قبل أن تتخطى مرحلة سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، وقعت سنجار في خضم صراع بسط السلطة وصراعات مسلحة وسياسية. المشاكل والمعضلات الخفية كثيرة ولكن النتيجة واضحة للعيان، وهي ترك سكان قضاء سنجار يواجهون تلك المعضلات بأنفسهم.
في هذه المدينة التي لا تتعدى مساحتها ثلاثة آلاف كيلومتر مربع، تتقاتل الحكومة الفدرالية للعراق وحكومة اقليم كوردستان لبسط نفوذها فيها، ثلاثة ادارات محلية تريد مسك زمام الحكم في المنطقة فيما تحاول أكثر من خمسة قوى مسلحة السيطرة على سنجار.
بعد مضي أربع سنوات بعد على زوال سيطرة داعش، برز على السطح ظاهرة تعدد السلطات الادارية والعسكرية في بعض مناطق قضاء سنجار، تاركة تأثيرات مباشرة على حياة الناس هناك.
"أردت أن أصحب معي أربعة أغنام من سنجار الى تلعفر لكي أبيعها، اوقفوني في نقطة تفتيش تابعة للحشد الشعبي وأخذوا مني مبلغ 25 ألف دينار بدون ايصال استلام رسمية" يقول مجو عفدو.
عفدو، وهو أحد المتضررين من حرب داعش، يعيش في احدى مخيمات النازحين بسنجار. لم تكن تلك المرة الأولى التي يوقفونه فيها في نقطة تفتيش غير رسمية، حيث كانوا يعترضون طريقه اما للمساءلة أو لمطالبته بدفع أتاوة.
بحسب متابعات (كركوك ناو)، تتواجد أكثر من خمسة قوى مسلحة في سنجار من ضمنها الحشد الشعبي، وحدات حماية سنجار، الشرطة المحلية، الجيش العراقي وبيشمركة ايزيدخان.
خال علي، آمر الفوج الثامن لقوات الحشد الشعبي في سنجار تحدث لـ(كركوك ناو) "معظم نقاط التفتيش تدار بصورة مشتركة مع الجيش والشرطة المحلية وذلك حسب الحاجة، وعددها ليس كثيرا."
"سابقا كانت تؤخذ أتاوات من الأهالي في بعض نقاط السيطرة والتفتيش، هؤلاء كانوا أناسا عاديين وليس ضمن جهة مسلحة رسمية، ولكننا وضعنا حدا لذلك الأمر" حسبما قال المسؤول في الحشد الشعبي والذي أشار الى أن تواجدهم في المنطقة هو لطمأنة الأهالي واستتباب الأمن.
على النقيض، تشير احصائيات قامت بها حكومة اقليم كوردستان الى وجود الآلاف من أهالي سنجار النازحين في مخيمات خارج القضاء وفي مدن اقليم كوردستان بسبب تداعيات الحرب ضد تنظيم داعش وتدهور الوضع الأمني اضافة الى تعدد القوى المتواجدة في سنجار.
"القوى المسلحة تخلق العديد من المشاكل للأهالي، لذا لم أفكر بالعودة حتى الآن" هذا ما قاله كاظم بكر لـ(كركوك ناو) والذي نزح من سنجار منذ خمس سنوات.
القوى المسلحة تخلق العديد من المشاكل للأهالي، لذا لم أفكر بالعودة حتى الآن
كاظم كان قد تعرض ايضا للمساءلة في نقاط التفتيش الغير رسمية حينما كان متوجها الى سنجار، "أخذوا منا عشرة آلاف دينار مقابل كل رأس غنم، وفرضوا نفس مقدار الاتاوة على باقي الأشياء"، المبلغ الذي استوفي من كاظم لم يسجل في أي سجل ولم يعطوه ايصالات استلام للمبلغ.
قضاء سنجار، 120 كيلومتر غرب مدينة الموصل، تابعة لمحافظة نينوى اداريا، وهي أحد المناطق المتنازع عليها بين الحكومة الفدرالية في العراق وحكومة اقليم كوردستان.
حكومة اقليم كوردستان عبرت عن رغبتها في تحويل سنجار الى محافظة، فيما تتعالى أصوات داخل القضاء تطالب بانشاء اقليم مستقل، ويطالب البعض بالبقاء ضمن العراق ولكن بسلطات وصلاحيات أوسع.
في أوائل العام 2020، نقل وفد ضم مسؤولي ووجهاء سنجار عددا من المطالب الى محافظ نينوى نجم الجبوري، واقترحوا عليه تحويل قضاء سنجار الى محافظة لا مركزية، تابعة للحكومة المركزية، وذلك لكي يتخلصوا من الصراعات السياسية بين بغداد و أربيل.
فهد حامد، قائممقام قضاء سنجار والذي يداوم داخل القضاء، تحدث الى (كركوك ناو) قائلا "وثائقنا لا تعتمد و لا يعترف بها في أي دائرة حكومية في نينوى، وهذا ما حول سنجار الى ضحية صراعات بغداد وأربيل، أحدهما يشترينا والآخر يبيعنا."
ادارة قضاء سنجار، والذي يترأسها قائممقام سنجار عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني، محما خليل، والذي يسكن في اقليم كوردستان، ترك القضاء عقب احداث 16 اكتوبر 2017، وتشكلت ادارة جديدة في سنجار عام 2018 يترأسها القائممقام الحالي فهد حامد ومجلس مؤقت في مركز القضاء.
محما خليل الذي يتولى مهامه من دهوك، كان قد صرح لـ(كركوك ناو) سابقا حول الأمر وقال "الختم الرسمي لادارة سنجار هو بحوزتنا، الدوائر الحكومية في محافظة نينوى تتعامل معنا بصورة طبيعية."
اضافة لتلك الادارتين، فان الادارة الذاتية الديمقراطية، والتي شكلتها جهات ذات صلة بحزب العمال الكوردستاني (PKK) كمشروع لادارة سنجار، تمتلك أيضا نفوذا داخل قضاء سنجار.
في اطار تلك الادارة، نصب أهالي ناحية القحطانية بأنفسهم مديرا للناحية في 2018.
هيئة ادارة سنجار وهي جزء من الادارة الذاتية أعلنت في بيان عقب اجتماعها الأخير، والذي عقد في شباط 2020، رفضها لاعادة الادارة السابقة للقضاء والمتواجدة حاليا في دهوك.
"نواجه العديد من المشاكل، لتسيير أية معاملة رسمية نضطر للذهاب الى عدة دوائر حكومية في نينوى ودهوك" يقول بركات خيري وهو يستذكر ما مر به حينما أراد استصدار بطاقات الجنسية العراقية لأطفاله.
وفقا لأحصائيات ادارة سنجار، أكثر من نصف الدوائر الحكومية لم تستأنف مهامها لحد الآن في القضاء، وتعزو بعض تلك الدوائر الأمر لاستمرار المخاوف الأمنية.
أكثر من نصف الدوائر الحكومية لم تستأنف مهامها لحد الآن في القضاء
أحد المشاكل الرئيسية في قضاء سنجار تتمثل في قطاع التربية، وذلك نظرا لأن أغلبية المدرسين وموظفي القطاع لم يعودوا لمباشرة مهامهم في المدارس. في العام الدراسي 2019-2020 حال مئات من المحاضرين المتطوعين دون توقف عملية التعليم في القضاء وتولوا المهمة بدلا من الحكومة والادارة المحلية.
حدثت توترات بين القوى المتمركزة في سنجار في أكثر من مناسبة وبلغت التوترات الى درجة الاشتباكات المسلحة والتي غطت (كركوك ناو) أحداثها وتداعياتها من قبل.
هفال قورتاي قائد وحدات حماية سنجار في خانسور متحدثا لـ(كركوك ناو) قال "نحن لا نضايق الأهالي، لم نسمع من قبل بأنه تم جمع اتاوات في نقاط التفتيش، رغم أن البعض اشتكوا وعبّروا عن استيائهم من تصرفات بعض أفراد الجيش العراقي."
ويشير قورتاي الى أن وحدات حماية سنجار لديها نقطتا تفتيش وألمح بأنهم لا يعترضون المارة بل ان الهدف من تلك النقاط هو حماية الطرق في المنطقة.
قضاء سنجار ذات الأغلبية الايزيدية تعرضت لهجوم من قبل تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) في آب 2014، وقتل وخطف الآلاف من الايزيدين علي يد مسلحي التنظيم قبل أن تتم استعادة سنجار في تشرين الثاني 2015.
