ان دلّت الانفجارات الدموية الأخيرة في مدينة كركوك، فإنما تدل على انتهاج سياسة عراقية مُحمّلة بالمسامير المزروعة في طريق الدخول اليها؛ وهي طريق الخروج منها بطبيعة الحال. من يعيش في كركوك، أي من لا يدخلها صباحاً ويتركها مساءً كما يفعل سياسيون متبضعون في أسواق الاستجداء المحلية والاقليمية، لا يبغي سوى التبضع على أرصفة كركوك الشعبية والعودة الى عتبة البيت سالماً.
تبدو السياسة العراقية تجاه كركوك، وفي هذه الأيام تحديداً حيث عيد الفطر على الأبواب، -وأي عيد يليق بأهل العراق المصغر- كصورة احتضار حصان مُحمَّل بأعباء صاحبه الذي لا يعرف اتجاهاته البته. ولحصان كركوك مُلاَّك سياسيون كثير، مُلاَّك في الداخل، ومُلاَّك خارج "الحدود الوطنية". أما مَن يُصَبِّح ويُمَسّي في المدينة فيفكر بمسامير مزروعة حتى في هدايا العيد، وعلى الطرق المؤدية الى ابتسامات الأطفال بطبيعة الحال.
لقد أثبتت السياسة العراقية فشلها تجاه المدينة إذ وضعت جميع ملفاتها والحلول المقترحة في أدراج النسيان وتركتها ككُوّة متروكة لجماعات إسلامو-بعثية، المادة 140 نموذجاً. وهي، أي كركوك، وزة تبيض ذهباً لموازنة الحكومة، انما وزة تُترَك في العراء لتعيش على الفتات. يُكرر السياسيون العراقيون باستمرار، والساسة المحليون في المدينة بطبيعة الحال، بأن كركوك أقوى من الارهاب، انها عراق مصغر... الخ من الشعارات، انما واقع المدينة يقول غير ذلك، وفيها ما يمكن وصفه بـ "عتمة النهار"، وإلاّ كيف كيف يستطيع الارهاب الوصول الى قلب المدنية في وضح النهار، من يتحمل المسؤولية، من يطفأ الحرائق في حقول القمح ويكشف عن هوية مُشعليها، ما هي الحلول؟ انها اسئلة لا تستطيع الحكومة العراقية الإجابة عليها.
من جانب آخر أثبت الساسة الكُرد فشلهم أيضاً فيما خص إدارة كركوك اذ حولوها الى ساحة للهيمنة الحزبية، ناهيك بالصراع على تقاسم البيضة الذهبية ذاتها، بينما بقي توفير الخدمات وتنمية المدينة واصلاح بنيتها التحتية في الجانب الخلفي من قائمة الاهتمامات. وكانت آخر ابداعات الساسة الكُرد، عقد اجتماع مجلس محافظة كركوك في أربيل أو فرض محافظ عليها لا تربطه بواقع المحافظة صلة. وهم بذلك وضعوا المدينة في موقع "النكرة".
يكمن جزء من آخر معضلة كركوك، في مرآتها المحلية المُغبّرة، تبدو فيها السياسة كعربة لا تشير حركة عجلاتها الى اتجاه واحد. ليس لدى نخبة المدينة السياسية ما تقوله سوى الكلمات القادمة من خارج كركوك. تالياً، لا يجرأ أحد على قول الحقيقة، حقيقة اجراء انتخابات محلية مثلاً، أو اجراء تعداد سكاني، أو الكشف عما حصل للمدينة في العقود الماضية وطرح مصارحة ومصالحة شاملتين على طاولة كركوكية، نعم طاولة كركوكية وليست غيرها
صفوة القول، حان الوقت كي يطالب الكركوكيون بوضع حلول لمدينتهم ومحافظتهم بأنفسهم وابعاد الإملاءات المفروضة عليهم، والاّ تزداد الحلقة ضعفاً، وتكثر فيها الكُوَّات النهارية العتمة