـ(كركوك ناو) "غادرت مع أفراد اسرتي بسبب المصاعب والمشاكل الكثيرة، الحياة هناك كانت صعبة من حيث العمل وتأمين لقمة العيش، إذا عولجت المشاكل سأعود على الفور".
بعض المشاكل التي تحدث عنها مسعود، فضلاً عن آثار التغير المناخي، تشمل الكهرباء، رداءة الطرق والشوارع، الخدمات الصحية والمخاطر الأمنية.
المنطقة على خط التماس بين الاقليم وبغداد وفي حال أصبحت خالية سينشأ فراغ أمني يشكل تهديداً على النواحي المحيطة بها
تتمتع نوجول بمساحات واسعة من الأراضي الزراعية الخصبة، لكن تهديدات المجاميع المسلحة وشح المياه حرمت المزارعين من معظمها.
ويقول مدير ناحية نوجول إن "الضوابط والتعليمات التي تصدرها الحكومة للمزارعين مرهقة مليئة بالروتين، لذا من الصعب على المزارع أن يقضي ستة أشهر لإكمال معاملة خاصة بحفر بئر ماء لأرض زراعية مساحتها 50 دونم، لذا يضطر بسبب شح المياه لترك الزراعة والرحيل عن المنطقة".
"لا أعتقد أن بمقدور حكومة الاقليم معالجة المشاكل الموجودة"، ولفت الى أن "مديرية الناحية ليس بها موظف واحد، كما أن بعض الدوائر الأخرى كدائرة الزراعة ودائرة الماء نقلت الى مناطق أخرى".
ويقول وهاب أحمد إن "الناحية على وشك أن تخلو كلياً من سكانها.... المنطقة على خط التماس بين الاقليم وبغداد وفي حال أصبحت خالية سينشأ فراغ أمني يشكل تهديداً على النواحي المحيطة بها كناحية سرقلا، قادر كرم، أوة سبي ومناطق أخرى".