منذ انطلاق التظاهرات.. خطف وتهديد يلاحق النشطاء والصحفيين

زينب المشاط

الناشط علي مكدام ترك بغداد، واتخاذ احد فنادق مدينة اربيل منفى له، هرباً من تهديداتٍ تعرض لها خلال تظاهرات تشرين، حاله حال اكثر من 200 ناشط وصحفي تعرضوا للخطف او الاعتقال، وفي احسن أحوال تلقوا التهديد فقط.

مكدام (21 عاما)، بدء نشاطه قبل انطلاق التظاهرات، حيث رفع مع زملاء له اثناء لعبة لكرة القدم بين فريقي الزوراء والشرطة على ارض ملعب الشعب الدولي في بغداد، لافتات تحثّ الجمهور على المشاركة في التظاهرات.

"قررت التحشيد انا واصدقائي للتظاهرات، وابتدئنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي في أيلول الماضي، وبعد دعوتي للجمهور على مدرجات الملعب بدأت التهديدات بالتراشق عليّ." حسب قول مكدام.

وانطلقت تظاهرات مطالبة بمكافحة الفساد المستشري في مفاصل الحكومة وتحسين الظروف المعيشة وإيجاد فرص العمل، في الأول من تشرين الاول لكن واجهت التظاهرات عمليات قمع شديدة، لكن ذلك لم يثني المتظاهرين عن الاستمرار بحراكهم الشعبي.

استمر مكدام ومن معه بالتظاهر، كما عمل حسب قوله على ايصال صوت المتظاهرين من خلال تصريحات ولقاءات حضرها في عدد من القنوات التلفزيونية والوكالات الاجنبية والعربية والمحلية، ولكن في يوم 8 تشرين الاول 2019، عندما رجع الى شقته فوجدها "محطمة"، وكل اثاثها اصبح ركاماً.

"حكايات التهديد لم تنتهي عند ذلك، بل بدأت تصلني عبر هاتفي النقال، واخرى على حسابي الخاص على مواقع التواصل الاجتماعي ما دفعني للهرب في بادي الامر الى اربيل"، هذا ما قاله مكدام.

WhatsApp Image 2020-05-11 at 8.18.58 PM
بغداد، ايلول 2019، رفع لافتة تدعو للمشاركة في التظاهرات في ملعب الشعب، مصدر الصورة علي مكدام

التظاهرات انطلقت في الأول من تشرين الأول 2019، واستمرت لمدة ثمانية أيام وتعرضت لقمع شديد، وتوقفت موقتا لاحياء ذكرى دينية (اربعينية الامام الحسين) لتعود في 25 تشرين الأول وبقت مستمرة لغاية الان.

مع عودة التظاهرات، عاد معها مكدام من اربيل، وقد وفر اقنعة واقية من الغاز المسيل للدموع قام بشرائها من خلال بعض التبرعات التي جمعها للمتظاهرين حين كان يسكن في اقليم كوردستان.

ويقول "منذ 25 تشرين الاول ولمدة شهرين لم اغادر ساحة التحرير، خوفا من احتمالية تعرضي لاعتداءٍ او قتل، ولكن بعدها بدأ الخطر يداهمني داخل الساحة من قبل بعض المندسين من الميليشيات المسلحة، ما دفعني للهرب من بغداد بشكل قطعي ونهائي ومن دون عودة".

منذ 25 تشرين الاول ولمدة شهرين لم اغادر ساحة التحرير خوفا من احتمالية تعرضي لاعتداءٍ او قتل ولكن بعدها بدأ الخطر يداهمني داخل الساحة من قبل بعض المندسين

واضاف "الميليشيات هددت بقتل عائلتي التي تسكن جنوب العراق، والتي اضطررت ايضاً ان اغير محل سكنها بعد ان هددت بتصفيتهم، ومن ثم هاجرت انا لإقليم كوردستان".

200 صحفي وناشط تعرضوا للتهديد

لم يكُن علي مكدام الناشط والصحفي الوحيد الذي تعرض للتهديد بتصفيته منذ احتجاجات تشرين الاول 2019، بل هناك اكثر من "200" ناشط وصحفي تعرضوا للانتهاكات بحسب احصائيةٍ قدمتها (جمعيةُ الدفاع عن حريةِ الصحافة) للفترة ما بين 1/10/ 2019 لغاية 31/1/2020.

وتتضمن الانتهاكات حسب الجمعية "3 شهداء من الصحفيين، 37 حالة تهديد بالقتل والتصفية للاعلاميين والصحفيين والنشطاء، 4 مختطفين، 10 معتقلين، 14 صحفي وناشط مصاب اثناء تغطية الاحتجاجات.

بالإضافة إلى 91 حالة تعرضت للضرب ومنع اداء مهامها كنشطاء وصحفيين او مصورين صحفيين وتعرضوا لعرقلة اداء عملهم، 20 هجمة طالت مؤسسات اعلامية وصحفية، و20 مكتب اعلامي تم اغلاقها."

