"أنا محاضرة منذ عامين، استولوا على جميع أجورنا والآن يريدون منا أن نفتح ابواب المدارس ونبدأ الامتحانات"، هذا ما قالته مادلين حسين، فتاة ايزيدية تداوم كمحاضرة في احدى مدارس ناحية سنوني التابعة لسنجار، مؤكدةً على أن الظلم الذي تعرضت له قد أثر سلبياً عليها وربما لن تقدر أن تُدَرِّس بنفس الجدية التي اعتادتها.
الفساد والظلم الذي يُمارس بحق المحاضرين الايزيديين ليس أقل تأثيراً من فيروس كورونا الذي أصاب قطاع التعليم بالشلل، وذلك بسبب اجراءات حظر التجوال وتعطيل المدارس والذي كان ضحيتها طلاب هذا المكوّن الديني.
القضية بدأت بعد أن كُشِفَ عن اختفاء مليار و98 مليون دينار مخصصة كأجور للمحاضرين المنتسبين لمديرية تربية سنجار التابعة للمديرية العامة لتربية دهوك في حكومة اقليم كوردستان، ونتيجة لذلك حُرِم مئات المحاضرين من مستحقاتهم المالية.
ملف الفساد يعود الى فترة الحرب ضد تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) وسعي الحكومة لإعادة النازحين الى مناطقهم الأصلية، وفي هذا الاطار عَيَّنَت مئات المحاضرين للتدريس في مدارس سنجار.
مادلين حسين، التي تخرجت من معهد المحاسبة في الموصل وخدمت كمحاضرة على مدار عامين، قالت لـ(كركوك ناو) "أكملت دراستي في ظروف صعبة جداً، لكنني لم أستطع ايجاد فرصة عمل، في تلك الفترة كانت المدارس بحاجة ماسة الى محاضرين لذا اخترت هذه الوظيفة وبدأت بالتدريس في مدرسة ابتدائية منذ عامين."
وتابعت قائلةً "خلال هذين العامين كنا ننتظر صرف أجور المحاضرات... لم أكن أمتلك المال لشراء الملابس، مع ذلك واظبت على عملي."
خلال هذين العامين كنا ننتظر صرف أجور المحاضرات... لم أكن أمتلك المال لشراء الملابس
عدد الحصص التدريسية لمادلين كان اربع حصص يومية، أي ما يعادل 300 ألف دينار شهرياً، بالتالي فان الأجور التي كان يجب أن تحصل عليها خلال عامين يفوق ستة ملايين دينار.
هذه المشكلة الجديدة أصبحت عبئاً مضافاً الى تداعيات انتشار فيروس كورونا أضَرَّ بالعملية التعليمية في قضاء سنجار، الموطن التاريخي للايزيديين.
وزارة التربية في حكومة اقليم كوردستان حددت الأول من حزيران المقبل موعداً لبدء الدراسة، وذلك بعد انقضاء أكثر من ثلاثة اشهر على اغلاق المدارس بسبب مخاطر تفشي جائحة كورونا في العراق.
استئناف الدراسة يأتي في وقت يُخيِّم نوع من اليأس على مراكز التعليم في قضاء سنجار جراء قضية الفساد تلك.
سيدو شمو، وهومن اهالي ناحية العياضية في قضاء سنجار ويعمل كمحاضر منذ أربعة اعوام قال لـ(كركوك ناو) "معظم المدارس في مركز قضاء سنجار وناحية سنوني تُدار من قبل المحاضرين، لكنهم رغم ذلك استولوا على أجورنا."
مدارس العراق واقليم كوردستان لم تتمكن بسبب كورونا من اكمال نحو نصف المنهج الدراسي لهذه السنة، في حين يرفض بعض المحاضرين فتح ابواب المدارس.
