المعتقد السائد هو انه مهما كانت نتائج الانتخابات في كركوك، لن تُحدِثَ أي تغيير في توزيع المناصب العليا ولن تؤدي الى تغييرات ادارية وقانونية. بِعَكس متطلبات الديمقراطية، فَاِنَّ الكلمة الأولى والأخيرة مرهونة بتوافق الأحزاب.
بخلاف جميع محافظات العراق الأخرى، تم تجريد كركوك من حق احداث التغيير عن طريق الانتخابات والخروج من دائرة المحاصصات، في وقت يأمل أكثر من مليون ناخب في المحافظة التوجه الى صناديق الاقتراع بِأمل التغيير.
أُجريَتِ انتخابات مجلس المحافظة مرة واحدة فقط في كركوك وكان ذلك في عام 2005، منذ تلك السنة لم تُجرَ أية عملية مماثلة ويتم ملء المناصب الادارية فيها بالتوافق وبموجب اتفاقات الأحزاب.
كركوك في قانون الانتخابات
وفقاَ لقانون انتخابات مجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018، تشارك كركوك في الانتخابات المقبلة اسوةً بباقي المحافظات العراقية، بعد أن حُرِمَت من المشاركة في العملية لخمسة عشر عاماَ، جراء تصاعد الخلافات بين مكوناتها.
وقد وضع القانون في اطار المادة 35 عدة شروط لإجراء الانتخابات في كركوك وذلك بعد عشرات الاجتماعات التي عقدتها الكُتَل وممثلو مكونات المحافظة في البرلمان العراقي.
تتعلق احدى فقرات المادة 35 بالتنسيق بين مفوضية الانتخابات والوزارات المعنية للتدقيق في سجلات الناخبين والذي أثار اعتراض الاحزاب التركمانية والعربية في كركوك.
وتنص فقرة أخرى على أن مجلس المحافظة يتولى تحديد اجراء يتم بموجبه توزيع المناصب العليا في كركوك، ما عدا المناصب الفدرالية، وتكون هذه المناصب في البداية مخصصة لأبناء المحافظة اذا توافرت فيهم الشروط القانونية، مع مراعاة توزيع المناصب وفق مبدأ التوازن القائم على تقاسم السلطة بين مكونات المحافظة.
فيما تشير أحدى الفقرات الأخرى من المادة الى أن نتائج الانتخابات لا تسفر عن تغييرات ادارية وقانونية متعلقة بمستقبل كركوك.
في التعديل الذي جرى في قانون الانتخابات، قُلِّص عدد المقاعد في كركوك من 41 مقعد الى 14 مقعد، الأمر نفسه طُبق على باقي المحافظات.
حالة عدم الاقتناع بين الناخبين
خلال خمسة عشر سنةٍ مضت، تهيأت فرصة وحيدة لمواطني كركوك لكي يختاروا ممثليهم في مجلس المحافظة، لذا فانهم لا يرغبون أن تكون اصواتهم غير فاعلة.
"بعد عام 2003، (في عراق ما بعد نظام البعث) حتى اليوم لم تشهد كركوك انتخاباتٍ حقيقية، بل تداول فئة سياسية معينة المناصب فيما بينهم غير سانحين المجال للأكاديميين وأصحاب الشهادات العليا وأصحاب الكفاءة لكي يتمكنوا من خدمة الناس" تقول هانا ابراهيم.
هانا (28 سنة) من سكنة كركوك وتعمل كموظفة حكومية، تقول بأن نتائج الانتخابات أصبحت أداة لتناحر المكونات بدل أن تَصُبَّ في خدمتهم، "الفئة التي استطاعت فرض نفسها على أرض الواقع هي التي تولَّت الحكم وليس نتائج الانتخابات"، وتعتقد هانا بأن عدم فعالية الانتخابات جعلتها تفقد الثقة بالعملية الانتخابية.
نتائج الانتخابات أصبحت أداة لتناحر المكونات بدل أن تَصُبَّ في خدمتهم
بحسب الاحصائيات الرسمية لمفوضية الانتخابات، من مجموع أكثر من مليون و600 ألف مواطن في كركوك يحق ل مليون و100 ألف التصويت في الانتخابات.
