وسط الأوضاع المريرة التي مرت بها عشرات الآلاف من الايزيديين، حملت طبيبة ايزيدية نازحة على عاتقها مهمة صعبة وهي تخفيف آلام الفتيات الناجيات من أسر تنظيم داعش.
نغم نوزاد حسن (43 سنة)، طبيبة مختصة بالأمراض النسائية، نزحت من ديارها في بعشيقة –سهل نينوى- عام 2014، حين وصل مسلحو تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) الى الموصل –مركز محافظة نينوى- وحطت الرحال في دهوك.
النزوح لم يجعل نغم تقف مكتوفة الأيدي وتساءلت، "ماذا نفعل؟". لكن التساؤلات التي كانت تدور في رأسها زادت بعد وصول داعش في آب من نفس العام الى سنجار و نزوح آلاف العوائل الايزيدية واختطاف ومقتل آلاف آخرين ، هذه الأحداث أثرت كثيراً على نغم وتركتها في حالة نفسية متدهورة، حسبما تقول.
"فكرت في أن الديانة الايزيدية هي ديانة تدعو للتسامح، لكننا نرى بأعيننا كيف تُختطف فتياتنا ويُقتل أطفالنا ويتعرض أهلنا لعمليات القتل الجماعي، هذه الأمور تركت تأثيراً نفسياً بداخلي"، وقالت نغم "فكرت فيما يمكنني أن أفعله وماذا سيكون دوري".
تخرجت نغم من كلية الطب بجامعة الموصل، مارست مهنتها بشيخان، الموصل وكركوك، وهو ما ساعدها على أن تصبح سباقة في إيصال الخدمات والمساعدات الطبية لآلاف العوائل النازحة التي تم توزيعها على مخيمات النازحين بمحافظة دهوك.
الخطوة الأولى للطبيبة نغم نوزاد، وهي من المكون الايزيدي، كانت تقديم العلاج الطبي للنازحين المقيمين في المخيمات.
بعد بدء تحرير وفرار بعض الايزيديات المختطفات، شعرت نغم بأنهن بحاجة الى المشورة النفسية والعلاج الطبي، فخصصت الجزء الأكبر من عملها لهؤلاء الفتيات.
"أردت العمل مع الفتيات الناجيات من قبضة داعش، اقتربت منهن واطلعت على آلامهن، علمت ما الذي يتوجب علي فعله، في البداية قدمت لهن العلاج الطبي ومن ثم الاجتماعي وكيفية إعادة دمجهن بالمجتمع".
رأت نغم أن ما تفعله لم يكن كافياً لذا افتتحت مركزاً لتقديم العلاج النفسي للناجيات، بدعم من حكومة اقليم كوردستان.
"حتى بعد أن قررت الحكومة الألمانية استقبال الناجيات الايزيديات لغرض تقديم العلاج لهن، واصلت العمل في هذا المجال للائي كن بحاجة للهجرة من أجل الحصول على العلاج".
في آب 2014، سيطر تنظيم داعش على قضاء سنجار واختطف ستة آلاف و417 مواطن ايزيدي، بينهم ثلاثة آلاف و548 من الإناث.
وفقاً لإحصائيات حكومة اقليم كوردستان لسنة 2023، تم حتى الآن تحرير ثلاثة آلاف و 562 شخص، بينهم ألف و207 امرأة وفتاة، ولا يزال ألفان و693 مختطفاً في عداد المفقودين، بينهم ألف و262 امرأة وفتاة.
لم تكتف نغم بذلك، فانت من بين الناشطات اللائي عملن على تعريف المجتمع الدولي بقضية الايزيديين واستعرضت مآسي الايزيديين في عشرات المؤتمرات والملتقيات التي شاركت بها.
"كان هدفي الرئيسي هو أن تهب الدول لمساعدة الايزيديين والنازحين، لأنهم كانوا يعيشون أوضاعاً صعبة للغاية".
في عام 2020، باشرت نغم مهامها كمديرة لمستشفى شيخان الذي كان الى جانب قضاء شيخان، يقدم الخدمات الطبية لثلاثة مخيمات للنازحين. تقول نغم أن مهمتها تعقدت أكثر في ذلك العام بسبب تفشي فيروس كورونا، فكان عليهم اضافة الى تقديم الخدمات الطبية، إطلاق حملات توعوية، بالأخص داخل المخيمات.
تكريماً لجهودها الحثيثة وتفانيها في عملها، منحت نغم نوزاد في عام 2016 جائزة "المرأة الجريئة" من قبل مزارة الخارجية الأمريكية. وفي نفس العام حصلت على جائزة (الوردة الفضية) لحقوق الانسان من قبل منظمة بلجيكية.
في عام 2018، منحت نغم جائزة من قبل منظمة أطباء من أجل حقوق الانسان، فضلاً عن حصولها على جائزة حقوق الانسان الألمانية-الفرنسية من قبل وزارتي الخارجية الألمانية والفرنسية في عام 2020.
بعدها بعامين، منحتها المفوضية السامية لحقوق الانسان جائزة أفضل ناشطة.
تقول نغم أن الشيء الذي ما زال يؤلمها هو، "أنني لم أتخيل أبداً أن يوجد في هذا العصر أناس يحللون قتلنا".
"لدي مهام أخرى ولم أتوقف عن العمل، أريد أن يفهم العالم كم أن الايزيديين مسالمون ومتصالحون مع الأديان الأخرى، من الآن ستكون هذه مهمتي... نحن باقون وصامدون، بالرغم من المصائب التي حلت بنا"، بهذه الكلمات اختتمت نغم قصتها.
إعداد: كاروان باعدري