استثمرت كل ما تعلمته في دراستها الاكاديمية ومختبرات الجامعة لتبدع في مهنتها. "هازه حسن" أسست معملاً صغيراً لتقدم من خلاله خدمة كبيرة للزراعة والبيئة عن طريق انتاج نوعين من الأسمدة العضوية من فضلات الدواجن.
هذه السيدة الشابة بدأت بطرح انتاج معملها في الأسواق منذ بضعة سنوات، تحديداً في المناطق الزراعية من محافظة السليمانية. أحد المنتَجين عبارة عن سماد سائل يسمى (بايوجار)، والآخر سماد جاف أطلقت عليه اسم (فيرميكاست).
المصدر الرئيسي للسمادين فضلات الدواجن التي تمر بمراحل مختلفة حتى تصبح أسمدة زراعية صديقة للبيئة.
"لا نستخدم أية مواد كيمياوية أو مواد حافظة في انتاج الأسمدة، لذلك لا تسبب أية أضرار للتربة والبيئة والمحاصيل الزراعية"، حسبما تؤكد هازه حسن.
يعد السماد الطبيعي بديلاً ناجعاً للأسمدة الكيمياوية وتشجع منظمة الأمم المتحدة على استخدامها، لأن الأسمدة الكيمياوية تسبب أضرار لمكونات التربة والأحياء الموجودة فيها، كما أنها مصدر من مصادر تلوث البيئة، بالخص المصادر المائية.
الأسمدة كحماية للتربة
فكرة مبادرة هازه حسن كانت عنوان رسالة الماجستير التي قدمتها حول الأسمدة العضوية في عام 2022 وبفضلها حصلت على شهادة الماجستير من إحدى الجامعات التركية.
لكن إنشاء المعمل وانتاج السماد سبق إكمالها لرسالة الماجستير، حين بدأت في 2021 بتحويل فكرة المشروع الى خطوات عملية بمساعدة والدها.
بعد تنظيف الفضلات من المواد المضرة بالبيئة والتربة والمحاصيل الزراعية، تمر بعدة مراحل أخرى يستخدم في بعضها أجهزة خاصة
هازه من أهالي قلعة دزة التابعة لإدارة رابرين المستقلة (شمال غرب السليمانية)، تخرجت من كلية الزراعة بجامعة السليمانية قبل أربع سنوات من تأسيس المعمل، لذ فإن تعاملها الرئيسي كان مع مجال الزراعة وتفهم جيداً ما هي الكوارث البيئية.
تقول هازه إن الهدف من البحث العلمي الذي أجرته في إطار رسالة الماجستير كان إيجاد حل لمشكلة بارزة في المجتمع ومن ثم التوصل الى نتائج.
تتألف عملية جمع فضلات الدواجن من عدة مراحل مختلفة، وبينت هازه بأنها في البداية وخلال فصل الصيف تشتري فضلات الدواجن من الأشخاص الذين يتولون جمعها، ثم توضع في مخزن إلى أن تجف، قبل أن يتم طحنها وفي النهاية تنقل الى مخازن المعمل لكي تستخدم كمادة أولية لإنتاج الأسمدة.
فضلات الدواجن والمواشي يجب أن لا تستخدم كأسمدة بشكل مباشر، قبل أن تمر بمراحل المعالجة. حسب التحذيرات البيئية التي شددت عليها هازه حسن، الاستخدام المباشر لهذه الفضلات يسبب أضرار لمكونات التربة والمحاصيل الزراعية ويؤدي الى انتشار أمراض وآفات مختلفة.
وتقول مدير بيئة رابرين، ساوين صالح، إن فضلات الدواجن والمواشي اذا استخدمت بشكل مباشر فلن تتحلل بسرعة في التربة وبذلك لن تستفيد منها النباتات وقد يتختلط بهذه الفضلات بذور بعض النباتات الضارة. لكن هذه المخاطر تزول إذا تمت معالجة الفضلات بطريقة علمية كالتي تتبع في معمل هازه.
في المعمل يتم التخلص من بعض المواد الموجودة في فضلات الدجاج كالفلورام، الباراسيتامول واللقاحات، وبالأخص إزالة النتروجين الموجود على شكل مركبات الأمونيا أو الأمونيوم والتي تؤدي بشكل مباشر الى حرق المحاصيل الزراعية.
وأوضحت هازه بأنه بعد تنظيف الفضلات من المواد المضرة بالبيئة والتربة والمحاصيل الزراعية، تمر بعدة مراحل أخرى يستخدم في بعضها أجهزة خاصة، "بعد تحويل الفضلات الى سماد، تحتفظ المكونات الغذائية بخصائصها ويمكن الاستفادة منها لنمو المحاصيل الزراعية".
