موت قبل الأوان..
قصص ايزيديين انتحروا في زمن الكورونا

نينوى/ 2018/ عدد من النساء يزرن قبور أحبائهم في مركز قضاء سنجار تصوير: ابراهيم ايزيدي

عمار عزيز

تبدو(بيان) على طبيعتها مثل أي يوم آخر، تستيقظ من الفراش مبكرة وتتناول الفطور مع أفراد عائلتها، ثم تتوجه الى احدى غرف المنزل بحجة تغيير ملابسها، وتقفل الباب على نفسها.

بينما كانت (بيان) في الغرفة، بدأت عائلتها بِلَمّ سُفرة الفطور، فيما توجه بعضهم الى أعمالهم دون أن يخطر ببالهم ما سيحدث، الى أن فتح أحدهم باب الغرفة.

"كانت قد علّقت نفسها بحبل يتدلى من سقف الغرفة"، هكذا روى نزار ميرزا بحرقة حادثة موت شقيقته.

انتحار تلك الفتاة كان ثالث حالة "انتحار شنقاً" بين ايزيديي سنجار في غضون أقل من اسبوعين.

الواقعة حدثت في الساعة التاسعة من صباح يوم الأحد، 7 حزيران 2020، في قرية وردي في ناحية القحطانية (تل عزير) التابعة لقضاء سنجار.

"في تلك الصبيحة كنا نتناول الفطور معاً بسرور، ذهبنا لمزاولة أعمالنا، وبقيت بيان مع عدد من شقيقاتنا في المنزل، كان يوماً حزيناً جداً، لم أرها قط مهمومة" حسبما قال نزار لـ(كركوك ناو).

بيان ميرزا حجي (18 سنة)، كانت طالبة في الصف الحادي عشر الاعدادي. اضطرت هذا العام الى البقاء معظم الوقت في البيت بسبب اجراءات حظر التجوال وانتهاء العام الدراسي جراء تداعيات جائحة كورونا.

bayan

بيان ميرزا حجي (18 سنة) "انتحرت شنقا" حسبما قال ذووها

وكانت الحكومة العراقية قد فرضت حظر التجوال منذ منتصف شهر آذار الماضي ضمن الاجراءات الوقائية المتخذة للحد من انتشار فيروس كورونا، وأجبرت الناس على البقاء في بيوتهم.

أمير خوديدا، عم الضحية قال لـ(كركوك ناو) "لا ندري لماذا انتحرت، كانت تحب الحياة وتحب دراستها، بالتأكيد لم تكن لديها مشكلة."

من جانبه قال جلال خلف مدير ناحية القحطانية متحدثاً لـ(كركوك ناو) "التحقيقات الأولية تشير الى ان بيان انتحرت، لكن التقرير الطبي، ونتائج تحقيقات الشرطة والأجهزة الأمنية لم تكتمل بعد."

اجراءات الحجر المنزلي المفروضة بسبب فيروس كورونا رافقتها موجة جديدة من العنف الأسري، وكما هوالحال في كل مرة، فان حصة الأسد كانت من نصيب النساء.

من جهته، حذّر صندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق، في تقريرها الأخير الذي نُشِر في الثالث من الشهر الجاري من ازدياد العنف الأسري الذي يستهدف النساء والأطفال في جميع أنحاء العراق في ظل جائحة كورونا.

وأجرت مجموعة التنسيق التي تترأسها الأمم المتحدة مع شركائها من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني تقييماً سريعاً لانتشار العنف القائم على النوع الاجتماعي خلال الجائحة. وأظهرت البيانات الواردة أن 94٪ من الحوادث المبلغ عنها في الشهرين المنصرمين هي حوادث عنف منزلي. 

كما أشارت البيانات الى أن 40% من مقدمي الخدمات الصحية سجّلوا ارتفاع في عدد النساء الناجيات من العنف اللائي يطلبن المساعدة. علاوة على ذلك، وقعت أكثر من 123 محاولة انتحار بسبب العنف القائم على النوع الاجتماعي وذلك خلال شهرين فقط.

في 19 أيار 2020، "انتحرت" سلوى سلو مجو (24 سنة) في ناحية سنوني التابعة لسنجار تاركة وراءها طفلا صغيراً.

"كانت أختي على خلاف مع زوجها، لجأت الى بيتنا عدة مرات لكنها كانت تتصالح مع زوجها وتعود معه، غير أن المشاكل تواصلت لذلك شنقت نفسها"، كما يقول عزيز سلو شقيق الضحية.

البطالة، المكوث في البيت والاكتئاب والتوتر في زمن الكورونا تعتبر أسباب رئيسية وراء زيادة العنف الأسري ومحاولات الانتحار.

بسنا ميشو (20 سنة) نازحة ايزيدية من سنجار تدير محلاً لبيع الملابس النسائية في مخيم شاريا للنازحين في دهوك، وهي تعاني منذ أشهر من ركود عملها بسبب حظر التجوال، "اذا استمر الحال على ما هو عليه الآن سأضطر لإقفال محلي، لتضاف الى آلاف المشاكل التي نعاني منها."

بسنا ترفض فكرة الانتحار واليأس الذي يدب الى النساء، "لكن مع الأسف بعض النساء لا يتحملن المصاعب والمشاكل الكثيرة لذا يلجأن الى الانتحار، وذلك لا يعتبر حلاً."

بعض النساء لا يتحملن المصاعب والمشاكل الكثيرة لذا يلجأن الى الانتحار

وتنتقد هذه الفتاة الايزيدية المسؤولين الحكوميين لعدم اكتراثهم لما يمر به النازحون في ظل تداعيات كورونا، "مضت خمسة أعوام ونحن لا زلنا نعيش في المخيمات دون أن تكون هناك مساعي جدية لإعادتنا الى مناطقنا الأصلية."

 لا يزال معظم ايزيديي سنجار ونينوى نازحين، وحالَت قلة الخدمات الأساسية دون تمكنهم من العودة الى مناطقهم الأصلية، ويشكل الايزيديون نسبة 30% من مجموع 787 ألف نازح في اقليم كوردستان، حسب احصائيات مركز التنسيق المشترك للأزمات في حكومة اقليم كوردستان.

snwneshngal-ibrahim-ezidi-1

سنجار/ 2020/ نقطة تفتيش مؤقتة لتنفيذ اجراءات حظر التجوال  تصوير: ابراهيم ايزيدي

من جانبها، تعتقد فريدة سعدو، مسؤولة رابطة دعم النساء الايزيديات في سنجار بأن انتحار النساء ليست متعلقة بمنطقة معينة، لكنها أوضحت لـ(كركوك ناو) بأن "الظروف التي تعيش فيها النساء الايزيديات مختلفة" مشيرة الى العنف الذي تعرضن له سابقاً على يد تنظيم الدولة الاسلامية (داعش).

وتقول فريدة بأنها نظمت العديد من الفعاليات والأنشطة المختلفة للنساء، وأن أبواب الرابطة التي تترأسها مفتوحة دائماً، كما أن لديهم خطط وبرامج أخرى لخدمة النساء من ضمنها حملات التوعية.

لا تتوفر احصائيات رسمية حول معدلات الانتحار في سنجار الاّ أن الاحصائيات التي حصلت عليها (كركوك ناو) من مصادر غير رسمية تشير الى أن العدد وصل الى أكثر من 20 حالة خلال العام الماضي فقط.

ضحايا الانتحار ليسوا نساء فقط، حيث أنهى العديد من الرجال والشباب حياتهم بنفس الطريقة.

في حالة مماثلة حدثت في وسط قضاء سنجار في 20 ايار 2020، أقدم حازم يوسف عبدي على "الانتحار شنقاً" تاركاً ورائه ثلاثة أبناء وأربع بنات.

كما سُجِّلت حالتا انتحار في مخيمات النازحين خلال كانون الثاني وشباط من العام نفسه، حسبما أشار اليه ذوو الضحايا وتحقيقات الأجهزة الأمنية.

كما اظهرت احصائيتان نشرتهما (كركوك ناو) سابقاً بالاعتماد على بيانات المنظمات المدنية وهيئة الشؤون الانسانية في محافظة دهوك، أن ما يقرب من 20 شاباً وشابة من المكون الايزيدي أقدموا على الانتحار داخل المخيمات خلال عام 2018.

معدلات الانتحار بين النساء والفتيات في سنجار في تصاعد

"معدلات الانتحار بين النساء والفتيات في سنجار في تصاعد"، حسبما يقول الباحث الاجتماعي لقمان حسين.

وأوضح لقمان في حديثه لـ(كركوك ناو) بأن عدة أسباب تقف وراء ازدياد هذه الحالات، منها العنف الذي ارتكبه داعش، البطالة والمكوث في البيت لأوقات طويلة.

في آب 2014، تعرض ايزيديو سنجار الى عمليات ابدة جماعية واختُطِف أكثر من ستة آلاف ايزيدي بينهم نساء واطفال، لا يزال مصير قرابة نصفهم مجهولاً.

anwar

أنور خدر (21 سنة) "انتحر شنقا" داخل احدى خيم النازحين خلال هذا العام

وأشار لقمان الى أن " العديد من العوائل العائدة الى سنجار يعانون من ظروف معيشية متردية، في ظل شحة فرص العمل، خصوصاً بعد انتشار فيروس كورونا وفرض حظر التجوال."

ويعتقد لقمان بأن الميزانية التي تصرفها المنظمات بدعوى معالجة مشاكل النازحين وأهالي المنطقة "لم تكن ذات فائدة تُذكر لتحسين الوضع النفسي الذي يمرون به."

وصلت حالات الاصابة بفيروس كورونا في نينوى الى 56 حالة، لكن لم تُسجل أي منها في سنجار.

ويؤكد مدير ناحية القحطانية بأن ادارة سنجار تعمل بالتنسيق مع المنظمات والحكومة الاتحادية على مواجهة ظاهرة الانتحار عن طريق تأمين فرص العمل وتنظيم حملات التوعية.

وقال جلال خلف "لا نعرف بالضبط كم هي نسبة حالات الانتحار، لكنها في تزايد وتدعو للقلق."

الأمم المتحدة في العراق طالبت في أكثر من مناسبة بذل الجهود لتقليل معدلات الانتحار والعنف الأسري من خلال تشريع قانون مكافحة العنف الأسري والذي تأخر تمريره في البرلمان العراقي بسبب خلافات بين الكتل البرلمانية.

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT