بينما تلامس أشعة الشمس ضواحي مدينة السليمانية، تبدأ سيدتان مهمة ملؤها الشغف وحب البيئة، تدير هاتان السيدتان مشتلاً يجهز محافظة السليمانية بـ 350 ألف شجرة سنوياً، لكن استمرار المشتل يواجه عقبات.
يهدف المشتل، الذي تعمل فيه شكرية عزيز وزيتون عبد الله منذ 27 عاماً، إلى زيادة نسبة المساحات الخضراء في السليمانية، والتي لم تتجاوز حتى الآن 50 بالمائة من المعيار العالمي.
يعد مشتل سرجنار أول مشتل حكومي في السليمانية، حيث تأسس عام 1948 على أرض مساحتها 40 دونماً في حي سرجنار.
"قضينا سنين شبابنا هنا، لكن تكريس أنفسنا لهذا العمل يجعلنا لا نشعر بالتعب"، هذا ما قالته شكرية وهي تزيل الأعشاب الضارة في المشتل.
قضينا سنين شبابنا هنا، لكن تكريس أنفسنا لهذا العمل يجعلنا لا نشعر بالتعب
هدف المشتل في البداية كان تشجير جبل كويزه، لكن الهدف أصبح الآن أكبر، ألا وهو إنتاج الشتلات لكافة مناطق محافظة السليمانية.
"أينما كانت هناك حاجة للنباتات والأشجار في محافظة السليمانية، يمكننا تأمينها لهم هنا"، حسبما قال مدير مشتل سرجنار، دانيار هادي.
بصورة عامة، يُنتَج في المشتل 350 ألف شتلة سنويًا، معظمها لأشجار الصنوبر التي تستطيع التكيف مع بيئة السليمانية، لأنها تتحمل البرد والرياح القوية ولا تحتاج إلى الكثير من الماء.
وتوجد في المشتل أيضاً شتلات أشجار أخرى مثل البلوط، الزعرور، التوت، الكالبتوس والدفلة، الى جانب أزهار الزينة مثل الخزامى وإكليل الجبل.
وتقول زيتون عبد الله، التي تعينت في المشتل في نفس اليوم مع شكرية، واصفةً سعادتها بالعمل في المشتل إنها لا تشعر بمرور الوقت.
لكن شكرية تقول إنها تشعر بالأسى حين ترى المشتل يفقد إمكانياته السابقة لإنتاج الشتلات بسبب نقص الكوادر وتقاعد بعض أعضاء الفريق عدم تعيين بدلاء.
"مر علينا أربعة مدراء، كان عددنا في وقت ما 40 موظفًا حكوميًا نعمل هنا، لكن الآن لم يبق سوى أربعة موظفين دائميين".
مطلع عام 2000، كان يعمل في المشتل حوالي 40 موظفًا عاملاً، لكن العدد تقلص الى أربعة موظفين و11 عاملاً.
بحسب مدير دائرة غابات السليمانية، طارق حمه غريب-دائرته تشرف على المشتل-، يستطيع مشتل سرجنار توفير الأشجار لـ 23 شعبة غابات في محافظة السليمانية.
وتكمن أهمية المشتل في أن نسبة الخضرة في السليمانية، بحسب تقديرات الحكومة المحلية، تبلغ حوالي 15 بالمائة، وهي نسبة أقل من المعيار الدولي الذي حدد النسبة بأن لا تقل عن 30 بالمائة.
يتمركز 31 بالمائة من التصنيع العراقي في محافظة السليمانية، وذلك وفقاً لآخر دراسة ومتابعة أجرتها منظمة آزادبون للتنمية المستدامة في النصف الأول من العام الجاري، فضلاً عن وجود أكثر من 600 ألف مركبة وأربعة آلاف مولدة كهربائية، والتي تؤدي بشكل مباشر الى تلوث الهواء.
وقال مدير مشتل سرجنار، "لكي لا يقل إنتاج الشتلات، يتوجب على الحكومة توفير المزيد من العمال والموظفين".
لكي لا يقل إنتاج الشتلات، يتوجب على الحكومة توفير المزيد من العمال والموظفين
وبحسب المهندس الزراعي روا عبد القادر، فإن المشتل يحتاج باستمرار إلى خدمات 30 إلى 40 موظف لإنتاج العدد اللازم من الشتلات.
بصورة عامة، يتم بيع الشتلات بأسعار أقل للمواطنين في الفترة من شهر تشرين الثاني إلى شهر نيسان، الى جانب التبرع بقسم منها للمؤسسات الحكومية.
التغيرات المناخية، ومنها الفيضانات، ألحقت الضرر بالمشتل في أوقات سابقة، بسبب قرب المتل من نهر قلياسان، آخر مرة كانت في عام 2016 حين انهار سد جق جق.
في عام 2023، نتيجة لحصول المشتل على دعم من الأمم المتحدة بتوفير 40 عاملاً للمشتل لمدة شهرين، وصلت الطاقة الإنتاجية للمشتل الى مليون وخمسمائة ألف شتلة، قسم منها كانت لأشجار مثمرة، بحسب مدير المشتل.
التين، الفستق، التوت وغيرها كانت من بين الأشجار المثمرة التي أنتجت في المشتل.
"المشتل يراعي مناخ وجغرافية المناطق في إنتاج الشتلات، لكي تضمن تكيفها مع برودة وحرارة المناطقة التي تزرع فيها"، حسبما أوضح دانيار هادي.
وأضاف، "بعد منح الشتلات الأشجار لكل منطقة أو شعبة زراعية، تتولى مديرية غابات السليمانية مهمة متابعتها للتحقق من نموها بشكل جيد".
يوزع المشتل سنوياً 20 شتلة لأشجار الغابات والأشجار مثمرة على 20 خريجا من كلية الزراعة، وفي العام الماضي، تم توزيع الأشجار على 100 مزارع يملكون بساتين.
وفقا للقائمين على المشتل، تم التبرع بـ 350 ألف شجرة للمزارعين والمؤسسات الحكومية في محافظة السليمانية خلال العام الماضي.
شكرية تهوى العمل في المشتل لدرجة أنها لا ترغب بالتقاعد إذا كان الأمر بيدها، "أريد أن أخدم المشتل دائمًا". ويأتي في حين لم يتبق أكثر من سنة واحدة على إحالة كل من شكرية وزيتون الى التقاعد.
أريد أن أخدم المشتل دائمًا
والد شكرية سبقها في ال عمل بنفس المشتل قبل أن يحال الى التقاعد ، لكن شكرية تقول، "لا أريد أن أسير على خطى والدي في مسألة التقاعد".
تستطيع كل شجرة أن تنتج يوميا كمية أوكسجين تكفي لتنفس أربعة أشخاص بالغين، وذلك وفقاً لتقرير لوزارة الزراعة الأمريكية التي شددت على أن الأشجار تعد أكبر مصنع للأوكسجين على وجه الأرض، وجاء في التقرير إن " حجم إنتاج الأشجار للأوكسجين يعتمد على عوامل عدة مثل نوع الشجرة وحجمها والظروف البيئية المحيطة بها".
ينتج قسم نباتات الزينة في المشتل ما بين 30 ألفًا إلى 60 ألف زهرة سنويًا وتباع للمواطنين.
هاوري محمد، مدير قسم نباتات الزينة في المشتل، قال إن "نقص العمال والموظفين وعدم توفر المعدات اللازمة والتربة والبيتموس والنايلون يخلق لنا مشاكل".