أوامر قضائية رجعية

اعتقل لاكثر من سبع مرات منذ عام 2003 وحتى الان، ما جعل الاعتقال امراً طبيعياً بالنسبة له، ناشط في ساحات التظاهر علي هاشم، يقول لـ(كركوك ناو)، ان "اعتقالي في تظاهرات تشرين الاول 2019 اختلف عن سابقاته وكان بمثابة اختطاف."

كان علي يتجول بسيارته في مساء 7 تشرين الاول 2019، أوقفه مجموعة من الاشخاص العسكريين متهمينه بأن السيارة التي يستقلها مسروقة، وأنهم من فرقة مكافحة الاجرام، يقول "السبب الذي اعتقلت من اجله كان جنائياً، ولكن بعد تحقيقهم معي اخبروني أن تهمتي هي التحريض على التظاهرات."

وأضاف ان هذا الاعتقال كان اشبه بـ"اختطاف"، فلا وجود لأمر قضائي، كما ان اسرته لم تعلم بمكان تواجده لاكثر من اسبوع من اختفاءه.

ولم يُطلق سراحه إلا بكفالة موظفين حكوميين لا يقل راتبهما عن 500 الف دينار عراقي وبغرامة قدرها 10 ملايين لكل موظف حكومي، لتكون قضيته لاتزال قائمة حتى الان كونه اخرج بكفالة.

لم يتعرض علي للضرب او الاهانة، ولكنه اكد أن "زملائي من المعتقلين تعرضوا لهذه الاعتداءات."

تبين لي أن الامر القضائي للاعتقال يُصدر بشكل رجعي بعد ان يتم اعتقالنا من قبل الجهات الامنية التي لا نعرف من هي حتى الان

ويضيف "لقد تبين لي أن الامر القضائي للاعتقال يُصدر بشكل رجعي بعد ان يتم اعتقالنا من قبل الجهات الامنية التي لا نعرف من هي حتى الان، فالبعض يؤكد انهم من أمن الحشد الشعبي، وآخرين يشيرون الى انهم عناصر من الامن الوطني."

لم ينتهي الامر باعتقال علي هاشم والتحقيق معه فحسب، بل كانت الميليشيات المسلحة دائمة التواجد عند داره والسؤال عنه وتهديده احيانا، غير انه لم يتراجع عن ساحات التظاهر بحسب ما ذكر.

ويقول "الكثير من اصدقائي الذين تعرضوا للاعتقال والانتهاكات والتهديد اختفوا تماماً من بينهم الدكتور ميثم الحلو الذي اعتقل لمدة طويلة جداً، وبعد خروجه اعلن انه اختطف من قبل بعض العصابات مقابل مبلغ مالي إلا ان ذلك غير صحيح، الجميع يعلم ان ميثم الحلو ناشط وتم اعتقاله وتهديده ما دفع به الى الاختفاء تماماً حتى من عيادته الخاصة."

محامون التزموا الكثير من قضايا المعتقلين بسبب التظاهرات، من بينهم شيماء الجابري التي أكدت لـ(كركوك ناو) ان "الاعتقالات اغلبها حصلت من دون امر قضائي، وقد نبنهنا الشباب انه في حال تم اعتقالك لك الحق بالاعتراض لان هذا الاعتقال حصل من دون امر قضائي، فيما بعد بدأت الجهات المعتقلة تصدر امراً قضائياً بتاريخ رجعي بعد اعتقال المتظاهر."

وتشير الجابري ان "أغلب المعتقلين بسبب التظاهرات تعرضوا لانواع بشعة من التعذيب في سبيل الضغط عليهم وتوقيعهم على وثائق يعترفون بها انهم قاموا بعمليات ارهابية."

 التحرير
بغداد، 8 اذار 2020، احتفال عيد المراة في ساحة التحرير، تصوير أحمد المصالحة

النساء لسن استثناء من ذلك

أشكال الهروب اختلفت من قبل النشطاء والصحفيين، بعضهم من تعرض للتهديد بالاعتداء على اسرته، واخرون هددوا بالقتل، وغيرهم نُفذت بهم احكام الاعدام وقتلوا، نسرين اعلامية، اختارت هذا الاسم المستعار للحديث عمّا حصل معها، مع بدايات تظاهرات تشرين الأول.

نسرين تقول لـ (كركوك ناو)، "جهة مقربة مني في الامن الوطني اخبرتني بأن علي مغادرة العراق فوراً لأن حياتي بخطر، حتى أني حاولت الرجوع لاكثر من مرة إلا انهم لم ينصحوني بذلك، فضلاً عن الهجمات التي تعرضت لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي."

جهة مقربة مني في الامن الوطني اخبرتني بأن علي مغادرة العراق فوراً لأن حياتي بخطر

تركت نسرين اطفالها واسرتها، ولجات الى تركيا، لم تعد الى العراق حتى اللحظة، واضطرت الى ايقاف حسابها الخاص عبر فيسبوك لأنها وبحسب روايتها "كلما حاولت نشر شيء في حسابي اتعرض لتهديد ويتصل بي احدهم او يبعث لي برسالة، حتى بعد أن تركت العراق الى تركيا."

