عالجنا ما يقرب من 3500 حيوان سائب خلال السنوات الخمس الماضية مجاناً
عالجنا ما يقرب من 3500 حيوان سائب خلال السنوات الخمس الماضية مجاناً
يقف مهند قرب المستشفى البيطري، فجأةً تترجل من مركبة أجرة صفراء اللون امرأة مسنة يبدو عليها الهلع وهي تحتضن معزة تبدو عليها آثار المرض، وهي تتلفّت دون أن تعرف الى اين تذهب.
يتجه مهند نحوها ليساعدها ويسألها عما حدث ولِمَ هي محبطة بهذا الشكل، فأجابت الامرأة قائلةً، "ابني، هذه المعزة مريضة"، ردّها أصاب مهند بالاستغراب وقال لها "لا داعي لكل هذا القلق، أقصى ما يمكن أن يحدث هو أن تذبحوها وتأكلوا لحمها".
كلمات مهند جعلت الامرأة تدخل في نوبة بكاء وتقول "هذه المعزة هي كل ما أملك"، في إشارة للحب الذي تكنه لهذا الحيوان، لذا قرر مهند مساعدتها لإيجاد طبيب بيطري ورافقها لأكثر من ساعتين لكي تتلقى المعزة العلاج.
هذه الحادثة التي وقعت في آذار 2010 غيرت حياة مهند حسن، حين كان حينها بصدد اتخاذ قرار نهائي بشأن دراسته المستقبلية، لذا قرر دون تردد أن يلتحق بكلية الطب البيطري.
"لم أر أحداً يكن هذا الشعور لمعزة مثل تلك الامرأة، لذا قررت البقاء الى جانبها وندمت على ذكر موضوع ذبح المعزة، هذه الحادثة غيرت أهداف حياتي الشخصية والمهنية"، حسبما قال مهند لـ(كركوك ناو).
مهند حسن (30 سنة)، أعزب، أكمل دراسته في كلية الطب البيطري بجامعة تكريت ويقيم في مدينة كركوك، حين اختار مهند الالتحاق بمجال البيطرة تعرض للسخرية من قبل معارفه وبعض أصدقائه، دون أن يفهم أحد صعوبات هذه المهنة.
بعد تخرجه من الجامعة، تهيأت له العديد من فرص العمل، لكنه كان يخطط لفكرة تأسيس عيادته الخاصة.
فكرة تأسيس العيادة كانت بسبب نقص المستلزمات والاحتياجات التي يحتاجها اي مربي حيوانات. يقول مهند بأنه كانت لديه قطة وكان يضطر للذهاب الى أربيل للحصول على اللقاحات وبعض المستلزمات الأخرى الخاصة بها.
بعدها قرر مهند توفير هذه المستلزمات لمربي الحيوانات وبيعها عن طريق الانترنت، ومنه تطور الأمر الى استيراد نوعيات معينة من القطط حسب طلب الزبائن، بعدها بدأ البعض يستفسر عن وجود اللقاحات والمستلزمات الخاصة بحيواناتهم الأليفة.
وفرت فرص العمل لشبان آخرين وأصبح عدد العاملين في المركز يزيد عن 32 شخصاَ
في عام 2018، فتح مهند مركزاً صغيراً لعلاج الحيوانات، وبعد تزايد اقبال الزبائن قرر بعد عام توسيع المركز.
"في البدايات، كنت أعمل في المركز مع شخصين، لكن بعد تحويله الى عيادة وصل عدد أعضاء فريق العمل الى 10 عاملين"، ويقول محمد بأنه سعيد لأن فكرته وفرت فرص العمل لشبان آخرين وأصبح عدد العاملين في المركز يزيد عن 32 شخصاَ.
العمل التطوعي أصبح محطة جديدة في قصة مهند، ما حدث بينه وبين الامرأة المسنة التي كانت تبكي لحال معزتها الصغيرة شجعه على أن يكون له دور في معالجة الحيوانات السائبة التي لا يوجد من يعتني بها.
مهند يقدم العلاج لكل حيوان يحتاج اليه، سواء كان كلباً، قطة أم طيراً.
"المركز الذي أسسته يعالج هذه الحيوانات بدون اي مقابل لذا كانوا يجلبون الحيوانات المريضة الينا، على سبيل المثال، يصادف العمال يومياً بعض القطط او الكلاب وغيرها من الحيوانات المتعرضة للأذى ويحضرونها الى المركز من اجل العلاج".
مهند يتكفل بنفسه بكافة المصاريف التي تخص معالجة الحيوانات السائبة، دون أن يتلقى الدعم من أية منظمة أو دائرة أو جهة معينة، " لا نستطيع ابقاء تلك الحيوانات في المركز بعد علاجها، تردنا حوالي 4-9 حالات بشكل يومي وهذه الاعداد تحتاج امكانيات عالية وجهد اكبر لا نستطيع توفيرها في الوقت الحالي".
من الأمراض الشائعة التي تصيب الحيوانات السائبة بسبب تأثير التغيرات المناخية في كركوك، ارتفاع ضغط الدم في الصيف والامراض الفيروسية والبكتيرية في الشتاء.
