على الأرض الجافة لملعب خانقين، بمعدات بدائية وقديمة، يجري شاب في الـ18 من العمر تمرينات شاقة رفقة مدربه أملاً في تحقيق حلمين في غضون السنوات الثلاث المقبلة.
محمد أحمد، شاب من خانقين، مثل العراق في بطولة غرب آسيا لألعاب الساحة والميدان التي أقيمت في شهر تموز الماضي وتمكن من إحراز المركز الثاني في مسابقة رمي القرص.
"هذه الرياضة تتناسب مع رغبتي وامكانياتي، هذا حلمي وأنا اعشق هذه اللعبة وسأناضل في سبيلها وأواصل التدريب"، هذا ما قاله محمد بينما كان يجري تمريناته في ملعب خانقين.
شعرت بأنني أستطيع أن أجد نفسي في هذه اللعبة (رمي القرص
ولد محمد عام 2004 في خانقين وكانت الرياضة احدى هواياته، وربما ساعده والده لتحقيق حلمه لأنه كان ايضاً رياضياً في ألعاب الساحة والميدان، كما عمل لفترة مساعد حكم في الدوري العراقي الممتاز لكرة القدم. دأب والده على إعطائه الملاحظات لكي يطور امكانياته، وهذا ما اكده محمد.
بداية محمد في مجال الرياضة كانت عن طريق ممارسة لعبة كرة القدم كما لعب الكرة الطائرة لسنة، لكنه وجد نفسه في ألعاب الساحة والميدان، بالتحديد رياضة رمي القرص.
بسبب وزنه الزائد أخبره مدربو ألعاب الساحة والميدان بأنه "لا يصلح لرياضة الجري"، هذه اللعبة تتطلب قدرة جسدية وسرعة كبيرة ، لذا اقترحوا عليه ممارسة لعبة رمي القرص.
"شعرت بأنني أستطيع أن أجد نفسي في هذه اللعبة (رمي القرص، وشاهد المدربون امكانياتي واقترحو علي تطوير قدراتي في هذه اللعبة"، محمد كان حينها في الـ14 من العمر.
في عام 2020، حين بلغ الـ16، شارك محمد للمرة الأولى في بطولة لأندية العراق أقيمت في العاصمة بغداد لفئة الناشئين وأحرز فيها المرتبة الرابعة.
"كان حدثاً خاصاً و رائعاً، لكنني شعرت بالحزن في الوقت نفسه لأنني لم أستطع تمثيل مدينتي، فالوضع المادي لنادي خانقين كان متردياً ولم تكن للنادي القدرة على تأمين مصاريفي المادية"، يقول محمد، الذي مثل في وقتها محافظة نينوى.
اكتشف امكانياتي المخفية، علمني أنواعاً جديدة من التكنيك
يوماً بعد آخر كان مستوى هذا اللاعب الشاب يتطور، "ما حفزني على تطوير مستواي، هو التشجيع الذي حظيت به في البطولة الأولى".
في عام 2021، أنيطت مهمة تدريب محمد لمدرب جديد (محمد خليل).
يقول محمد في وصف مدربه الجديد، "اكتشف امكانياتي المخفية، علمني أنواعاً جديدة من التكنيك، شعرت أن امكانياتي تتطور في مدة قصيرة".
في بطولة أندية العراق للناشئين لرياضة رمي القرص والتي أقيمت في آذار 2021، سنحت لمحمد فرصة تحقيق حلمه وتمثيل مدينته، خانقين.
قضاء خانقين من المناطق المتنازع عليها بموجب الدستور العراقي. القضاء تابع لمحافظة ديالى ويقطنه خليط من الكورد، العرب والتركمان.
تحقق حلم آخر لمحمد في تلك البطولة، وهو إحراز المركز الأول على مستوى أندية العراق في مسابقة رمي القرص، كما حصل في نفس البطولة على المرتبة الثانية في لعبة رمي الثقل.
جاء الدور على تحقيق أحلام أخرى
بعد إحرازه المركز الأول على مستوى أندية العراق، أقيمت اختبارات لعدد من اللاعبين في بغداد لإعدادهم من أجل تمثيل العراق خارجياً، أحد هؤلاء اللاعبين كان محمد أحمد.
"أكملت الاختبارات بنجاح، وفي تشرين الثاني 2021 مثلت العراق للمرة الأولى في بطولة دولية".
جرت تلك البطولة في تونس بمشاركة 20 منتخب عربي.
يقول محمد، "كانت المرة الأولى التي اسافر فيها خارج العراق، كان شعوراً خاصاً، كما كانت المرة الأولى التي أصعد فيها على متن طائرة، لا أعرف كيف أصف شعوري، شعرت بفخر كبير، كنت أقول لنفسي يا محمد أصبحت قريباً جداً من تحقيق أحلامك، فاهدأ".
لكن مع ذلك كان يشعر بثقل مسؤولية تمثيل بلد، الأمر الذي بعث في نفسه القلق.
"خفت كثيراً وشعرت بالتوتر والقلق، كنت الوحيد الذي أمثل العراق في تلك اللعبة".
لكن مدربه (محند خليل) ساعده في تجاوز تلك المرحلة ودأب على إعطائه الإرشادات والملاحظات، وهو ما جعله يستعيد رباطة جأشه قبل انطلاق البطولة. حصل محمد على المركز الثاني وكان ذلك أول لقب يحرزه للمنتخب العراقي.
بعد تلك البطولة، واجه محمد بعض المشاكل، وذلك لأن المنتخب العراقي تعاقد مع مدرب أجنبي لألعاب الساحة والميدان. يقول محمد، "لم أكن على وئام مع المدرب الأجنبي"، دون أن يخوض في التفاصيل، وقال "شعرت بأن مستواي وامكانياتي وتكنيكي يتراجع".
رغم ما واجهه من ظروف وما تحدث عنه بخصوص عدم رضاه عن مستواه، لكنه فاز بالمرتبة الأولى في بطولة أندية العراق في نفس اللعبة.
هذا الانجاز لعب دوراً في اختياره مطلع عام 2021 لتمثيل العراق في بطولة الدول العربية لفئة الشباب في تونس بمشاركة 19 دولة. هذه المرة جاء محمد ثالثاً.
في تموز 2022، مثل محمد العراق في بطولة غرب آسيا وأحرز فيها المركز الثاني. هذه النتيجة شجعت محمد مرة أخرى على تكثيف تدريباته، لذا تراه اليوم يتدرب على ساحة جرداء في خانقين رفقة مدربه.
حالياً يتدرب محمد في خانقين مع مدربه الخاص، بعد أن طلب إعفاءه من التدرب تحت قيادة المدرب الأجنبي، "هو في بغداد وأنا في خانقين، لم يكن ذلك يناسبني".
أريد تحيق حُلمَين آخرين، الأول تحطيم رقم قياسي محلي، والثاني الاستعداد للأولمبياد لأنني أريد تمثيل العراق فيها".
الرقم القياسي لرمي القرص في العراق هو 59 متر، حتى الآن نجح محمد رمي القرص لمسافة 53 متر. أما بالنسبة لحلمه الثاني فيجب أن ننتظر أولمبياد 2024. يقول محمد، "أمامي ثلاث سنوات لتحقيق هذين الحلمين".