"لا يوجد أي مرشح لساحات التظاهرات لمنصب رئيس مجلس الوزراء، المتظاهرون حددوا صفاته فقط" هذا ما قاله إيهاب حسن أحد المتظاهرين، وأضاف "ثورة تشرين منذ انطلاقها هدفها اصلاح العملية السياسية والضغط لتحسين الظروف المعيشية للمواطن".
"الأحزاب تحاول إعادة تدوير نفس الوجوه وتفرض هيمنتها على مفاصل الدولة، دون الاخذ بنظر الاعتبار مطالب الشعب والمتظاهرين السلميين"، هذا ما لخص حسن لـ(كركوك ناو) به السجال الدائر بين صفوف السياسيين لاختيار رئيسا لمجلس الوزراء.
و"ثورة تشرين" مصطلح يستخدمه المتظاهرين لوصف التظاهرات التي شهدتها بغداد وعدد من المحافظات أطلقها الشباب في الأول منذ تشرين الأول 2019، وطالبت بمكافحة الفساد المستشري في القطاعات الحكومية وفرص للعمل وتحسين الظروف المعيشية الا انها واجهت موجة من الاعتداءات
اسفرت عن مقتل المئات وجرح الالاف بينهم نساء مما رفع سقف المطاليب الى تغيير النظام السياسي باسره.
في يوم 29 تشرين الثاني 2019، دعا المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني في خطبة صلاة الجمعة، مجلس النواب العراقي (البرلمان) إلى سحب الثقة من الحكومة إثر موجة احتجاجات ضربت البلاد منذ شهرين دون مبالاة من الطبقة السياسية.
وبعد هذه الخطبة بيوم واحد، قدم رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي استقالته رسميا إلى البرلمان.
وعلى الرغم من احتفال المتظاهرين باستقالة الحكومة، الا انهم احتاجوا اكثر من عشرة أيام لاصدار شروطهم لاختيار رئيس الحكومة جديدا.
الشروط السبعة للمتظاهرين
في يوم 11 كانون الاول 2019، اعلن المعتصمون في بيان أذيع من مبنى المطعم التركي في بغداد إنه “بعد صبر وعزيمة استطعنا أن نسقط حكومة القتل بالقنص، اما الان فنحن على أبواب مرحلة جديدة تتطلب منا إيضاح الواضحات. لذا وبعد المشاورة وجدنا من الاهمية أن نحدد مواصفات رئيس الوزراء العراقي الذي سيستلم دفة الحكم في المرحلة القادمة “الانتقالية” الممهدة للانتخابات المبكرة".
وفي البيان حددوا سبعة مواصفات مطلوبة في رئيس مجلس الوزراء القادم كالاتي: "ان يكون مستقلاً وغير منتمياً لأي حزب او تيار ومن غير مزدوجي الجنسية. لم يكن وزيراً او بدرجةِ وزير او برلمانياً او محافظاً. ان يكون نزيهاً وشجاعاً ولم يؤشر عليه أي قضية فساد. ان يكون شاباً ولا يتجاوز عمره الـ ٥٥ سنة".
وتابع البيان في تحديد الصفات المطلوبة "ان يتعهد بعدم الترشح للانتخابات القادمة. ان يكون ملزماً بتنفيذ مطالب الثوار في ساحات الاعتصام. ان يكون قراره عراقياً مستقلاً خالصاً ولا يخضع لضغوط الكتل السياسية او للتدخلات الخارجية."
آيات المرسومي احدى المتظاهرات تقول لـ(كركوك ناو) ان "الشعب هو اعلى سلطة في العراق، ولن يسمح بتمرير رئيسا للوزراء مخالفا لشروطه"، موكدة على الاستمرار بالتظاهر لغاية تحقيق كافة شروط المتظاهرين.
الشعب هو اعلى سلطة في العراق، ولن يسمح بتمرير رئيسا للوزراء مخالفا لشروطه
وحول تنسيق بين ساحات التظاهرات في مختلف انحاء العراق، توضح المرسومي ان المتظاهرين شكلوا لجان تنسيق فيما بينهم في عموم الساحات التظاهر في المدن العراقية المختلفة، يتواصلون عن طريقها ويتم الاتفاق على البيانات التي يصدروها باسم المتظاهرين.