نساءٌ كثيرات اعلاميات، صحفيات، وناشطات، لجأن إلى المنفى والسبب هو ان لامكان في الوطن قادر على حمايتهم، هدير القيسي واحدةٌ منهن، فهي ناشطة فاعلة في الحزب الشيوعي العراقي وصحفية.

"بعد الـ30 من تشرين الاول 2019، تعرضت لتهديدات عبر حسابي في فيس بوك، لأني كنت اعلن عن انتقاداتي الواضحة والصريحة للجهات السياسية والدخلاء على العراق من الخارج، كما اني اعتدت الذهاب بل والمبيت في ساحات التظاهر." حسب قول القيسي.

لم يتوقف الامر بتهديدها عبر حسابها في الفيس بوك، تذكر لـ(كركوك ناو) لقد "دخل عدد من الملثمين الى بيتنا، واعتدوا على والدتي واخي بالضرب، وكانوا يبحثون عني في وقتٍ لم اكن متواجدة فيه بالمنزل، بعدها هددوا والدتي بقتلي هذا ما دفعني للذهاب الى تركيا من دون رجعة."

عادت القيسي قبل شهرٍ من الان، إلا انها لم تعد للسكنى في منزل عائلتها، تؤكد أن بعض المسلحين يأتون بين الحين والاخر للسؤال عائلتها عنها سواء في بيتها او بيت خالتها.

واجراء (كركوك ناو) متابعة سابقة بينت حجم الانتهاكات التي تعرض لها المتظاهرين العراقيين والتي وصلت الى 650 قتيل، 25 الف جريح، وخمسة آلاف معاق.

WhatsApp Image 2020-05-11 at 8.36.07 PM
بغداد، نيسان 2020، لافطة تدعو الامم المتحدة لحماية المحتجين في ساحة التحرير، تصوير أحمد المصالحة

ادانة دولية

وأعربت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الانسان في 20 كانون الأول 2019، عن قلقها إزاء استمرار وتيرة الهجمات المميتة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان وملاحقة نشطاء المجتمع المدني والمتظاهرين في العراق.

هذا ودعا تقرير مكتب حقوق الإنسان التابع لبعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة في العراق (يونامي) إلى إجراء تحقيقات فورية ومستقلة في جميع حالات الوفاة المرتبطة بالاحتجاجات منذ الأول من تشرين أول.

كما دعا التقرير إلى اتخاذ خطوات فورية لمنع القتل المتعمد للمدافعين عن حقوق الإنسان، واتخاذ إجراءات فورية لإطلاق سراح المختطفين وإنهاء أي شكل من أشكال الاحتجاز غير القانوني بحقهم.

اعتراف حكومية ومعالجات لم ترى النور

بعد قتل اكثر من اربعة صحفيين، واختطاف عددٍ اخر، خاصة بعد اغتيال مراسل قناة دجلة الفضائية في البصرة أحمد عبد الصمد في 10 كانون الثاني 2020، اعترفت وزارة الداخلية بصورة غير مباشرة بتعرض الناشطين لانتهاكات، ولأن الجهات الامنية وحدها غير قادرة على حمايتهم.

وأعلنت وزارة الداخلية العراقية، وبالتعاون مع نقابة الصحفيين وبتاكيداتٍ من النقيب مؤيد اللامي أن "هناك تنسيق بين النقابة ووزارة الداخلية لمنح رخصة للصحفيين بحمل السلاح، بسبب ما تعرضوا له من انتهاكات، ولأن الجهات الامنية وحدها غير قادرة على حمايتهم."

فيما اكد المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد خالد المحنا قائلاً أن "فكرة حمل السلاح من قبل النشطاء والصحفيين جاءت بعد نقاشات طويلة دارت بين نقابة الصحفيين ووزير الداخلية".

وأضاف ان "هذا لا يعني ان الوزارة لن تستطيع حماية النشطاء والصحفيين الا ان تعزيز الحماية هذا تطلب منا توفير رخصة لهم لحمل السلاح في سبيل حمايتهم اينما كانوا."

بينما لم يُقر حتى الان قانون خاص لحماية الصحفيين في البرلمان العراقي، ويقول رئيس “جمعية الدفاع عن حرية الصحافيين” مصطفى ناصر: " منذ عام 2011، نعمل مع البرلمان وبكافة الطرق من اجل اقرار قانون خاص بحماية الصحفيين، وتعرقلت الخطوات وتأجلت منذ انطلاق تظاهرات تشرين الاول وما تبعها، ما ادى الى بقاء كل شيء معلق."

مكدام وبعد كل هذه الانتهاكات وعدم وجود حماية حكومية للناشطين والصحفيين لا يفكر حاليا بالعودة إلى بغداد حتى يحصل على آمانٍ له ولأسرته، ويعلل ذلك بان دمه "معرض للسفك بأي لحظة."

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT