يدعو الدكتور يوسف عبدالله، إمام وخطيب جامع الحاج سنية في أربيل لمنع تطبيق مدونة الأحكام الشرعية بمسائل الاحوال الشخصية وفق المذهب الشيعي الجعفري، لأنها يعتبرها خطراً على حقوق النساء، الأطفال وقضايا التزويج القسري للفتيات وكذلك الدولة المدنية.
يوسف عبدالله، الحائز على شهادة الدكتورا في مجال الفقه المقارن من كلية الشريعة والقانون بجامعة الزعيم الأزهري السودانية، سلط خلال هذه المقابلة التي أجراها معه موقع (كركوك ناو) الضوء على المدونة الجعفرية التي أقرت نهاية شهر آب الماضي بالاستناد إلى التعديل الجديد لقانون الأحوال الشخصية في العراق.
التعديل الجديد وإقرار المدونة قوبل بموجة من الاحتجاجات، بالأخص في صفوف الناشطات في مجال حقوق المرأة.
ويقول الدكتور يوسف إن من أكبر المخاطر التي تشكلها المدونة هو إمكانية تزويج الفتيات بعد بلوغهن في الوقت الذي "تبلغ الفتاة في سن التاسعة وفق المذهب الجعفري، وأشار إلى أن "الآباء هم أولياء أمور الفتيات ويجب على الفتاة أن تذعن لأبيها حتى وإن كانت تكره الزواج"، ويأتي ذلك في حين حددت مذاهب أهل السنة الأربعة سن الزواج من سن الـ18 وهي لسن التي يعتمدها قانون الأحوال الشخصية.
وأوضح الدكتور يوسف بأن "النساء لا يتمتعن بأية حقوق في الفقه الجعفري.... بإمكان الرجال ممارسة زواج المتعة، لكن هذا النوع من الزواج محرم عند السنة"، وأضاف، "الزواج وفق المدونة الجعفرية باطل وغير جائز... كرجال دين نرفض هذا الأمر لأنه ينافي الدين والدستور".
كركوك ناو: إقرار مدونة الأحكام الشرعية بمسائل الاحوال الشخصية وفق المذهب الشيعي الجعفري أثار تساؤلات بين الكثير من الناس ممن ليسوا ملمين بهذا المجال، أريد ن أسأل، بناذا يختلف الفقه الجعفري عن المذاهب السنية الأربعة في مسائل الزواج؟
يوسف عبدالله: الاختلافات بين الفقه الجعفري والمذاهب الإسلامية الأخرى موضوع عميق وتتطلب دراسة دقيقة ويسيل الكثير من الحبر. باعتقادي يجب أن لا يسمى ذلك بالفقه الجعفري بل يجب أن يقال له الشيعة الإمامية، والتي تختلف بشكل كبير مع المذاهب الإسلامية الأخرى بدليل الإماميين أنفسهم الذين يقولون، القرآن والسنة والعقل والإجماع، لكن عن طريق الأئمة الإثنا عشر المعصومين عند الشيعة، هنا يختلفون عن أهل السنة، لكن المذاهب السنية تعتبر القرآن مصدراً للتشريع، تأتي بعده السنة النبوية، ومن ثم القياس يليه إجماع العلماء.
من الاختلافات الأخرى أنهم يؤمنون بالأئمة، أي أن أي شخص لا يؤمن بالأئمة الإثني عشر يعتبر خارجاً عن دائرة اإسلام. الأئمة الإثني عشر تبدأ بالإمام علي بن ابي طالب (رض) وينته وتنتهي بالإمام مهدي المنتظر الذي يقول الشيعة إنه لم يظهر بعد. لكن عند أهل السنة، هناك الخلافة بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، يختار المسلمون قائداً لكنه لا يعتبر معصوماً. في مسائل الفقه والزواج، يؤمن بعض الشيعة بأن زواج المتعة مباح، هذا الشيء لا يوجد عندنا.
إذا نظرنا إلى الأمر نرى بأن لهذا النوع من الزواج أضرار للنساء والأطفالـ أولاً، في الفقه الجعفري سن البلوغ للإناث هو تسع سنوات وللذكور 15 سنة، أي أن الجعفريين يباح للفتيات الزواج من سن التاسعة وليس لديهن الولاية حيث أن الولاية بيد آبائهن، أي يجب أن يذعنن لأوامر آبائهن حتى وإن كرهت الزواج، لكن المذاهب السنية الأربعة حددت سن الزواج بـ18 سنة وهي السن المعمول بها في قانون الأحوال الشخصية، كما يجب أن توافق الفتاة على الزواج ولا يستطيع الأب تزويجها قسراً، كما يمكن تزويج الفتيات في سن الـ15 بشرط البلوغ والعقل.
في الفقه السني يجب حضور شاهدين أثناء عقد الزواج، لكن هذا الرط غير واجب عند الشيعة والفقه الجعفري، لذا إجمالاً لا تتمتع النساء بأية حقوق في الفقه الجعفري، لكن إذا نظرنا إلى قانون الأحوال الشخصية الذي يستند جزء كبير منه لمذاهب أهل النسة نرى أن النساء يتمتعن بالكثير من الحقوق.
كركوك ناو: ماذا بخصوص الأطفال بعد الطلاق؟ أو ما يتعلق بقضية الميراث في حال وفاة الزوج؟
يوسف عبدالله: فيما يتعلق بالأطفال بعد الطلاق، يودع الأطفال عند الأب وتفقد الأم حق الحضانة، بذلك تحرم الأم من أطفالها، فضلاً عن ذلك لا تحصل الزوجة على أي نصيب من أملاك زوجها المتوفي كالأراضي والمنازل، ما عدا الأموال النقدية.
من النقاط الأخرى في الفقه الجعفري لا يسمح للنساء بطلب الطلاق إلا في ثلاث حالات، وهي في حال سفر الزوج، عدم الإنفاق عليها وعدم معاشرتها في البيت أو تعرضها للعنف، لكن عند أهل السنة تستطيع الزوجة طلب الطلاق في كل الأحوال.
لذا أرى بأن القسم الأكبر من المشرعين لا يؤيدون تطبيق المدونة الجعفرية ويتفقون على أنها تضر كثيراً بالنساء.
كركوك ناو: إذا تم العمل بالمدونة الجعفرية هل هناك مخاطر على أهل السنة؟ ما هي هذه المخاطر؟
يوسف عبدالله: العمل بما يسمى المدونة الجعفرية يشكل خطراً كبيراً على عموم السنة في العراق بضمنهم الكورد، لأنهم يريدون فرض الفكر الشيعي.
العلماء مجمعون على أن تطبيق المدونة الجعفرية يشكل خطراً على الدولة المدنية العراقية والدستور العراقي، ويؤدي إلى سيطرة المرجعية الشيعية الإمامية على القضاء في الدولة المدنية، كما يعتبر انتهاكاً لحقوق الإنسان وحقوق المرأة كون المدونة تجيز زواج الفتيات من سن التاسعة وتعطي الشرعية لزواج المتعة.

نينوى/2024/ تجمع احتجاجي لناشطات حقوق المرأة ومنظمات المجتمع المدني ضد تعديل قانون الأحوال الشخصية في البرلمان العراقي تصوير: أحمد بله
كركوك ناو: إذا تزوج سني وفق المدونة الجعفرية فهل يعتبر زواجه صحيحاً وثابتاً من ناحية العقيدة والإيمان؟
يوسف عبدالله: بلا شك فإن أي زواج وفق المدونة الجعفرية زواج باطل وغير صحيح.
كركوك ناو: أنتم كرجال الدين من أهل السنة، في حال تم تطبيق هذه المدونة هل ستلتزمون بها أم ستدعون لتنفيذ الفقه السني لأتباع المذاهب السنية؟
يوسف عبدالله: بالتأكيد لن نلتزم بها لأنها تتعارض مع آراء مذاهب أهل السنة.
كركوك ناو: لماذا تعتقد أن المدونة تخالف الدستور في حين أن المادة 41 من الدستور تنص على أن "لكل طائفة الحق في أن يكون لها قانونها الخاص بالأحوال الشخصية"، كما أن المدونة أصبحت جزءاً من القانون؟
يوسف عبدالله: المدونة الجعفرية تخالف الدستور العراقي و فقه المذاهب الأربعة، لأنه إذا تمعنت في القانونترى أن الجانب الطائفية تسود على كافة قوانين ونظم الدولة والمذاهب الأربعة. الآن جعلوا المدونة الجعفرية قانوناً لدولة لديها قانون منذ عقود، المدونة الجعفرية، وفقاً للمادة 14 من الدستور تخالف مبدأ المساواة وتميز ضد المواطنين العراقيين على أساس مذهبي. كما أنها تتعارض مع جميع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي وقّع عليها العراق، وتثير الانقسامات بين العراقيين.