إعادة تدوير الوجوه السياسية السابقة
واستمر الوضع على ما هو عليه، وأصر المتظاهرون على الاستمرار بتظاهراتهم، غير ان الكتل السياسية لم تستمع لصوتهم ورشحت عدة مرشحين يخالفون بصورة واضحة كونهم سياسيين سابقين وكبار في السن وشغل مناصب حكومية سابقة.
السياسيون يحاولون ان يعيدوا "تدوير الوجوه السابقة" وان يلتفوا على مطالب الجماهير، وهذا لا يسمح به المتظاهرين، حسب قول المرسومي.
فقد رشح أسماء مثل القيادي السابق في حزب الدعوة محمد شياع السوداني الذي لم يحضى بدعم الكتل السياسية، والقيادي في الحزب ذاته الوزير قصي السهيل.
السياسيون يحاولون ان يعيدوا تدوير الوجوه السابقة
وفي 21 كانون الأول 2019، دعا السيستاني عبر صلاة الجمعة إلى الاسراع بتشكيل الحكومة الجديدة، ولكنه اشترط أن تكون حكومة "غير جدلية" وان تستجيب لاستحقاقات المرحلة الراهنة، وتتمكن من استعادة هيبة الدولة وتهدئة الأوضاع، وإجراء الانتخابات القادمة في أجواء مطمئنة بعيدة عن التأثيرات الجانبية للمال أو السلاح غير القانوني وعن التدخلات الخارجية".
على اثر ذلك، ونتيجة موقف المرجعية وضغط التظاهرات قدم قصي السهيل، يوم 25 كانون الأول 2019، اعتذاره عن التكليف برئاسة الوزراء، وذلك في كتاب بخط يده.
ثم تم تداول اسم محافظ البصرة السابق الحالي أسعد العيداني لمنصب رئيس الحكومة المقبلة. مما دفع الرئيس العراقي برهم صالح في 26 كانون الأول 2019 اعلان استعداده لوضع استقالته أمام البرلمان لتحفظه على هذا الترشيح المرفوض من قبل التظاهرات.
وقال صالح في رسالة وجهها إلى رئيس البرلمان: "على ضوء الاستحقاقات التي فرضتها حركة الاحتجاج يتحتم النظر إلى المصلحة الوطنية العليا قبل الاعتبارات الشخصية والسياسية".
وأضاف أنه يتعذر عليه تكليف العيداني لرئاسة وتشكيل الحكومة المقبلة، آخذا في الحسبان مسؤولية رئيس الجمهورية تجاه شعبه على حد تعبيره.
وزير الصدر يقدم ثلاثة مرشحين ثم يسحبهم
محمد العراقي المسؤول بالتحدث نيابة عن زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، كتب على صفحته بالفيس بوك يوم 26 كانون الأول 2019، انه بعد البحث والتقصي استطعت الوصول الى نتيجة اجمالية بخصوص مرشح رئاسة الوزراء المرضي اجمالا من الشعب بعد ان يقدم برنامجه وتحدد فترته وتكتب مهامه.
وقدم ثلاثة مرشحين هم رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي، والقاضي رحيم العگيلي، والنائب فائق الشيخ علي. الأخير له شعبية لدى صفوف المتظاهرين ورحب عدد منهم بترشيحه، واعلن رسميا قبول الترشيح لاكثر من مرة.
الا ان وزير الصدر كما يسموه اتباع التيار الصدري سحب ترشيحه للاسماء الثلاثة بحجة عدم رد المتظاهرين عليه، كما دعا كتلة الصدرية في البرلمان (سائرون) إلى "عدم تبني أي مرشح ولا في القوت الحال ولا لاحقا".
