مقبرة النساء أو مقبرة مجهولي الهوية

السليمانية/ كانون الثاني 2020/ مقبرة واقعة شرقي مدينة السليمانية تحتضن قبور ألفي رجل وامرأة مجهولي الهوية تصوير: داستان مارف

داستان مارف

"عافاك الله، انهم يُقتَلون على أيدي أقاربهم وهم الذين يرمون جثثهم فيما بعد، لا أحد يزور قبورهم، كانوا وحيدين في حياتهم وكذلك الحال بعد مماتهم" هذا ما قاله الدفّان رؤوف محمد (45 سنة) واصفا هذه المقبرة التي تدفِن فيها بلدية السليمانية جثث نساء ورجال مجهولي الهوية.

تقع المقبرة في الجزء السفلي من تلة سيوان شرقي مدينة السليمانية وهي تحتضن قرابة ألفي قبر لنساء ورجال لا تُعرف هوياتهم.

من السهل جدا تمييز هذه المقبرة عن المقابر الأخرى الواقعة جوارها، الأسماء التي على شواهد القبور مكتوبة باللون الأحمر، المظهر المبعثر للمقبرة يوحي بأن الذين دُفنوا فيها ينتمون لفئة أخرى في المجتمع، وعلى الأغلب فئة بائسة، الكتابات الموجودة على بعض الشواهد ممثلة بأرقام فقط، وبعضها يشير الى جنس الشخص المدفون.

مقبرة مجهولي الهوية في السليمانية وأربيل تحتضن الكثير من أسرار رجال ونساء دفنوا فيها بعيدا عن أعين أهاليهم وأقاربهم.

رؤوف محمد، الذي يعمل كدَفّان منذ 45 سنة يقول "مقبرة مجهولي الهوية تشمل قبورا لنساء، رجال، أطفال وشيوخ ولكن غالبية المدفونين هنا هم رجال، الجثث تُجلب هنا من قبل البلدية ولكن بعد مضي شهرين على ابقائها عندهم"، وأضاف "اذا لم يتم ايجاد أشخاص ذو صلة بالضحية يأتون بالجثة لدفنها هنا."

goribekasa-1

السليمانية/ كانون الثاني 2020/ في هذه المقبرة يُدفن أشخاص رميت جثثهم بعد أن قتلوا ولم يطالب ذووهم بها   تصوير: داستان مارف

عثمان، حفار القبور، قضى الاثنا عشر عاما الماضية وهو يحفر قبورا للموتى من مجهولي الهوية والذين قادهم مصيرهم لهذه المقبرة، يقول عثمان "في كل عام تُدفَنُ هنا جثث عدد من النساء المقتولات. في عم 2019 دَفَنتُ هنا جثة امرأة من شرق كوردستان والتي وجدوا جثتها مرمية في منطقة شاربازير، كان عمرها 30 سنة وقد حُفِظَت جثتها في دائرة الطب العدلي لمدة شهرين دون أن يطالب بها أحد من ذويها، ودون أن يتبين سبب مقتلها.

وأشار عثمان الى ان عدد النساء اللواتي يتعرضن للقتل ولا يُسأَلُ عنهن بعد قائلا "في بعض الأعوام كنت أدفن في هذه المقبرة عشرة جثث لنساء مقتولات، وبعد دفنهن لم يزر احد قبورهن."

في بعض الأعوام كنت أدفن في هذه المقبرة عشرة جثث لنساء مقتولات، وبعد دفنهن لم يزر احد قبورهن

تمثل هذه المقبرة منزلهم الأخير الذي لا يزورهم فيها أحد، يقول عثمان "طوال تلك السنين صادفت شخصا واحدا أتى لزيارة هذه المقبرة وكان شابا من قضاء كلار، كان ينوي نقل جثة فتاة مدفونة هنا يشاع أنها كانت حبيبته وقد قُتلت من قبل ذويها، ولكن لم يسمحوا له بنقل جثة الفتاة الى كلار."

تشير احصائيات المديرية العامة للشرطة في اقليم كوردستان بأن خمسين امرأة تعرضن للقتل في عام 2019، ثمانية عشر منهن في محافظة أربيل، اثنا عشر في محافظة السليمانية، فيما سُجِّلت اثنتان في كل من حلبجة وكرميان.

ووفقا لدائرة الطب العدلي في السليمانية، تم دفن جثتين مجهولتي الهوية في تلك المقبرة تعودان لرجلين، وهذا دليل على حقيقة ان الذين يتم دفنهم في تلك المقبرة ليسوا نساء فقط.

يقول الدكتور برزان محمد علي وهو طبيب مختص في الطب العدلي بأن جثث هؤلاء الاشخاص تُجلب من قبل جهات التحقيق والتي تشمل الشرطة وقوات الأمن ( الآسايش).