المبادرة الأخرى التي تطبق ضمن مشروع هازه حسن هي أنها لم تشتر أو تستورد أياً من الأجهزة الخاصة بإنتاج السماد الطبيعي أو العضوي، بل جميعها من صنع والدها. عن طريق إنشاء هذا المعمل وفرت هازه فرص عمل لوالدها وثلاثة من أشقائها.
حصل المعمل على الإجازة الرسمية في 2023. أحيانا يقترب الانتاج اليومي للمعمل من السماد السائل من أربعة آلاف لتر توضع في عبوات سعة 20 لتر تحمل شعار المشروع والمعلومات الخاصة بمكونات السماد. أما انتاج المعمل من السماد الجاف يصل سنوياً الى 10 طن.
مدير بيئة رابرين، رغم عدم إطلاعها على تفاصيل المعمل لأنه لم يرخص من قبل دائرة البيئة، لكنها أشادت بجهودهم لأنها تعتبر السماد العضوي "صديقاً للبيئة"، وتعهدت بتقديم الدعم والتسهيلات لأي مشروع صديق للبيئة.
تعارض ساوين بشدة استخدام الأسمدة الكيمياوية التي تؤثر سلباً على البيئة، "قسم منها ينتشر في الهواء ويلوثه، فضلاً عن أن الأسمدة الكيمياوية لها تأثيرات سيئة على التربة".
تعليمات منظمة الغذاء والزارعة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة (فاو)، تحث المزارعين على استخدام الأسمدة العضوية لأنها تؤدي الى تقوية التربة وإغنائها بالفسفور والمواد الغذائية الأخرى.
بيئة صحية وانتاج أفضل
معمل هازه حسن لإنتاج السماد العضوي لا يترك أي مخلفات، أي أن مخلفات الانتاج أو النفايات هي صفر.
"التقنيات والأساليب التي نستخدمها مختلفة ونسبة المخلفات هي صفر، لأننا ننتج نوعاً ثانياً من النوع الأول من السماد".
ينتج المعمل في البداية السماد السائل من الفضلات المطحونة، المخلفات التي تتبقى من انتاج السماد السائل لا ترمى بل ينتج منها سماد جاف ويعبأ في أكياس خاصة تحمل شعار المشروع ومكونات السماد باللغتين الكوردية والانجليزية.
تقول هازه، إن "الطريقة العلمية لإنتاج هذه الأسمدة لا تتطلب مواد كيميائية ولا تستخدم بعد انتاجها مواد حافظة، لذا ليست مضرة للتربة والبيئة".
يلعب السماد العضوي دوراً في نمو محاصيل الخضار والفواكه بشكل صحي، حمايتها من الآفات لأنه يوفر ما تحتاجه التربة والمحاصيل من المواد الغذائية، كما يحسن جودة التربة وقابليتها لتحمل الجفاف وتعويض العناصر الغذائية الصغيرة والكبيرة التي تلعب دوراً في صنع حبيبات التربة وخزن الماء. كل هذا جزء من المعلومات التي يرفقها المعمل مع منتجاته من الأسمدة العضوية.
محمد علي، أحد مستخدمي سماد (بايوجار) العضوي قال، "نستخدم بايوجار للزهور والنباتات والأشجار المنزلية، استفدنا منه كثيراً، بالأخص للزهور لأنها تحسّن من نموها"، ما يسعده أكثر هو أن السماد صديق للبيئة ولا توجد مخاوف من استخدامه مثل السماد الكيمياوي.
أعارض استخدام الأسمدة الكيمياوية... جميع المواد الكيمياوية تؤثر سلباً على الجينات الوراثية للإنسان
في حال استخدام السماد العضوي، لا تحتاج المحاصيل الزراعية لأي سماد آخر، السماد العضوي يمكن استخدامه لكافة أنواع المحاصيل في المشاتل، الحقول الزراعية والبساتين.
سماد (بايوجار) العضوي ينتج من جمع مخلفات الدواجن والمواشي، ما يؤدي الى الحفاظ على نظافة البيئة وإعادة استخدامها في المجال الزراعي الى جانب توفير فرص عمل لخريجي الزراعة"، بحسب المهندس الزراعي، ريبين رضا.
يقول ريبين، الذي يستخدم أيضاً السماد العضوي بأنه مفيد جداً والحصول عليه سهل لأنه متوفر محلياً، ويمثل مقدمة للاعتماد على السماد العضوي بدل السماد الكيمياوي في حال تم توسيع المشروع ووالتوقف عن الاستيراد من الخارج.