سليم سعيد، مسؤول قسم الاعلام في هيئة الشؤون الانسانية والتي تشرف على مخيمات النازحين في دهوك قال لـ(كركوك ناو) "بعد أحداث 16 أكتوبر 2017، نزح قرابة ثلاثة آلاف ايزيدي مرة أخرى الى دهوك بسبب تدهور الوضع الأمني في سنجار."
و يؤكد سليم بأن الهيئة قد ألقت الضوء على المشاكل التي تواجه النازحين وسكان سنجار بالأخص في النقاط الأمنية الا أن جهودهم لم تثمر عن شيء.
عقب أحداث 16 اكتوبر 2017 انسحبت القوات التابعة لحكومة اقليم كوردستان و ذلك بعد تدهور العلاقات بين بغداد و أربيل على خلفية استفتاء الاستقلال عن العراق الذي أجرته حكومة الاقليم في 25 أيلول من العام نفسه.
ادريس زوزاني، مسؤول قسم الثقافة و الاعلام لفرع الحزب الديمقراطي الكوردستاني في سنجار أفاد في حديث ل(كركوك ناو) " الاتاوات تؤخذ من المواطنين في عدد من السيطرات و لا يسمح للعوائل بنقل أغراضهم الى مناطق سكناهم الأصلية."
وبحسب زوزاني فان ادارة نينوى قد تم اعلامها بالأمر و هم بصدد بدء التحقيق و وضع حد لهذه الظاهرة.
الى جانب الايزيديين، يقطن العرب السنة في سنجار، و قد حصلت خلافات بين المكونين من قبل و ذلك حينما عبر الايزيديون استياءهم من عودة بعض النازحين العرب الى القضاء متهمين اياهم ب"معاونة داعش" اثناء هجماتهم على المنطقة.
ومن جانب آخر تؤكد قوات الآسايش في سنجار على استتباب الأمن في القضاء و تنكر ما يشاع حول أخذ الاتاوات من المواطنين في بعض نقاط السيطرة و التفتيش.
ويقول خالد قاسم، مدير الآسايش " نقاط السيطرة و التفتيش وضعت فقط لحماية المنطقة و ضمان سلامة أرواح المواطنين الذين يتنقلون بصورة يومية."
و أشار خالد في حديثه ل(كركوك ناو) الى نصب عدد من نقاط التفتيش على الطرق المؤدية الي سنجار و ناحية سنوني و محيطها، بعضها تدار بصورة مشتركة من قبل قوات الحشد الشعبي و وحدات حماية سنجار، فيما تتولى الجهتان كل على حدى مسؤولية قسم آخر من نقاط السيطرة، كما أكد المسؤول الأمني بأن " النازحين الذين ينوون العودة لمناطقهم الأصلية لا يتعرضون لأي مضايقة."
الصراعات السياسية و محاولات بسط النفوذ تركت آثارها عل واقع الحياة في المنطقة و خصوصا على المكون الايزيدي. في العام الماضي انقسم الايزيديون على ثلاث جبهات في قضية تنصيب أمير جديد للايزيديين.
الأحزاب السياسية في سنجار، حالها حال الادارات و القوى المسلحة، ليست على وئام، و كانت تلك الاحزاب قد أعلنت ائتلافا في العام الماضي بهدف تشكيل ادارة جديدة في سنجار و لكن الائتلاف سرعان ما دخل في مطبات و خلافات.
داود جندي، مسؤول مركز تنظيمات سنجار للاتحاد الوطني الكوردستاني تحدث ل(كركوك ناو) حول العقبات الأمنية التي تواجه القضاء من ضمنها مسألة أخذ الاتاوات من المواطنين أثناء عبورهم من بعض نقاط التفتيش.
"كانت الاتاوات تؤخذ من الناس في بعض السيطرات و لكن المشكلة قد تراجعت بنسبة 90%" حسبما قال المسؤول في الاتحاد الوطني الكوردستاني.
أجزاء واسعة من القضاء تعاني من الدمار و معظم سكانها نازحون، و الذين يمثلون نسبة 30% من العدد الاجمالي للنازحين المتواجدين في محافظات اقليم كوردستان و البالغ عددهم 787 ألف شخص وفقا لاحصائيات حكومة اقليم كوردستان.
أهالي سنجار بانتظار العودة للديار و تأمين الخدمات، فيما تستمر الصراعات بين الادارت و القوى المتنفذة في سنجار.