باسم الشعب والتظاهرات.. الصدر يناقض قراره ويرشح علاوي
هذا الموقف لم يستمر طويلا وفقد تبنى الصدر عن طريق الكتلة البرلمانية التابعة له "سائرون" (54 نائبًا من أصل 329 (مرشحا اخر هو الوزير السابق والنائب محمد توفيق علاوي (65 عاما)، وتقديمه بصورة رسمية إلى رئيس الجمهورية باعتباره مرشح الكتلة الأكبر داخل البرلمان في الأول من شهر شباط 2020.
الصدر وصف تكليف رئيس الجمهورية لمحمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة المقبلة بـ"اليوم التاريخي"، وقال الصدر، في بيان: "اليوم سيُسَجّل في تاريخ العراق بأن الشعب هو من اختار رئيسا لوزرائه وليس الكتل (السياسية)، وهذه خطوة جيدة ستتعزز بالمستقبل".
المتظاهرون خرجوا بالآلاف إلى شوارع تؤدي لساحة التحرير وسط بغداد، وعددا من المحافظات حاملين صوراً لمحمد علاوي وقد رسمت إشارة الضرب باللون الأحمر على وجهه في إشارة لرفضهم له ورددوا شعارات مناهضة لترشيحه لمنصب رئاسة مجلس الوزراء.
واستمرت التظاهرات في بغداد والنجف وكربلاء والبصرة وذي قار والمحافظات الاخرى، لكن الصدر اعتبر ان ترشيحه لعلاوي كان باسم الشعب، ودعم ترشيحه مع بعض مكونات قائمة فتح برئاسة زعيم تنظيم بدر هادي العامري.
حاول بعض عناصر الصدر الاعتداء على المتظاهرين الرافضين لعلاوي في بغداد والنجف، ففي ساحة التحرير وسط العاصمة قاموا ذو القبعات الزرق التابعين للصدر بالاعتداء بالضرب على المتظاهرين وطردهم من بناية المطعم التركي المطل على الساحة الذي يعتبر أحد رموز التظاهر.
اما ففي ساحة الصدرين في مركز محافظة النجف حدثت اشتباكات عنيفة اسفرت عن مقتل عدد من المتظاهرين على يد القبعات الزرق.
علاوي ورغم دعم الصدر له فشل من اقناع الفرقاء السياسيين في مجلس النواب وتمرير حكومته، ليعتذر في النهاية عن تكليف لمنصب رئاسة مجلس الوزراء يوم الأول من اذار 2020.
وعقب هذا، أعلنت الرئاسة العراقية في بيان أن رئيس البلاد، برهم صالح، سيبدأ مشاورات لاختيار مرشح بديل خلال فترة 15 يوما، كما ينص الدستور.
وهناك محاولات من ساحات التظاهر لترشيح شخصية لرئاسة الوزراء، ففي يوم 16 شباط 2020، رفع مئات المتظاهرين في النجف والناصرية وبعضهم في بغداد، صور للناشط في الاحتجاجات الدكتور علاء الركابي، وطالبوا بتنصيبه لرئاسة مجلس الوزراء. من جهته الركابي اشترط ان يحصل على تفويض من الساحات ليقبل الترشيح، كما رفع بعض المتظاهرين صورا للواء عبد الوهاب الساعدي وطالبوا بترشيحه لكن الساعدي لم يصدر منه اي موقف بالايجاب او الرفض.
في آخر احصائية قدمتها مفوضية حقوق الانسان في العراق عن حجم الانتهاكات التي تعرض لها المتظاهرين العراقيين والتي وصلت الى 650 قتيل، 25000 جريح، و5000 معاق، من بينهم نساء حسب ما أكدته عضو مفوضية حقوق الانسان في العراق فاتن الحلفي في وقت سابق لـ(كركوك ناو).
ومنذ اليوم الأول من التظاهرات قبل أكثر من خمسة أشهر، ولحد الان يطالب المتظاهرون بتشكيل حكومة مغايرة لسابقتها لتحقيق أحلام الشباب بحياة أفضل ووطن يتسع للجميع، الا ان الكتل السياسية تلتف على مطالب المتظاهرين وتحاول ان تعيد الوجوه الحكومية المعروفة إلى مقاعد السلطة حسب قول المتظاهر إيهاب حسن.