تجلس في مجلس عزاء ابنها الصغير وتبكي بحرقة على فقدانه في البحر، حاولت كثيرا ان تُقنعه بعدم التفكير بالهجرة الى اوروبا، الا ان جميع محاولاتها باءت بالفشل، ورحل ابنها واختفى أثره في البحر وامواجه العاتية.
بعد اسبوع من حادثة غرق القارب الذي كان يحمل 50 مهاجرا باتجاه ايطاليا في البحر وكان من ضمنهم الابن الاصغر لـ (نجيبة محمد) والذي لم يُعثر على جثته بعد.
"اللهم لا تصب احدا بما اصبتنا به"، نجيبة محمد قالت ذلك، عندما تحدثت لـ (كركوك ناو) عن ولدها في اليوم الثاني بمجلس عزائه.
يقع منزل نجيبة في منطقة كوردستان (الفيلق) سابقا بمدينة كركوك، وأقاموا مجلس عزاء ابنهم بالقرب من منزلهم من دون ان يعثروا على جثته ويوارونه الثرى بمدينهم.
أسو علي كاكل (25 عاما) احد ضحايا القارب الذي غرق قبالة سواحل باكسوس اليونانية عندما حاول احد المهربين التوجه به الى ايطاليا.
غُرق القارب يوم 11 كانون الثاني 2020، وبحسب احصائيات مؤسسة لوتكة لشؤون النازحين والمهاجرين كان أكثر من 50 شخصا على متن القارب، غرق أكثر من 30 منهم بينهم 23 عراقيا ومن ضمنهم مواطنا واحد من كركوك.
ونجى ثلاثة اشخاص من القومية الكوردية كانوا على متن القارب، كما وعثرث الشرطة اليونانية على خمسة جثث فقط، وأعلن عن فقدان جميع من كانوا على القارب ومن ضمنهم أسو كاكل في البحر.
وتقول والدة اسو بأن ابنها كان يخطط للهجرة الى اوروبا منذ فترة طويلة، الا ان دراسته كانت عائقا امامه، وبعدما أنهى دراسته الجامعية، حاول مرة اخرى الهجرة الى اوروبا وبواسطة مهرب.
وكان يقول باستمرار، يجب ان اتعلم السباحة من الممكن ان تفيدني في يوم من الأيام
"كان يذهب مع اصدقائه عدة مرات في الاسبوع لتعلم السباحة، وكان يقول باستمرار، يجب علي تعلم السباحة من الممكن ان تفيدني في يوم من الايام"، كما وطالبت نجيبة ابنه يدخل حياة الزوجية والتقدم لخطبة اية فتاة يرغب بها وذلك بهدف حثه على نسيان الهجرة الى اوروبا.
"لم يوافق على طلبي وأجاب انني اعمل يوميا مقابل 10 الاف دينار، كيف استطيع تحمل مصاريف الزواج؟، لا اريد ان اورط شخصا اخر معي"، نجيبة محمد قالت ذلك.
جميع المواطنين العراقيين الذين يفكرون بالهجرة الى اوروبا، يسافرون الى تركيا وبعد الاتفاق مع المهربين هناك، ومن خلال وسائل نقل عدة يحاولون العبور الى البلدان الاوروبية وخصوصا الى اليونان.
ويعتبر البحر من أخطر وأصعب طرق الهجرة الى الدول الاوروبية واكثره صعوبة للمهاجرين غير الشرعين غالبا من تنتهي الرحلة بكوارث يدفع المهاجر حياته ثمنا للوصول الى تلك البلدان.
القارب الذي كان يحمل اسو و52 شخصا اخر، كان طوله سبعة أمتار فقط وكانت قمرة القيادة تتوسط بداخله.
توجه القارب في الساعة 2 فجرا من اليونان باتجاه ايطاليا، وبعد مرور خمس ساعات على انطلاقه، تسربت المياه الى داخله وتوقف عمل محركه فورا، بحسب ما ذكره أحد الناجين من القارب ويدعى كوسرت جلال في حديث مع موقع (پشتی نیوز) الذي تحدث عن تفاصيل غرق القارب.
ويقول هذا الشاب، مع توقف محرك القارب حمل هاتفه واتصل مباشرة بخفر السواحل، ولكن بسبب ابتعادهم من الساحل لم تصل قوات خفر السواحل إليهم في الوقت المحدد وغرق القارب بحدود نصف ساعة فقط.
وأشار جلال الى ان عدد من الاشخاص وبعد بقائهم لمدة أكثر من ساعتين داخل المياه والسباحة تم انقاذهم من قبل قوات خفر السواحل.
كان أسو يعمل في محل للمأكوت السريعة بمدينة كركوك مقابل 10 ألف دينار يوميا
كان الطقس باردا جدا اثناء الحادث، ويعتقد بأن عدد من الاشخاص الذين كانوا على متن القارب ويعرفون السباحة مثل الشاب اسو علي كاكل، قضوا غرقا بسبب برودة المياه.
بعد تخرجه من قسم الجغرافية في كلية التربية، حاول أسو ان يتعين على ملاك وزارة التربية الا انه لم يحصل على شيء، واجبرته الظروف على العمل برفقة والده وثلاثة من اخوانه في محل للمأكولات السريعة في الحي الصناعي بكركوك.
"كان عمل اسو في المحل عبارة عن اعداد الزلاطة مقابل 10 الف دينار يوميا"، بختيار علي كاكل، شقيق أسو قال ذلك لـ (كركوك ناو) ولم يستطيع اكمال حديثه بسبب حزنه وبكائه على غرق شقيقه.
في شهر اب 2019، غادر اسو العراق الى تركيا، واتفق مع احد المهربين بهدف ايصاله الى اليونان مقابل 3500 دولار امريكي، وبعد وصوله اليونان وبقائه قيد الاحتجاز لمدة 45 يوما، تم ادخاله مخيما للمهاجرين غير الشرعيين.
وبعد بقائه لأشهر في اليونان، حاول اسو مرات عديدة وبطرق مختلفة الوصول الى ايطاليا عن الطريق البحر، الى ان اتفق مع مهرب لإيصالهم الى ايطاليا.
"في الساعة 11:07 من يوم الجمعة 10 كانون الثاني، ارسل أسو رسالة وكتب فيها بانه يذهب الى ايطاليا بواسطة قارب، وارسلت له رسالة اخرى الا انه لم يتلقي الرسالة ولم يرد عليها"، اراس علي كاكل قال ذلك.
قبل الحادث بيوم، وفي 12 كانون الثاني، اتصل أحد اصدقاء اسو بشقيقه "اراس" وأخبره بان القارب الذي كان اسو على متنه غُرق في البحر.
"اتصلنا بالمهرب والشخص الذي وضعنا المبلغ بحوزته، وأكدوا لنا صحة غرق القارب الا انهم اخبرونا بانهم لا يعلمون من ان كان اسو بداخله ام لا، وبعدما كثفنا اتصالاتنا علمنا بأن اسو كان احد ركاب القارب".
وتمكنت فرق خفر السواحل من العثور على جثث خمسة اشخاص من القومية الكوردية من ضحايا القارب وتسعى مؤسسة لوتكة لشؤون النازحين والمهاجرين اعادة جثامينهم الى اقليم كوردستان.
وفي عام 2019 فقط، غُرق 57 مواطنا عراقيا اثناء محاولتهم الوصول الى الدول الاوروبية عن طريق البحر
مسؤول منظمة لوتكة، أري جلال قال في تصريح لـ (كركوك ناو) "بحسب المعلومات التي حصلنا عليها، اسو علي كاكل كان من بين ضحايا القارب وسُجل في عداد المفقودين في حادث غرق القارب".
كان 23 كورديا داخل القارب ونجى ثلاثة منهم فقط، وغرق جميعهم، الا ان قوات خفر السواحل تمكنت من العثور على جثث خمسة منهم، "نحن الان بصدد اعادة جثمان الضحايا بالتعاون مع لاهور الشيخ جنكي، عضو المكتب القيادي العام للاتحاد الوطني الكوردستاني".
وهاجر أكثر من 53 ألف شخصا الى اوروبا في عام 2019، وغرق 57 مواطنا عراقيا اثناء محاولتهم الوصول البلدان عن طريق البحر وعُثر على جثة 47 شخصا منهم.
آسو وعشرات الشباب الاخرين الذين سلكوا طريق الوصول الى اوروبا، لم يتحقق حلمهم في الوصول الى أوروبا ولا أسرهم لديهم فرصة لزيارة قبورهم.
وتقول والدة أسو بحسرة "سأظل دائمًا انتظر عودة أسو وسيكون عيني على الباب على أمل عودته".