على مدار تأريخ الحكم في اقليم كوردستان لَم تُجرَ أية انتخابات عامة في موعدها القانوني، أقصر مدة تأجيل كانت شهرين، فيما امتدّت أطول فترة تم فيها تأجيل موعد الانتخابات الى 10 سنين.
خلال 28 سنة، نَظَّم اقليم كوردستان ثمانية انتخابات عامة ومباشرة، خمسة منها لانتخاب البرلمان واثنان لمجالس المحافظات وواحدة لانتخاب رئيس الاقليم.
سكان اقليم كوردستان، والبالغ عددهم حوالي ستة ملايين نسمة متوزعين على محافظات أربيل، السليمانية، دهوك وحلبجة، بموجب القوانين المعمولة بها يمتلكون حق التصويت كل أربع سنوات لانتخاب اعضاء البرلمان، مجالس المحافظات ورئيس الاقليم بالاضافة الى مشاركتهم في انتخاب أعضاء البرلمان العراقي.
خمسة دورات برلمانية في اقليم كوردستان
يعود تأريخ أول انتخابات برلمانية في اقليم كوردستان الى شهر آيار من العام 1992، ووفقاَ للقانون الذي سَنَّهُ البرلمان والذي كان في حينه يسمى المجلس الوطني فاِنَّ عمر تلك الدورة البرلمانية كان لثلاث سنين، اِلاّ أنه امتد لعشرة أعوام.
في عام 1995، قُبَيلَ انقضاء الدورة البرلمانية الأولى، مَدَّدَ برلمان كوردستان دورته بسبب الاقتتال الداخلي الذي اندلع بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكوردستاني والذي استمر حتى أواخر عام 1996.
بسبب تداعيات هذا الاقتتال، اضافةً الى عدم مقدرة نصف أعضاء البرلمان في دورته الأولى من الدوام ومزاولة مهامهم، تم تمديد عمره ثلاث مرات، الى أن أُجريَت انتخابات الدورة البرلمانية الثانية في كانون الثاني 2005.
"أحد الأسباب مّرَدُّهُ الى انعدام نظام ديمقراطي راسخ، لأن تأخير الانتخابات غير مسموح به في أي من الدول الديمقراطية" كما يعتقد هوكر جتو، المنسق العام لشبكة شمس لمراقبة الانتخابات.
أحد الأسباب مّرَدُّهُ الى انعدام نظام ديمقراطي راسخ، لأن تأخير الانتخابات غير مسموح به في أي من الدول الديمقراطية
وأوضح هوكر بأن عدم وجود الدستور هي من الأسباب الأخرى التي نتج عنها عدم تثبيت مواعيد اجراء الانتخابات، مشيرا الى أنه "عندما تُجرى العملية الانتخابية وفقا لمصالح الأحزاب فاِنَّ هذه المعضلة ستستمر."
وبحسب هوكر جتو فاِنَّ استمرار تأجيل مواعيد الانتخابات يؤدي الى فقدان الناس لثقتهم بالعملية ومدى تأثيرها في اِحداث التغيير، خصوصاً وان هذا الأمر لم يشمل الانتخابات العامة فقط، بل أوشكت على أن تصبح ظاهرة متكررة. "المسألة في كوردستان متعلقة بِبُنية النظام، حيث لا توجد فيه أحزاب ديمقراطية تتولى ضمان اجراء هذه الأمور في موعدها المحدد" يقول هوكر.
بعد تأجيلٍ دام ستة شهور، أُجريَت انتخابات الدورة البرلمانية الثالثة في تموز 2009، أما الدورة البرلمانية الرابعة فقد تَأَخّر اجراؤها شهرين عن موعدها القانوني، فَنُظِمَت في أيلول 2013، وفي تلك الدورة لم يَعقِد البرلمان اجتماعاته الاعتيادية لمدة عامين، منذ أن منع الحزب الديمقراطي الكردستاني رئيس البرلمان محمد يوسف (عن حركة التغيير) من دخول أربيل والوصول إلى البرلمان قادماً من السليمانية، وذلك على خلفية نشوب خلافات حادة بين الحزبين.
انتخابات الدورة البرلمانية الخامسة تأجَّلَت لعامين عن موعدها المحدد وتم اجراؤها في أيلول 2018 ومن المقرر أن تنتهى الدورة في عام 2022.
في كوردستان فَاِنّ الحِزبَين المُهَيمِنَين يُجريان الانتخابات في الوقت الذي يُلائم مصالحهما
"تُعتَبَر الانتخابات العامل الوحيد للتغيير والديمقراطية في كل دول العالم.. ولكن في كوردستان فَاِنّ الحِزبَين المُهَيمِنَين يُجريان الانتخابات في الوقت الذي يُلائم مصالحهما، .. لم يتركوا أي قيمة للانتخابات" يقول ريان أكرم.
ريان، وهو شاب من السليمانية، يؤكد استياءه من تكرار تأجيل الانتخابات، وتحديد مواعيدها من قِبَل الأحزاب وفقاً لما تقتضيه مصالحهم، "والدليل على ذلك أنهم غير مستعدين لإجراء انتخابات مجالس المحافظات ويغلقون ابواب البرلمان متى ما أرادوا."
مجالس المحافظات، اجراء الانتخابات مرتين خلال 15 عاما
جرت الانتخابات الأولى لمجالس المحافظات في عموم العراق بضمنها اقليم كوردستان في كانون الثاني 2005، عمر تلك الدورة كان حتى 2009، اِلاّ أن انتخابات الدورة الثانية في اقليم كوردستان تأجلت حتي نيسان 2014.
كان من المفروض أن تنتهي الدورة الثانية لمجالس المحافظات في 2018، ولكن بموجب التعديل في كل من قانون انتخابات البرلمان وقانون انتخابات مجالس المحافظات تم تمديد عمر هذه الدورة الى حين اجراء انتخابات جديدة لم يُحَدَّد موعدها بعد.
تقول فيان حيدر، رئيسة منظمة تموز لمراقبة الانتخابات بأن النقطة الأهم هو أن العملية قد تم اجراؤها، ورغم ذلك تشير الى حدوث انتهاكات قانونية، منها عدم اجراء انتخابات مجالس المحافظات.
"المصالح الحزبية كانت عائقا أمام عقد انتخابات مجالس المحافظات،.. استمرار هذا الوضع يرجع الى عدم وجود محكمة فدرالية في كوردستان لكي تتدخل في مثل هكذا أمور، اضافة الى ذلك غياب حركة معارضة قوية لِتُصِرَّ على اجرائها."
وتؤكد فيان "طالبنا بالالتزام بالمواعيد القانونية عديد المرات لأن الانتخابات مقدسة ولا يجوز التلاعب بها."
طالبنا بالالتزام بالمواعيد القانونية عديد المرات لأن الانتخابات مقدسة ولا يجوز التلاعب بها
ويأتي لك في حين تُنَظَّم فيه انتخابات مجالس المحافظات كل أربع سنوات في جميع محافظات العراق ما عدا كركوك.
"أصبحت مواعيد اجراء الانتخابات مثل توقعات الطقس، متى ما رأت السلطة أن الانتخابات تصب في مصلحتها فإنهاٍ تجريها، أم اذا كانت عكس ذلك فإنهاٍ تؤجلها عن طريق تعديل قانون الانتخابات" حسبما يقول زير أحمد.
زير، وهو خريج جامعي يسكن في أربيل، يُصَوِّر الانتخابات كاحتفال جماهيري لا غير، لأنه يرى بأنَّ "أصوات العديد من الناخبين قد حُسِمَت آنفاً، ضف الى ذلك عدم وجود مركز أكاديمي يتولى الرقابة، لكي يتبين للناس الى أي مدى التزمت الأحزاب بتنفيذ وعودها التي اعطتها قبل الانتخابات."
رئاسة الاقليم، بين تصويت الشعب والبرلمان
تحديد واختيار ونظام رئاسة اقليم كوردستان كان منذ البداية من المواضيع الشائكة، الانتخابات الأولى كنت مقررة لانتخاب "القائد العام للحركة التحررية في كوردستان" وأُجريت في عام 1992، غير أنه لم يتم العمل به بسبب نشوب خلافات.
ولم يكن للإقليم رئيس حتى عام 2005، حين تم تشكيل المؤسسة الرئاسية في الاقليم واختيار مسعود البارزاني كأول رئيس للإقليم من قبل البرلمان.
انتخاب الدورة الرئاسية الثانية، والذي تأجل عدة شهور، تم في عام 2009 عن طريق التصويت العام والمباشر.
في عام 2013، مَدّد البرلمان صلاحيات رئيس الاقليم لعامين اضافيين، واستمرت بعد ذلك الخلافات بين الاحزاب السياسية على هذا المنصب ونظام الحكم، الى أن تَخلّى مسعود البارزاني عن منصب رئاسة الاقليم في تشرين الأول 2017، وتم تجميد مؤسسة الرئاسة بعد ذلك بِعام.
ويَرى آرام جمال، رئيس المعهد الكوردي للانتخابات (KIE) بأن التدخلات الحزبية هي السبب الأول وراء التأجيل المتكرر للانتخابات، "اذا رأت أحدى الأحزاب أنها ليست في وضع جيد وليس بإمكانها الفوز بأصوات كافية، فإنها ستَعمَد عن طريق الحكومة ورئاسة الاقليم الى تأجيل العملية الانتخابية."
وكان المعهد الكوردي للانتخابات قد قدم مشروع قانون للدورة الثالثة لبرلمان اقليم كوردستان حول تحديد يوم اجراء الانتخابات البرلمانية، وانتخابات مجالس المحافظات ورئاسة الاقليم، وذلك لكي يكون لإقليم كوردستان تقويما انتخابياً خاصا به مثل كل دول العالم ولوضع حد للخلافات والجدل.
المشروع لم يَلق الاهتمام ويبدو أن آرام جمال يشعر باليأس حيال ذلك، "لا يفعلون ذلك هنا، لأنهم يعلمون اذا تم تحديد موعد الانتخابات فمن الصعب تغييره"، موجِّهاً انتقاداته فيما يتعلق بهذا الأمر للحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني.
يعلمون اذا تم تحديد موعد الانتخابات فمن الصعب تغييره
بعد المفاوضات التي عقدها الحزبان والجهات السياسية الأخرى، تم تفعيل مؤسسة الرئاسة مرة أخرى في 2019 وأُنتِخِبَ نيجيرفان بارزاني رئيساَ ولكن ليس عن طريق التصويت المباشر بل من قبل البرلمان.
وأوضح آرام جمال أنه فيما اِن لم تُجرَ الانتخابات في موعدها المقرر، فسيفقد الباقون في مناصبهم شرعية التمثيل، لأن لهذه الشرعية بداية ونهاية، ومن هذا المنظور سيفقد الناس ثقتهم بالتمثيل."
هل سَتُثَبَّت مواعيد اجراء الانتخابات؟
يربط البعض مسألة تحديد وتثبيت موعد اجراء الانتخابات في اقليم كوردستان بالدستور والتي ظلت على مدار سنين في صيغة مِسوَدّة تفتقر الى توافق الأحزاب، ومن الجانب القانوني فانها بقيت في اطار مقترحات ولم تُحَوَّل الى أفعال.
روزان ابراهيم، عضوة اللجنة القانونية في برلمان اقليم كوردستان تقول بأن اللجنة تَسَلَّمَت عدة مقترحات في اجتماعها مع مفوضية الانتخابات، "احداها اصدار قانون خاص بتحديد موعد اجراء الانتخابات في كوردستان."
"كلنا نرغب في أن تُجرى الانتخابات في موعدها وأن يُطَبَّق القانون، ولكن الوضع في كوردستان وأجزاء أخرى من العراق التي تتواجد فيها مكونات مختلفة قد خلق تأثيرات، من ضمنها التأثير على الناخبين بحيث لم يكن اقبالهم على الانتخابات بالشكل المأمول "تقول روزان، التي تعتقد بأن عدة عوامل تقف وراء الأمر مثل ظهور تنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، الملفات الأمنية وأحداث مؤثرة أخرى.
المفوضية العليا للانتخابات والاستفتاء في اقليم كوردستان، ما عدا انتخابات برلمان العراق، تشرف على مجمل العمليات الانتخابية الأخرى في الاقليم، وهي بحاجة الى ستة شهور لاكمال الاستعدادات بدءا من يوم تحديد موعد الانتخابات.
يقول شيروان زرار، المتحدث باسم المفوضية بأن تثبيت مواعيد الانتخابات من صلاحيات البرلمان، واذا تم تحديد يوم الانتخابات، فان ذلك سيُسهم في وضع حدٍّ التأويل والجدل ويُسَهِّل الاستعدادات اللازمة للانتخابات.
"حين نعلم موعد الانتخابات قبل ذلك بسنة، سيكون بإمكاننا البدء بالاستعدادات وتدقيق سجلات الناخبين."
ويرى زرار أن من الفوائد الأخرى لتحديد موعد الانتخابات، تأمين مستلزمات العملية الانتخابية بحيث تكون أقل كلفة وأكثر جودة، مما سيسهم في انجاح الانتخابات ومنع حدوث التزوير والانتهاكات الأخرى.
المتحدث باسم المفوضية أشار الى أنهم سَلَّموا جُملة مقترحات للبرلمان، من ضمنها تثبيت مواعيد اجراء انتخابات البرلمان، مجالس المحافظات ورئاسة الاقليم.
تأجيل الانتخابات في اقليم كوردستان لم تنحصر على تلك المؤسسات الثلاث، بل شَمِلَت أيضا النقابات، الجمعيات، مؤتمرات الأحزاب، المنظمات، وحتى اختيار ملكات الجمال، دون القيام بخطوات عملية للحد من هذه الظاهرة.