مهند يسجل يومياً الحالات التي يتطوع لمعالجتها، "عالجنا ما يقرب من 3500 حيوان سائب خلال السنوات الخمس الماضية مجاناً"، ساعدهم آخرون في ذلك، منهم سائق سيارة أجرة دأب على جلب الحيوانات السائبة التي تحتاج للعلاج الى العيادة، يستهلك العمل التطوعي ما بين ساعتين وثلاث ساعات من وقت مهند وفريقه.
أعتقد بأننا نجحنا في تشجيع الناس على الاهتمام بالحيوانات ومعاونتنا
فترة انتشار وباء كورونا، كانت الفترة الذهبية للعاملين في مجال البيطرة، فكان من الصعب على مربي الحيوانات الأليفة الخروج من المنزل بسبب الحجر الصحي ويضطرون لطلب توصيل الحيوانات الأليفة ومستلزماتها عن طريق الانترنت، فيما يتكفل فريق مركز مهند بإحضارها الى منازلهم.
يقول مهند، "في تلك الفترة، كان مركزنا يتلقى يومياً 110 الى 120 طلب مختلف ونعمل من الـ7 صباحاً حتى الـ11 ليلاً".
يرى مهند بأن الحيوانات لا تشكل خطراً على الانسان، مثلما يشاع في المجتمع، مشيراً الى أنه حسب متابعاته وخبرته في المجال، فإن القطط المحلية لا تسبب أمراض خطيرة للإنسان بشكل مباشر، لكن هناك بعض الامراض المميتة للقطط نفسها وقد تؤدي الى موت أعداد كبيرة منها مثل مرض طاعون القطط.
فيما يخص الكلاب السائبة، فإنها تشكل خطراً على حياة الانسان إن كانت مصابة بداء الكلب أو الأكياس المائية، " معظم الكلاب، بالأخص السائبة، قد تعاني من امراض فيروسية منها فيروس (البارفو)، الذي يسبب الجفاف وارتفاع درجات الحرارة في فصل الشتاء، لكل داء دواء ومن الأفضل الإسراع في العلاج"، ويضيف مهند "لم يخطر ببالي حتى الآن فكرة تشكيل فريق تطوعي، لأن الناس يجلبون الحيوانات السائبة عندنا للعلاج حسب الإمكان، وأعتقد بأننا نجحنا في تشجيع الناس على الاهتمام بالحيوانات ومعاونتنا".
خلال السنوات الماضية، تم قتل المئات من الكلاب السائبة من قبل الفرق التابعة لإدارة كركوك بحجة أنها تشكل خطراً على المواطنين وتتسبب بتفشي الأمراض.
مهند قرر تطوير عمله ليوفر أيضاً خدمة الفندقة، حيث يتم ايواء الحيوانات الأليفة التي يسافر أصحابها والاعتناء بها في المركز لحين عودتهم.
كما يوفر المركز خدمة العيادة الخارجية في المزارع وأماكن أخرى حسب طلب الزبائن لكن فريق مهند لا يخرج للقرى والارياف لمعالجة المواشي كون مثل ما تحدث الدكتور في الاعلى الناس هم يقومون بإحضارها الى المركز الخاص به , "لأن مستوى وعي المجتمع عالٍ جداً وأصبحوا يجلبونها بأنفسهم الى مراكز البيطرة للتطعيم والعلاج" وأشار الى أن "هناك نسبة 5% من الحالات قد تأتي بشكل متأخر للعلاج."
يتزايد اهتمام الناس بتربية الحيوانات مثل القطط والكلاب في محافظة كركوك وهناك اقبال كبير عليها، "يمكنني القول بأن الاهتمام بتربية الحيوانات زادت بنسبة 60-70 بالمائة مقارنة بالسنوات الماضية، وذلك يعود لتأثير مواقع التواصل الاجتماعي وتأثير الأشخاص الذين يعتنون بالحيوانات على الآخرين".
أنا ممتن جداً كوني جزءاً من هذا العمل وهذا المجال
المهنة التي اختارها مهند حسن، والتي كانت في يوم من الأيام محل سخرية واستهزاء المحيطين به، أصبحت اليوم مصدر إلهام، الكثيرون يسألونه يومياً كيف يمكنهم أن يصبحوا بيطريين ناجحين، وأثناء فترة امتحانات لصف السادس الاعدادي يزوره ذوو الطلاب يسألونه عن مهنته وهل ينصح بها لأبنائهم.
"المتعارف عليه في دول العالم أن الطب البيطري هو حائط الصد ألأول أمام الأمراض... معظم الأمراض انتقلت في البداية من الحيوانات، مثل انفلونزا الطيور، الحمى النزفية وصولاً الى كوفيد-19، لذا فإن الطبيب البيطري يلعب دوراً مهماً يتعلق بالثروة الحيوانية وحماية اقتصاد البلد"، بحسب مهند.
لمهند أهداف وطموحات أكبر، يريد من التغيرات الايجابية الحاصلة في نظرة المجتمع إزاء الحيوانات أن تزيد وأن لا ينظر الناس ببغض للحيوانات السائبة، "المرء إذا أراد التغيير يجب أن يكون جزءاً منه، أنا ممتن جداً كوني جزءاً من هذا العمل وهذا المجال".
إيناس عبدالله – كركوك