سالار رابر، وهومن أهالي كركوك ايضاً يقول "بعد اجراء كل عملية انتخابية نستمع الى شريط المحاصصة، ما لا نسمعه أبداً هي النتائج الحقيقية للانتخابات في كركوك، والتي هي مطلب رئيسي لي كناخب."
"اذا لم يكن صوتي ليُغَيّر شيئاً من الواقع، فما قيمته؟"
سالار (37 سنة)، شارك في عدة انتخابات، واحدة منها لانتخاب أعضاء مجلس المحافظة، وكانت له أكثر من مشاركة لانتخاب اعضاء البرلمان، وفي كل عملية انتخابية كان يأمل أن يحدث صوته تغييرا، "لكن ذلك لم يحدث، الوضع في مدينة كركوك بقي على حاله، لأن الصراع التأريخي على هوية كركوك يعيق كل محاولة للتغيير."
محافظة كركوك بأكملها تعتبر منطقة متنازع عليها بين حكومة العراق الفدرالية وحكومة اقليم كوردستان، وحسم مصيرها مرتبط بتطبيق المادة 140 من الدستور العراقي عن طريق ثلاثة مراحل تتضمن تطبيع الأوضاع، التعداد السكاني والاستفتاء.
التغيير وفقاً لنتائج الانتخابات
مثلما أصبح اجراء انتخابات مجلس محافظة كركوك معضلة بين الجهات السياسية ومكوّنات المحافظة، في الوقت نفسه يُعَدُّ توظيف نتائجها لملء المناصب الادارية محلّ خلاف كبير.
"أفضل حلّ لتصحيح أخطاء الماضي يتمثل في اِتِّباع مبدأ التوافق والادارة المشتركة، على الأقل لعشر سنوات، بهذه الطريقة سيشهد الوضع في كركوك من الناحية السياسية، الأمنية، الادارية والاجتماعية هدوءاً واستقراراً لعشر سنوات" بحسب اعتقاد ماردين جوك قايا.
جوك قايا، وهو أحد قياديي الجبهة التركمانية، يرى أن من الفضل توزيع المناصب في كركوك وباقي المناطق المتنازع عليها بالتوافق كما يحدث في تشكيل الحكومة، ويؤيد تشكيل ادارة مشتركة وأن لا يتم توزيع المناصب وفقاً لنتائج الانتخابات.
"أي طريقة أخرى ما عدا هذه الطريقة سيكون مصيرها الفشل" يقول ماردين جوك قايا.
آخر مجلس محافظة في كركوك كان يتألف من 41 عضوا، 26 من قائمة التآخي (كورد)، يليهم التركمان بِكِلا المذهبين الشيعة والسنة بتسعة مقاعد والمكون العربي بستة مقاعد.
من جانبه يؤكد علي قلايي، المسؤول في مركز تنظيمات الاتحاد الوطني الكوردستاني في كركوك بأن الطريقة السلمية الوحيدة لتبوأ السلطة هي الانتخابات، "مع الأسف، هذه الطريقة الديمقراطية لم تشمل جميع مفاصل السلطة لذا من الطبيعي أن لا تعطي نتائج جيدة أحياناً."
الديمقراطية لم تشمل جميع مفاصل السلطة
وأضاف علي قلايي "الانتخابات لم تسهم في احداث التغيير في كركوك، ما رأيناه كان تدوير تقديم الجهات السياسية المتمثلة بمكون معين عمِلَ على ممارسة العملية الديمقراطية، لأن حكومة البعث حرمتهم من هذا الحق من قبل."
في زمن نظام البعث، كانت معظم المفاصل الرئيسية لإدارة كركوك بِيَد المكون العربي، دونما الحاجة لإجراء أية انتخابات. عقب 2003 وحتى العام 2017، وجد الكورد أنفسهم في قمة هرم السلطة التنفيذية.