كركوك ناو: ماذا تقولون لحكومة الإقليم، هل تؤيدون تطبيق المدونة في اقليم كوردستان أم لا؟
يوسف عبدالله: بلا شك نطلب من حكومة إقليم كوردستان عدم السماح بتطبيق أحكام المدونة الجعفرية في غلإقليم بأي شكل من الأشكال، لأنها تتعارض مع دين وقوانين ودستور المسلمين من الكورد، بل يتعارض مع كل ما يتعلق بالمسلمين السنة نساءً ورجالاً وأطفالاً.
كركوك ناو: إذا طلب عربي مقيم في إقليم كوردستان عقد زواجه وفقاً للمدونة الجعفرية، هل تعتبرون ذلك امراً طبيعياً أم ترون بأن ذلك سيصبح منفذاً لتطبيقها في كوردستان أيضاً؟
يوسف عبدالله: إقليم كوردستان بإمكانه عدم السماح بهذا الأمر بالاستناد إلى ما نص عليه الدستور العراقي، لذا يستطيع كل مكون (الكورد، السنة، الشيعة) عقد الزواج وفقاً لقوانينهم، مثلما يعمل الشيعة منذ أمد بالمدونة الجعفرية في أمور الزواج.
كركوك ناو: هل يمكنك أن توضح أكثر كيف يستطيع الكورد والشيعة والسنة الزواج بموجب الدستور؟
يوسف عبدالله: قانون الأحوال الشخصية وضع مسائل الزواج والطلاق والميراث وحضانة الطفل في إطار مدني. المرجعية الفقهية الإسلامية تتضمن كل هذه الأمور بالأخص الفقه الحنفي وهذا كان يطبق على جميع العراقيين. لكن الفقه الجعفري يتم العمل به منذ 2014 إلى 2025 وهي تتيح للشيعة الزواج وفق الفقه الجعفري، لكن الكورد والعرب السنة ملتزمون بقانون الأحوال الشخصية ويعقدون الزواج وفق هذا القانون وذلك بالاستناد إلى المادة 41 من الدستور العراقي التي تنص على أن العراقيين أحرار فيما يتعلق بالالتزام بقانونالأحوال الشخصية وفقاً لدياناتهم ومذاهبهم، لكن فعلياً لم يكن هناك قانون لكل مكون ومذهب، لذا أصبح قانون الأحوال الشخصية مرجعاً ولم توجد فيه أية مشاكل، لكن الشيعة وضعوا المدونة الجعفرية وبإمكانهم العمل أو عدم العمل بها، لكن الكورد والسنة سيبقون ملتزمين بقانون الأحوال الشخصية.
كركوك ناو: ذكرت بأن الشيعة يعملون بالمدونة الجعفرية منذ فترة طويلة، لكن المدونة لم يتن إقرارها إلا منذ 10 أيام، فماذا تقصد؟
يوسف عبدالله: أقصد أن الشيعة ملتزمون بمن يطلقون عليهم اسم الأئمة المعصومين، وأي فتوى تصدر عنهم ينفذونها سواء وجدت في الدستور أم لا.
بالنسبة للشيعة، لا قيمة للدستور والقانون أمام فتاوى أئمتهم، في لبنان، على سبيل المثال، جرى صياغة قانون الأحوال الشخصية على مبدأ طائفي، حيث أن لكل مكون محكمته الخاصة وفقًا لمعتقداته وديانته ومذهبه الخاص. وفي العراق تم تنفيذ المدونة الجعفرية فعلياً قبل صدور الدستور، ولكن فيما بعد تم توحيد الأمور بالقانون رقم 188 لسنة 1959، وبعد عام 2003 حاولوا إصدار المدونة الجعفرية لكنهم لم ينجحوا، في حين يتم الهمل بها خارج المحاكم مخالفين بذلك الدستور، على سبيل المثال، لا يوجد نص قانوني يُجيز زواج المتعة، ولكنه يُمارس في النجف وكربلاء والكاظمية والمناطق التي يتمتع فيها الشيعة بنفوذ منذ سنوات، حتى زواج الفتيات في سن التاسعة الذي يعتبر مخالفاً للقانون.