وأضاف "الشرطة التابعة للمنطقة التي حدثت فيها جريمة القتل تحصل على أمر من المحكمة وتُملأ استمارة خاصة بالضحية تسمى استمارة التشريح والدعوى والتي يتم احضارها مع الجثة، اذا كانت الجثة مجهولة الهوية، فسنحاول تحديد هويتها قبل كل شيء."

تقوم فرق الكشف عن الجريمة بتصوير جثة الضحية ويقومون بتسجيل كل المعلومات الضرورية في استمارة خاصة، مثل لون الملابس والأشياء الموجودة في جيوب ملابس الضحية.

"تُجلب الجثة الى هنا وتسلم للشرطة مع استمارة خاصة.. بعد ذلك تبدأ الاجراءات المتعلقة بالتعرف على الجثة بصورة علمية وتسجل جميع المعلومات الخاصة بالجثة مثل لون الشعر، لون العين، لون البشرة والعلامات الفارقة اضافة الى اجراء تشريح للجثة لمعرفة سبب الوفاة"، وذلك حسبما أفاد به الدكتور برزان.

بموجب القانون تُحفظ الجثة في برادات دائرة الطب العدلي لمدة شهرين، خلال تلك المدة تُكَمَّل بعض الاجراءات الادارية، ويُنشر اعلان عن العثور على الجثة المجهولة المتواجدة في دائرة الطب العدلي.

ويتابع الدكتور برزان قائلا "بعد تلك الاجراءات اذا تقدم ذووا الضحية وأثبتوا حسب القانون بأنهم ذو صلة بها فسوف يتم تسليمهم الجثة."

اذا لم يطالب أحد بالجثة في غضون شهرين تقوم دائرة البلدية بالشروع باجراءات الدفن بناءاً على قرار قاضي التحقيق

اذا لم يطالب أحد بالجثة في غضون شهرين يتم ابلاغ قاضي التحقيق عن انتهاء المدة القانونية المخصصة لحفظ الجثة مجهولة الهوية، ثم تقوم دائرة البلدية بالشروع باجراءات الدفن بناءاً على قرار قاضي التحقيق.

تقوم بلدية السليمانية بتحديد موقع دفن الجثة بينما يتولى المتعهدون عملية غسل وتكفين ودفن الجثة.

تُخصص لكل جثة مجهولة الهوية رقم خاص لكي يتم اعادة فتح التحقيق حين الحاجة.

وتشير الاحصائيات الى مقتل 46 امرأة في اقليم كوردستان خلال 2018، فيما كانت الحالات المسجلة في العام الذي سبقه أكثر حيث بلغت 50 حالة، حسبما أعلنته مديرية مناهضة العنف ضد المرأة في الاقليم.

gorr-1

السليمانية/ كانون الثاني 2020/ شواهد القبور في مقبرة مجهولي الهوية مُعَلَّمة بأرقام خاصة تمكن الجهات المختصة من التعرف عليها في حال اعادة التحقيق في القضية   تصوير: داستان مارف

 وتقول الناشطة المدنية شهلاء حسين "قتل النساء واختفائهن أوشكت على أن تصبح ظاهرة. الى جانب الاعداد الكبيرة التي تُنشر في الاعلام هناك أعداد أخرى تَوارى عن الاعلام وتدخل في طي الكتمان."

وتضيف شهلاء "لا توجد اية احصائية في الاقليم بامكانها تحديد حجم تلك الظاهرة."

"لكي نستطيع تقليل هذا الموت المؤلم للنساء يجب أن نركز جهودنا على توعية الأفراد ونواجه ظاهرة التمييز على اساس الجنس، وهذا الأمر يبدأ من طريقة تربيتنا للأطفال، يجب أن نعمل على زرع بذور المساواة في نفوس الأطفال"

روند صابر: المدير الاعلام والعلاقات في المديرية العامة لمناهضة العنف ضد المرأة في اقليم كوردستان يقول "كل أحصائية تخبر بأن النساء ضحايا في المجتمع، ولكن الشيء المفرح هو أن عدد الشكاوى المسجلة في تزايد، وهذا مؤشر على أن المجتمع الكوردي والنساء بصورة خاصة قد أصبحوا واعين حول كيفية نيل حقوقهم عن طريق تسجيل الشكاوى."

  "رأينا أن عدد الشكاوى التي تُقدم من قبل النساء قد ازداد بعد فتحنا للخط الساخن 119، من هنا نطلب من النساء أن يلجؤوا لمديريات مناهضة العنف ضد المرأة وتسجيل شكاواهم هناك عِوَضَ لجوئهم للانتحار، لكي نتمكن من مساعدتهم لأخذ حقوقهم عن طريق القانون" يقول روند.

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT