مخاطر الهجمات وأعمال العنف اِضطَرّت ناجي الكاكائي لمغادرة الأحضان الدافئة لبيته وقريته وأهله صوب حياة النزوح المليئة بالمعاناة، ولكنه لم يَسلم هناك ايضاً مما هرب منه وحدث ما كان يخشاه.
في الساعة التاسعة والنصف من ليلة العاشر من ايار 2020، داهم مسلحون مجهولون الحقول الزراعية التابعة لأسرة ناجي، قتلوا اثنين وأضرموا النار في المحاصيل بالإضافة الى ثلاثة مكائن زراعية.
أتت هذه الحادثة في الوقت الذي تنشغل فيه معظم القوات الأمنية بتنفيذ اجراءات الحد من انتشار وباء كورونا من ضمنها حظر التجوال المفروض منذ منتصف شهر آذار الفائت.
الهجوم وقع في قرية ميخاس في قضاء خانقين (شمال شرقي محافظة ديالى)، وهي المنطقة التي قرر ناجي الكاكائي وعائلته الاستقرار فيها بعد نزوحهم من قرية زنقر في داقوق.
"كان الفلاحون يتناولون العشاء بعد أن أنهوا أعمال الحصاد، حين تسلل المسلحون وبدأوا برشق وابل من النيران مما اسفر عن مقتل فلاحين" حسبما قال ناجي خورشيد الكاكائي لـ(كركوك ناو).
تم العثور على جثتي الفلاحين في صباح اليوم التالي للحادث، وكانتا لكل من برهان حاتم، صهر ناجي الكاكائي وابن اخته نبرد ناصر.
المسلحون الذين ينتمون لتنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، حسبما أشار اليه أهالي القرية، قاموا باطلاق النار لثلاثة ساعات باستخدام الأسلحة القناصة وأسلحة أخرى لمنع أهالي القرية من نجدة الفلاحين، وقد تمكنوا من انقاذ سائق احدى الحاصدات الزراعية قبل أن يقوم المسلحون باضرام النار في المحاصيل والمكائن الزراعية ويلوذوا بالفرار.
أحد أبناء ناجي كان من بين أولئك الذين حاولوا نجدة الفلاحين، غير أن وابل الرصاص أجبره على الابتعاد تاركاً جراره الزراعي وراءه.
"نحن تركنا منازلنا وممتلكاتنا وراءنا في زنقر وجئنا الى خانقين بحثاً عن الأمان، ولكن هنا فقدنا ممتلكاتنا وأرواح ذوينا ايضاً،" هكذا تحدث ناجي الكاكائي لـ(كركوك ناو) أثناء حضور مراسيم عزاء ضحايا الهجوم.
ناجي (68 سنة)، متزوج واب لستة اطفال: أربع بنات وولدين، وهومن السكان الأصليين لقرية زنقر الكاكائية في داقوق (44 كيلومتر جنوب كركوك).
"منذ ظهور داعش، وقعت قرى الكاكائية وبالأخص قرية زنقر عرضةَ لتهديدات التنظيم، كونها أبعد قرية يقطنها أكراد في جنوب قضاء داقوق."
ولفت ناجي الى أن قوات البيشمركة تَوَلَّت حماية المنطقة لمدة طويلة، وحينما قرروا حمل السلاح بأنفسهم دأبوا على حراسة القرية خلال الليل تفادياً لوقوعهم بأيدي الجماعات المسلحة.
"كنا نخشى من أن يحدث لنا ما حدث للايزيديين الذين اختطفوا أوقتلوا من قبل مسلحي داعش، لذا تولينا بأنفسنا حماية القرية، مررنا بأوقات عصيبة وبعد أحداث 16 أكتوبر 2017 ازدادت المخاطر وامتد لهيب الهجمات الى داخل القرية" كما يقول ناجي الكاكائي.
في أكتوبر 2017، اندلعت خلافات حادة بين الحكومة العراقية وحكومة اقليم كوردستان بسبب تداعيات الاستفتاء على استقلال اقليم كوردستان، ونتيجة لذلك انسحبت قوات البيشمركة من داقوق وعدة مناطق أخرى، وحلت محلها قوات الحكومة الفدرالية.
وأشار ناجي الكاكائي الى انه تَعَذَّر حماية المنطقة جراء عدم تواجد قوات كافية، وتصاعدت الهجمات المسلحة م أدى الى نزوح العديد من الأهالي.
كانت اسرة ناجي من ضمن العوائل التي نزحت واستقرت فيما بعد في قرية ميخاس.
"كان ذلك أسوأ يوم في حياتي، تفرق جميع الأخوة والأقرباء عن بعضهم، توجهت كل عائلة صوب منطقة معينة، وتلك كانت المرة الأولى التي نتعرض فيها لمثل هذا الأمر"، هذا ما قاله شفان آزاد، ابن عم ناجي لـ(كركوك ناو).
يقول شفان بأن فترة النزوح كانت من اصعب الفترات التي مرّ بها ابن عمه، كانت البداية مليئة بالتشرد والمعاناة، الى أن وفر له اهالي قرية ميخاس منزلاَ وتمكن بعدها من العودة لمزاولة الزراعة.
لسوء حظ ناجي واسرته، شهد قضاء خانقين خلال الأعوام الثلاث الماضية العديد من الهجمات المسلحة والتي أدت الى اخلاء أكثر من 12 قرية.
خلال فترة النزوح، أُجريت عملية جراحية في القلب لناجي الكاكائي، وتوفي ابنه الأكبر بجلطة قلبية.
" التشرد، العَوَز والهموم لم تفارقنا نحن الكاكائيين" يقول ناجي.
في غضون الشهرين الماضيين والذين تزامنا مع ظهور جائحة كورونا واجراءات حظر التجوال، سُجِّلَت ما لا يقل عن 15 من حوادث العنف التي استهدفت الكاكائيين في مناطق متفرقة من ديالى، كركوك ونينوى، دون ان تعطي أية جهة امنية تطمينات للأهالي.
أدهم حاتم، شقيق أحد ضحايا قرية ميخاس ناشد من خلال (كركوك ناو) الحكومة العراقية وحمومة اقليم كوردستان باعادة البيشمركة الى خانقين ونشر قوات امنية اضافية من اجل استتباب الأمن في المنطقة.
يقطن الكاكائيون في مناطق متفرقة في اقليم كوردستان والعراق، اضافةً الى نينوى، يتواجد الكاكائيون في كل من كركوك، حلبجة، أربيل، خانقين وبعض المناطق الأخرى في ديالى، وبحسب احصائيات غير رسمية يُقَدّر عددهم بحوالي 100 ألف شخص.
في الفترة ما بين أواسط العام 2014 حتى نهاية العام 2017، تعرض الكاكائيون اسوةً بالأقليات الأخرى، مثل التركمان، المسيحيين والايزيديين الى القمع والانتهاكات من قبل تنظيم داعش. لا تزال العديد من العوائل الكاكائية تعيش في حالة النزوح الداخلي، ويشكل الكاكائيون، التركمان، الشبك والايزيديون نسبة 10% من مجموع 787 ألف نازح في العراق.
في الوقت الحاضر يملك ناجي الكاكائي الخيارات التي كانت متاحة له قبل ثلاثة أعوام، فهولا يستطيع الآن العودة الى قريته، ولا يجد السكينة في النزوح.
سواء كانوا في زنقر أوميخاس، فلن يشكل ذلك أي فرق بالنسبة لناجي الذي يقول "أينما كنا فنحن الكاكائيون مُستهدَفون."