يقول ريبين إن استخدام هذا النوع من السماد يجعل الزهور والمحاصيل الزراعية تنمو بشكل طبيعي وليس له أضرار لصحة المستهلك، "بخلاف الأسمدة الكيمياوية".
هيئة حماية وتحسين البيئة في حكومة إقليم كوردستان تشجع من خلال منشوراتها على مواقع التواصل الاجتماعي الفلاحين والمواطنين على استخدام الأسمدة العضوية بدل الكيمياوية من أجل مكافحة تلوث التربة، كما تحذر من أن الأسمدة الكيمياوية تمثل تهديداً كبيراً للبيئة وجميع الكائنات الحية، كما أنها من أسباب تلوث مصادر المياه الجوفية والسطحية.
وتقول ساوين صالح إن مشروع هازه يوفر الأسمدة للمزارعين بأسعار زهيدة، "وهذه المنتجات آمنة للبشر والبيئة ومكونات التربة، ومن فوائدها الأخرى ترطيب وتهوية التربة وكلاهما ضروريان للحفاظ عليها".
وأشارت مديرة بيئة رابرين الى أن التربة الجيدة تنشط البكتريا النافعة والديدان وعملية التحليل، كما تتيح للنباتات الاستفادة بشكل أكبر من المواد الأولية المفيدة لها.
"أعارض استخدام الأسمدة الكيمياوية... جميع المواد الكيمياوية تؤثر سلباً على الجينات الوراثية للإنسان، حيث تتجمع في جسم الانسان، وإذا لم تؤثر على الشخص آنياً فقد تترك تأثيرها على الأجيال القادمة"، وتأمل ساوين أن يعتمد الفلاحون على الأسمدة العضوية، لأنها تبقى في التربة وتأثيراتها ايجابية، في حين لا تتوفر لهم معلومات كاملة عن الأسمدة المستوردة.
الزراعة مهمة صعبة للنساء
"قطاع الزراعة من اصعب قطاعات العمل للسيدات، لأن الباعة والزبائن والمستهلكين هم من الرجال"، حسبما قالت هازه في حديثها عن التحديات. وشددت على أهمية سعي النساء لتأسيس أعمال مستقلة.
في البداية ساعدها والدها في بيع ونقل منتجات المعمل، قبل أن تقرر البحث عن زبائن عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، حيث وضعت رقم هاتفها وبدأت تدريجياً بتلقي الاتصالات من الزبائن، "حاولت ايصال رسالتي وزيادة حجم المبيعات بالتعريف عن نفسي كمهندسة زراعية، أنا الآن سعيدة جداً في عملي".
تبيع هازه قسماً من منتجاتها عن طريق وكلاء المكاتب الزراعية في المدن والأقضية، أو تسلمها للشركات، وأحياناً يشتري الزبائن منتجاتها بصورة كبيرة.
تنشر هازه صور منتجاتها على مواقع التواصل الاجتماعي مرفقةً بمعلومات دقيقة عن مكوناتها وطريقة استعمالها وفوائدها، على سبيل المثال كتبت في أحد منشوراتها بأن سماد (بايوجار) يجب أن لا يخلط مع اي سماد كيمياوي أبيض، وبأنه مناسب لكل أساليب الري، كما أوضحت كافة طرق الاستعمال والكمية المستخدمة بدقة.
وتقول مديرة بيئة رابرين إن من التحديات الأخرى التخلص من فضلات الدواجن أو استخدامها بطرق عشوائية تؤثر على البيئة وتثير استياء المواطنين لأن رائحتها كريهة وغير معدة بطرق علمية.
وقالت ساوين بأنهم يفتقرن لمعامل خاصة بإعادة تدوير النفايات البلاستيكية والغذائية، بالأخص البلاستيك الذي يؤدي الى التلوث، في حين كان بالإمكان أن تمر بمراحل معالجة والاستفادة منها للإنتاج أسمدة عضوية أو إنتاج الطاقة.
هناك الكثيرون ممن يدرسون في الأقسام الزراعية كـ"هازه حسن"، لكن قلة منهم يستثمرون ما يتعلمونه في سوق العمل، "نسبة للعدد الكبير من خريجي الأقسام الزراعية، كان من المفترض أن يكون أغلب العاملين في سوق عمل القطاع الزراعي من السيدات، لكن العكس يحدث"، هازه حسن سعيدة بعملها وتعتقد أن بإمكانها إثبات نفسها عن طريق مبادرتها.
انتجت هذه المادة في إطار برنامج توسيع دور المرأة في تغطية القضايا البيئية. البرنامج ينفذ من قبل مؤسسة (كركوك ناو) بدعم وتمويل من وزارة خارجية جمهورية ألمانيا الاتحادية.