ناظم الشمري، قيادي في الجبهة العربية الموحدة في كركوك يرى بأنه "اذا أُجريت الانتخابات مرة أخرى فليس من المرجح ان تخلق تغييرا، بل من الممكن أن تشكل خطوة نحونشوء توترات وخلافات أكثر."
باعتقاد الشمري "يخشى أناس كثيرون من الانتخابات، لأنهم فقدوا ثقتهم بها، حيث أن الانتخابات اضافةً الى أنها لم تكن عاملاً للتغيير فقد مَهَّدت ايضا للفساد."
"نحن بحاجة الى بديل، نحتاج سبيلا آخر للإدارة، وذلك لن يتحقق الا من خلال اجراء انتخابات نزيهة وفعالة تحت اشراف الأمم المتحدة، تتمخض عن نتائج مُرضية توافق طموحات الناس" كما اضاف الشمري.
منذ حوالي 3 سنوات، عقب أحداث 16 أكتوبر 2017، عاد منصب المحافظ الى عرب كركوك ، وذلك بعد نشوء الخلافات بين حكومَتَي بغداد وأربيل على خلفية الاستفتاء الخاص باستقلال اقليم كوردستان.
المحاصصة أم صناديق الاقتراع؟
منذ سنوات عدة والمناصب العليا يتم تقاسمها بين المكونات الرئيسية في كركوك، بحيث أوشكت ان تصبح تقليداً متَّبَعاً وراسخاً.
حالياً يتبوأ المكون العربي منصب المحافظ، في المقابل يطالب بالمنصب على أنه من استحقاقهم، فيما يطمح التركمان في تولي المنصب ولو لمرة واحدة.
عندما كان منصب المحافظ من نصيب الكورد، كان مجلس المحافظة يترأسه التركمان ومنصب نائب المحافظ بِيَد المكون العربي.
"كان من المفروض ن يتم تطبيق المادة 140 قبل أي شيء آخر لحل المشاكل السياسية والادارية، وبهذه الطريقة لم نكن بحاجة لمبدأ المحاصصة، بل كانت موازين القوة والمناصب الادارية ستُحسَم على أساس نتائج الانتخابات" يقول علي قلايي.
المسؤول في مركز تنظيمات الاتحاد الوطني الكوردستاني في كركوك عَبَّرَ عن اعتقاده بأن "العراق لم يعط الكورد حقوقهم بالشكل المطلوب في هذه المناطق، لذا لم توفر الانتخابات آلية مُجدية لبسط الاستقرار في هذه المناطق."
وأشار علي قلايي في حديثه الى أنَّ نسبة الكورد في ادارة كركوك هي ما بين 17 و18 بالمئة، التركمان 26 ال 27 بالمئة، أما المكون العربي فيشغل النسبة المتبقية.
وكان الرئيس العراقي الراحل والسكرتير العام للاتحاد الوطني الكوردستاني، جلال الطالباني، قد طرح بُعيد سقوط النظام السابق فكرة توزيع المناصب الإدارية في كركوك على أساس 32% لكل من المكون الكوردي والعربي والتركماني و4% للمكون المسيحي، غير أن هذا المقترح أصبح ايضاً محلّ خلاف.
القيادي في الجبهة التركمانية يؤيد تشكيل ادارة وفق مبدأ المحاصصة لمدة عشر سنوات دون العمل بنتائج الانتخابات، لحين ايجاد آلية أخرى لإدارة المحافظة.
"نرغب في أن يجتمع ممثلو القوميات الرئيسية الثلاث بعد كل عملية انتخابية ليتفقوا على توزيع المناصب، على سبيل المثال، يتولى التركمان منصب المحافظ لفترة معينة، وأن يكون منصب مدير الشرطة من نصيب العرب، من الأفضل أن يُعمَلَ بنتائج الانتخابات للمجالات الخدمية فقط وليس للخارطة السياسية."
وارجَعَ ماردين جوك قايا عدم رغبتهم بالعمل بنتائج الانتخابات الى التلاعب الذي باعتقادهم يحدث في كل عملية وانتخابية، بحيث يكون عائقاَ امام وضوح الثقل الحقيقي للأطراف المشاركة.
تركمان كركوك الذين مُنِحوا منصب رئيس مجلس المحافظة، فشلوا منذ عام 2014 في التوصل الى اتفاق فيما بينهم لتولي المنصب، ونتيجة لذلك شغل الكورد هذا المنصب وكالةً.
يقول ناظم الشمري "الانتخابات لا تستطيع اِحداث التغيير اِن لم تُجرى تحت اشراف الأمم المتحدة ومفوضية مستقلة للانتخابات بعيدة عن تدخل الأحزاب."
ويعتقد القيادي في الجبهة العربية الموحدة في كركوك بأن الوقت قد حان "لصياغة نظام سياسي جديد لإدارة كركوك والحكم في العراق يتماشى مع المتغيرات العالمية والأوضاع في المحافظة."
في الأعوام الماضية، اقترحت الحكومة الفدرالية في أكثر من مناسبة أن تتوصل مكونات كركوك الى اتفاق بخصوص تقاسم السلطة وتشكيل ادارة مشتركة ومتوازنة، الاّ أن الاجتماعات العديدة التي عقدتها الأحزاب الكوردية، العربية والتركمانية لم تتمخض عن أي اتفاق.
الخصوصية القانونية لكركوك
"ما دامت الصراعات السياسية موجودة والاطراف السياسية تفشل في الاتفاق فيما بينها، وان لم يتم وضع حد للتدخلات الخارجية والاقليمية، سيستمر منح وضع خاص لكركوك في القوانين" كما يقول حسين شيخاني، الخبير في مجال الانتخابات.
وأوضح شيخاني بأن الخلافات الحادة حول الانتخابات أدت الى اعطاء وضع خاص لكركوك بصورة مستمرة، مما يَحولُ دون حسم الأمور، على سبيل المثال، "طالَبَ الكورد بأن تُجرى الانتخابات في كركوك مثلما تُجرى في باقي المحافظات، دون أي اختلاف، غير أن هذا الطلب لقي معارضة من قِبَل الأطراف الأخرى."
"الانتخابات لم تتمكن من تحقيق مطالب الناخبين، بسبب وجود مؤشرات على التلاعب بالأصوات، اضافة الى عمليات التزوير، والتي تناقض رغبة وطموح ورؤية الناس للخارطة السياسية للمحافظة."
في العام الماضي، أخذت قضية الانتخابات في كركوك والشروط المتعلقة بالعملية النصيب الأكبر من نقاشات البرلمان العراقي، نظراً لأن رئاسة البرلمان واللجنة القانونية عقدت ما يقرب من عشرة اجتماعات مع ممثلي مكونات المحافظة بهدف الوصول الى تفاهم مشترك.
ريبوار هادي، رئيس لجنة الشؤون القانونية في البرلمان العراقي قال "في بعض الأحيان، تَصُب القوانين في مصلحة جهة معينة ولا تقتنع الجهات الأخرى بها"، ذاكراً قانون الانتخابات البرلمانية كمثال على ذلك، حيث أن الكورد لم يوافق على عدد من موادها، الا أن القانون تم تمريره بأصوات الأغلبية.
في هذا القانون أيضاً تتعلق بعض المشاكل بكركوك، "الحديث يدور حول كم دائرة انتخابية يجب أن تكون في كركوك"، واقتراحات الكورد بهذا الشأن لم تقتنع بها الأطراف الأخرى.
بعد تجاوز الظروف الحالية، كما يقول ريبوار هادي، ستتركز الجهود في البرلمان لتشريع قانون جديد لانتخابات البرلمان، كما سيتم مراجعة قانون انتخابات مجالس المحافظات.
في أواخر عام 2019، قرر البرلمان العراقي حَلّ مجالس المحافظات في العراق من ضمنها مجلس محافظة كركوك والتي كانت نتاج الانتخابات الوحيدة التي أدلى فيها مواطنو كركوك بأصواتهم قبل خمسة عشر عاما، موعد اجراء الانتخابات المقبلة مجهول، مشاكل ادارة المحافظة وتوزيع المناصب تظل من أسخن القضايا والتي يدور حولها جدل كثير لم يثمر عنها أي تفاهم.