من داخل كرفانة صغير باحدى مخيمات النزوح، تجلس عشرات الاطفال من الفتيات والاولاد بملابس تراثية ايزيدية جنبا الى الجنب، ويرددون بصوت عال العبارات والنصوص الخاصة بالديانة الايزيدية.
الفتيات يرتدن ملابس بيضاء مع سترات وقبعات سوداء، اما الذكور يرتدون الملابس الكوردية، ويُدربونهم على نسيان ما تعلموا عليه عند داعش وتدربوا عليه، وهم الان ليسوا متخوفون من التعامل مع بعضهم البعض على اساس الجنس، على عكس ما علموهم مسلحي التظيم.
هؤلاء الاطفال والمراهقين، قبل ان يدخول مدرسة كاني سبي بمخيم كبرتو للنازحين في محافظة دهوك، كانوا قد نسوا كل شيء عن ديانة اجدادهم، وكل ما كان يعرفونه هي الدروس التي تعلموها عند داعش، عندما كانوا يعيشون في ظل حكم التنظيم.
"كنا نتلقى محاضرات خاصة بحفظ القرآن، وكتب اخرى حول العقيدة"، مضيفا : "كان مسلحي داعش يقولون لنا بأننا كفار ويجب ان تسلموا وتتعلموا قراءة القرآن واداء الصلاة"، هذا ماقاله الطفل مازن سليم اثناء حديثه لـ (كركوك ناو).
مازن كان يسكن مع عائلته بمجمع خانصور التابع لقضاء سنجار قبل اب 2014، تحرر برفقة 10 اطفال اخرين بداية العام الجاري في سوريا ويعيش في الوقت الحالي مع والدته بمخيم بيرسيف للنازحين في دهوك.
كان مسلحي داعش يقولون لنا بأننا كفار ويجب ان تسلموا وتتعلموا قراءة القرآن
الاطفال الناجون من قبضة داعش وبعد وصولهم الى ذويهم، يُدخلون في مدارس دينية، بهدف القضاء على الافكار التي غرسها التنظيم في عقولهم واعادتهم لاعتناق الديانة الايزيدية.
زار مازن برفقة اصدقائه بعد اسابيع على تلقيهم الدروس الدينية، معبد لالش المقدس لدى اتباع الديانة الايزيدية بقضاء شيخان، وبعد اداء عدد من المناسك الدينية الخاصة، اعلنوا اعتناق الديانة الايزيديية بصورة رسمية.
"الحمدلله تمكنت من العودة الى الديانة الايزيدية، وافتخر بديانة ابائي واجدادي، ولن اتركها لطالما بقيت على قيد الحياة"، مازن قال ذلك.
بعد سيطرة داعش على قضاء سنجار في اب 2014، واختطاف الاف الاشخاص، بدأ داعش ضغوطاته على الايزيديين لتغيير دينهم واعتناق الاسلام، واستغلوا الاطفال بصورة اكثر وشجعوهم على محاربة ديانتهم الاصلية.
اغلب الاطفال الناجون، قضوا فترة طفولتهم عند داعش، واعتنقوا الاسلام ولايعرفون شيئا عن الديانة الايزيدية بسبب صغر سنهم انذاك، كما ونسوا لغتهم الام ويتكلمون الان باللغة العربية او التركمانية.
الشيخ فاخر خلف، رجل دين ايزيدي قال لـ (كركوك ناو) "تمكنا من اعادة 95 طفلا تحرروا من داعش الى ديانتهم الاصلية"، هذا الرجل يدخل المخيمات ويدرس الاطفال مبادئ الديانة الايزيدية لاكثر من ساعتين وبصورة تطوعية.
هؤلاء الاطفال سوف يكبرون بعد سنوات وان لم نعلمهم الديانة الايزيدية من الصعب جدا تعليمهم عندما يكبرون".
"عملي هذا واجب ديني واستمر عليه، في حال لم نقم بدورنا من سيعلم هؤلاء الاطفال ديانتهم؟ هؤلاء الاطفال سوف يكبرون بعد سنوات وان لم نعلمهم الديانة الايزيدية من الصعب جدا تعليمهم عندما يكبرون".
ويضيف الشيخ فاخر بأن تعليم هؤلاء الاطفال الديانة الايزيدية صعبا للغاية، كونهم نسوا لغتهم الام، ويتحدثون باللغة العربية او التركمانية، الا اننا لن نستسلم ومستمرون بتعليهم ديانة اجدادهم.
تعرض الايزيديون بعد سيطرة داعش على سنجار في اب 2014، الى حملات القتل الجماعي والتهجير واختطف اكثر من 6 الاف منهم من قبل مسلحي التنظيم.
المشرف على مدرسة كاني سبي، الشيخ حسن علي كوبو قال لـ (كركوك ناو) "منذ عام 2014 والى هذه اللحظة تمكنا من اعادة 300 طفل ناجي من قبضة داعش الى الديانة الايزيدية".
تأسست مدرسة كاني سبي عام 2014 من دون حصولهم على الدعم المادي من الحكومة وبالتنسيق مع المجلس الروحاني الايزيدي.
"تعليم الاطفال الناجون صعبا للغاية، بسبب التأثيرات التي تركها داعش في نفوسهم وتعليمهم الافكار المتطرفة والقتل، بعض الطلاب يسموننا بالكفار.. ويعتقدون بأن الدين الاسلامي فقط هو الدين الصحيح"، وبحسب الشيخ حسن، من خلال المعلمين المختصين يعلمون هؤلاء الاطفال مرة اخرى ديانة اجدادهم.
الاطفال الناجون بعد تحريرهم من قبضة داعش، يتم اخذهم الى معبد لالش ومن ثم يسجلون في المدرسة ويستلمون ملابس خاصة بالايزيديين ومن ثم يتلقون الدروس الدينية.
افتى المجلس الروحاني الايزيدي في اخر اجتماع له على قبول جميع الناجين والناجيات من قبضة داعش، مع اطفالهن، بعدما كان ذلك محلا للتساوؤلات في الاونة الاخيرة.
وجاء هذا الفتوى عقب قيام ثلاثة ناشطين اجانبين والمدافعين عن حقوق الانسان بنشر بيان الى الرأي العام ورئاسة الجمهورية العراقية مع المجتمع الدولي وطالبوا بتقديم مساعدات عاجلة للناجين الايزيديين من قبضة داعش، وخصوصا الناجيات اللاتي انجبن اطفالا من مسلحي التنظيم ويواجهن صعوبات عديدة بسبب عدم استقبالهن من قبل ذويهن، كما وطالبوا باصدار فتوى لقبول جميع الناجيات دون استثناء.