"نحن مستعدون لاستكمال التدريس وتعويض قسم من المنهج الدراسي للطلاب، حتى اذا صرفوا لنا مبالغ قليلة، لكي نتمكن من تأمين احتياجاتنا اليومية، والا فإننا سنضرب عن الدوام ولن نشارك في الاعداد للامتحانات"، حسبما قال سيدو شمو، الذي كان عاطلا عن العمل خلال فترة حظر التجوال.
نحن مستعدون لاستكمال التدريس وتعويض قسم من المنهج الدراسي للطلاب حتى اذا صرفوا لنا مبالغ قليلة، لكي نتمكن من تأمين احتياجاتنا اليومية
وفقاً لإحصائية نشرتها (كركوك ناو)، يوجد ما لا يقل عن 400 محاضر في مدارس سنجار التابعة لوزارة التربية في حكومة اقليم كوردستان بهدف سد النقص الحاصل في الكوادر التدريسية جراء عدم عودة أعداد كبيرة منهم من مناطق النزوح، لذا في حال قرروا الاضراب، فان العملية التعليمية في المناطق التي يسكنها الايزيديون ستكون عرضة للخطر.
عملية الفساد المقدرة بمليار و98 مليون دينار حدثت في مديرية تربية سنجار التابعة والقسم الأكبر منها يشمل أجور المحاضرين الايزيديين.
حول هذا الملف قال هلز سعيد، عضو لجنة التربية في برلمان اقليم كوردستان قال لـ(كركوك ناو) "المدير السابق لتربية سنجار قام مع أحد اشقائه بالإضافة الى مدير قسم الحسابات، باختلاس مليار و98 مليون دينار مخصصة كأجور للمحاضرين المتطوعين، أثناء الحرب ضد داعش، وتمت احالة الملف الى هيئة النزاهة والتحقيقات مستمرة."
لم يتم التوصل بعد الى مكان تواجد المدير السابق المتهم بالفساد الذي يُعتقد بأنه هاجر الى ألمانيا، الا أن السلطات اعتقلت شقيقه بالإضافة الى مدير قسم الحسابات وشخص آخر.
ميسر حجي صالح، الذي عُيِّن مديراً جديدا لتربية سنجار قال لـ(كركوك ناو) "تم ادراج اسماء محاضرين وهميين، فيما لم تُدفع أجور بعضهم، المدير السابق كان يستلم مخصصات مالية لأسماء وهمية ويستولي عليها."
"ان استطعنا استرجاع تلك الأموال من المدير السابق فسنوزعها على المحاضرين"، حسبما قال ميسر الذي تابع قائلاً "لكن ان لم نتمكن من استرجاع الأموال لن يكون بمقدورنا صرف أجور المحاضرين، لأن حكومة الاقليم تعاني من أزمة مالية حادة."
ان استطعنا استرجاع تلك الأموال من المدير السابق فسنوزعها على المحاضرين
رغم ذلك، اشار الى أن الأولوية ستكون لتعيين المحاضرين بصورة دائمية في حال فتح باب التعيينات. المشكلة شملت فقط المدارس التابعة لوزارة التربية في حكومة اقليم كوردستان.
وكان وزير التربية في حكومة اقليم كوردستان آلان حمه سعيد قد قال في الجلسة التي عقدها برلمان كوردستان بداية هذا الشهر، "بتوجيه من رئيس الوزراء، تصدينا للفساد وقد تم رصد عملية فساد في احدى مديريات التربية التابعة لدهوك في اجور المحاضرين تقدر بمليار و98 مليون دينار"، دون أن يشير الى تعويض المحاضرين المتضررين.
شهاب أحمد، وهو أيضاً من المحاضرين المتطوعين في سنجار طالب حكومة اقليم كوردستان بصرف مبلغ من المال للمحاضرين قبل بدء الامتحانات، لتفادي ضياع السنة الدراسية الحالية للطلاب الايزيديين والنازحين بسبب فيروس كورونا واضراب المحاضرين.
وأضاف شهاب " اذا قاطعنا الامتحانات ستضيع السنة الدراسية للايزيديين والنازحين."