العام ٢٠١٩ قارب على الانتهاء ولغاية اليوم لم تحصل نينوى على ميزانيتها المالية من تنمية الأقاليم والتي حددت بـ (550) مليار دينار، وكان من المفترض مناقشتها وإقرارها في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، الا ان مناقشتها لم تبدأ الا في نهاية شهر حزيران – يونيو الماضي، لاسباب إدارية وسياسية.
من يدفع فاتورة التأخير في إقرار الموازنة هو المواطن وعلى الصعيدين الخاص والعام، فاغلب المشاريع الحيوية لم يبدأ العمل بها او قيد التنفيذ اما ملف التعويضات فيشهد بطء في تسيير وإنجاز معاملات المتقدمين، ما القى بضلاله السلبية على عودة الحياة بشكلها الطبيعي الى أجزاء واسعة من محافظة نينوى.
باختصار كل شي معطل
"ما الذي حصلت عليه الموصل من موازنة ٢٠١٧ و ٢٠١٨ حتى يتأملوا السكان او يطالبوا بإقرار الموازنة لعام ٢٠١٩، لم يحصلوا على أي شيء الأنقاض ماتزال في الازقة ورائحة الموت في كل مكان والمشافي معطلة والجسور كذلك… باختصار كل شي معطل” يقول ذلك الرجل السبعيني أبو ذنون.
وتضرر منزل هذا الرجل السبعيني بسبب الاشتباكات وهو شبه مهدم وذات واجهة محطمة جزئيا والباب المثقب بفعل الرصاص وأجزاء المقذوفات النارية من معركة التحرير، في منطقة السرجخانة وسط الموصل.
يتحدث أبو ذنون (لكركوك ناو)، عدت الى منزلي الذي ولدت فيه وهو متضرر بنسبة ٦٥٪ بالمائة حسبما ابلغتني احدى المنظمات الإنسانية التي جاءت وكشفت على المنزل لاعماره قبل سنة لكن لم تنفذ ما وعدت به كما فعلت جهات حكومية عدة.
ليس انا وعائلتي فقط نعيش بين الأنقاض انما هناك الاف العائلات الأخرى تفعل ذلك، فمناطق الميدان والشهوان والقليعات وسط الموصل حالها اسوء، والخدمات معدومة وحتى الساحل الايسر الذي يتباهى الجميع بعودة الحياة اليه، فانه يفتقر الى الخدمات وهو قائم على المقاهي المضيئة"، هذا ماقاله المواطن ابو ذنون.
الحقت معارك استعادة مدينة الموصل، اضرار جسيمة بالمدينة وخصوصا الجانب الايمن منها، واعتبر مجلس النواب العراقي محافظة نينوى بالمنكوبة.
أسباب تأخر مناقشة الموازنة
أسباب تأخر وصول الموازنة إلى مجلس المحافظة لهذا العام، يرجع الى الأحداث التي مرت بالمدينة أبرزها حادثة العبارة وما تبعها من تغييرات إدارية فيها، فيما أكد شمول موازنة ٢٠١٩ لـ ٢٦٥ مشروعا خدميا، بحسب ما يقوله رئيس مجلس محافظة نينوى سيدو جتو السنجاري.
بحسب القوانين المعمولة في العراق، على مجالس المحافظات غير المرتبطة بأقليم مناقشة الميزانية المحافظات والمصادقة عليها في الاشهر الاولى من كل عام.
يقول السنجاري في حديث صحافي خاص بـ (كركوك ناو)، ان" موازنة نينوى تتألف من جزئين هما (أ) و (ب)، وان" مبالغ الجزء (أ) من موازنة نينوى، وزعت ٥٠٪ بالمائة على المشاريع المستمرة وعددها ٦٤ مشروعا، في حين خصصت٥٠٪ بالمائة منها على المشاريع الجديدة وعددها ١٥٦ مشروعا".
كما وخصصت في الجزء (أ) من موازنة نينوى، مبالغ مالية لدعم خطة استراتيجية مكافحة الفقر بواقع ٢٤ مشروعا، البترودولار ١١ مشروعا و١٠٠ مشروع لدعم الاستقرار.
وأضاف رئيس مجلس نينوى ان" المشاريع تغطي جميع الوحدات الإدارية وهناك أولوية لمشاريع القطاع الصحي، وثم مشاريع التعليم، الماء، الكهرباء والبنى التحتية الأخرى".
الا ان مجلس محافظة نينوى، أخفق في التصويت على الفقرة (ب) من موزانة عام 2019 والتي كانت مخصصة لمشاريع الطوارئ.
تأجيل التصويت على الفقرة (ب)
خلافات بين كتل مجلس محافظة نينوى على خلفية المشاريع المدرجة في الفقرة (ب) والية توزيعها على الوحدات الادارية، ادى الى تأجيل التصويت عليها.
عضو مجلس محافظة نينوى، عايد اللويزي، يرى ان تأجيل التصويت على الفقرة (ب) بموازنة المحافظة لعام 2019، يعود الى اعتراض بعض الأعضاء على المشاريع المدرجة بهذه الفقرة والتي يعدونها غير ملائمة في الوقت الحالي.
ويقول اللويزي في حديث لـ (كركوك ناو)، ان" اتباع اسلوب المعارضة من قبل بعض أعضاء المجلس إثر على إقرار الموازنة...ويجب ان تكون المعارضة تقويمية وتعمل على تشخيص الثغرات وليس فقط الانسحاب والاخلال بالنصاب العام".
وعلى الرغم من الخلافات بين اعضاء مجلس المحافظة، صادق المجلس في شهر تموز الماضي وبجلسة اعتيادية وبحضور ٣٢ عضو من أصل ٣٩ عضوا على جزء من موازنة عام 2019.
وبدوره قال عضو مجلس المحافظة علي خضير والمنضم الى جبهة المعارضة في تصريح لـ (كركوك ناو)، ان هناك علامات استفهام عدة حول الموازنة المالية لعام 2019 مشيرا الى ان "خصص مبالغ لشراء سيارات ومبالغ لإعمار الجوامع وكان من الضروري تخصيص المبالغ للمشاريع الأكثر أهمية لحياة المواطنين".
الموصل تعرضت الى ظلم كبير جدا من قبل السياسيين
الاحياء بين الانقاض
"المدينة غير صالحة للعيش" هكذا وصفت المواطنة علا حميد (36 عاما) واقع حال مدينة الموصل.
ومن اهم المشاكل التي يعاني منها المواطنين، إهمال الشباب وعدم منحهم فرص العمل واهمال احتياجات الارامل، الايتام، المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة.
"مشكلتنا ليس في المبلغ المرصود لنينوى كميزانية مشكلتنا سيطرة الفاسدون على تلك الميزانية" يقول المواطن عبد اللطيف نجيب (60 عاما) في حديث مع (كركوك ناو).
"الموصل تعرضت الى ظلم كبير جدا من قبل السياسيين... فلو كانت الميزانية قد صرفت بشكل صحيح لشهدنا على الأقل اعمار الجسور او المجمع الطبي في الساحل الأيمن او غيرها من المشاريع الهامة".
الجسور الرئيسية الخمسة التي تربط جانبي الموصل ببعضها البعض، تضررت جراء العمليات العسكرية، واعيد اعمار البعض منها بصورة ترقيعية.
لابد من زيادة حصة نينوى من الموازنة الى معدل يسمح بالأعمار الشامل
احتياجات نينوى المالية
نينوى بحاجة الى مبلغ مالي قدره 4 تريليون دينار لإعادة المشاريع الحيوية والأساسية في مركز الموصل والأقضية والنواحي وبالتالي تمكين النازحين من العودة، بحسب تقديرات الخبير الاقتصادي الدكتور سيف العاني.
وقال العاني في حديث لـ (كركوك ناو)، انه" لابد من زيادة حصة نينوى من الموازنة الى معدل يسمح بالأعمار الشامل فلا يمكن مقارنة الموصل بكربلاء على سبيل المثال، فالأولى لا تمتلك جسورا ومشافيا ومدارسا وسياحة وتجارة واقتصادا جراء الحرب ويجب مراعاة ذلك من قبل بغداد".
وتعتبر نينوى ثاني اكبر محافظات العراق وتبلغ مساحتها أكثر من 39 ألف كيلو متر مربع بواقع 33 وحدة ادارية، تقدر عدد سكانها بقرابة اربعة ملايين شخصا، شهدت اشتباكات وصراعات عسكرية لاكثر من ثلاثة اعوام بسبب سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) عليها.
رئيس لجنة التخطيط الاستراتيجي في مجلس محافظة نينوى خلف الحديدي قال لـ (كركوك ناو) ان "المبالغ المخصصة من تنمية الأقاليم لن تسهم في معالجة المشاكل التي تعاني منها، لاسيما فيما يتعلق بالمشاريع الخدمية وانعدام البنى التحتية والتي بلغ نسب الضرر بها نحو 80%".".
وقدرت ادارة محافظة نينوى، على لسان محافظها منصور المرعيد ان نينوى الى خمسة مليارات دولار لإعادة اعمارها من الاضرار التي لحقت بها جراء الحرب، وإعادة النازحين الى مناطقهم.
ويوجد اكثر من 700 الف نازح بمخيمات النزوح في محافظات اقليم كوردستان اغلبهم من اهالي محافظة نينوى، بحسب اخر احصائية لمركز تنسيق العمليات المشتركة بأقليم كوردستان.
عانت نينوى لاكثر من ثلاثة اعوام من ويلات الحرب ونزوح سكانها، وبعد اكثر من عامين على استعادتها من قبل الحكومة العراقية، الا ان الوضع لم يرجع بعد الى طبيعتها والمواطنين يدفعون ثمن خلافات السياسيين وعدم اتفاقهم على تمرير الموازنة التي تعتبر الشريان الرئيسي لتنفيذ المشاريع الخدمية.