لا يزال منتوج بستان زيتون (إحسان) في بعشيقة وفيراَ كالسابق، حيث تَمكّن بعد جهد جهيد من حصاد محصول الزيتون لهذا العام، ولكن دون أن يجني لحد الآن ديناراً واحداً من بيعه.
تسويق الزيتون الذي قطفه إحسان يحتاج الى سوق نشط والى وجود حركة تجارية بين المدن والمحافظات، وهوما لم يتحقق بسبب اجراءات حظر التجوال المفروضة بسبب فيروس كورونا.
"كورونا وحظر التجوال خلّفَ أضراراَ جسيمة، هذا العام لم أستطع أن ابيع كيلوغراما واحدا من الزيتون، رغم أن انتاج الزيتون في بستاني بلغ أربعة أطنان"، كما قال احسان نون حسن لـ(كركوك ناو).
الأطنان الأربعة من الزيتون الذي أُنتِج في بستان إحسان كانت في السنوات السابقة كفيلة بتأمين 10 ملايين دينار (حوالي 8000 دولار أمريكي) له حيث كان الكيلوغرام الواحد منه يباع بـ 2500 الى 3000 دينار، الاّ أن الركود الذي تشهده الأسواق حالياً خفضت سعر الكيلوغرام الواحد من الزيتون الى 1000 دينار فقط (أقل من دولار واحد)، لذا فإن اجمالي المنتج لن يساوي أكثر من أربعة ملايين دينار (3000 دولار أمريكي).
"ان قمت ببيع الزيتون خلال هذه الفترة لن يُدِرّ عليّ أية أرباح، لذا قمت بحفظ وكبس الزيتون بالماء والملح لخزنه الى حين زوال تداعيات كورونا."
يقع بستان إحسان في ناحية بعشيقة (12 كيلومتر شرقي الموصل)، وهي منطقة غنية بالزيتون ومعظم قاطنيها من الأقلية المسيحية، الايزيدية والشبك يقوم أغلبهم بإنتاج الزيتون.
إحسان نون قضى 30 سنة من عمره بين بساتين الزيتون، منذ ظهور تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) لم يمر بمثل هذا الركود الذي يعاني منه الآن، "مع الأسف، ناحية بعشيقة التي تشتهر بكونها منبع انتاج الزيتون توشك على الاندثار بسبب كورونا ولا أحد يَهبّ لمساعدتنا"، يقول احسان، موجِّهاَ ظُلامته الى الحكومة والمنظمات الانسانية.
تتواصل في بعشيقة ومناطق العراق الأخرى اجراءات حظر التجوال التام والجزئي المفروضة منذ منتصف شهر آذار 2020، بهدف الحد من تفشي وباء كورونا، ما ألحق أضراراً فادحة بأصحاب المشاريع والحِرَف.
"قبل فرض حظر التجوال كنا نعمل معاً في بساتين الزيتون، ولكن زوجي الآن يضطر للذهاب للحقل لوحده، رغم العناء الذي نتكبّده بسبب حظر التجوال وركود السوق، لم نتمكن الا من بيع القليل من محصول الزيتون"، هذا ما قالته خاليدا ميرزا.
وتضيف خاليدا بأنها كانت سابقاً تشارك باستمرار مع نساء وفتيات أخريات في عملية القطاف في بساتين الزيتون بالرغم من واجبات الأمومة التي كانت على عاتقها، "تلك الأيام وَلَّت، كورونا غيرت كل شيء، الآن أُجبرنا على كبس وحفظ أكثر من نصف محصولنا بالماء والملح".
زيتون بعشيقة يعتبر من أجود أصناف الزيتون في العراق، خصوصاً لاستخراج زيت الزيتون، ويمكن حفظه لأكثر من سبع سنين في الماء والملح دون أن يفسد.
شاكر يحيى، مدير شعبة الزراعة في بعشيقة قال لـ(كركوك ناو) "هناك عاملان أثرا كثيراً على نسبة انتاج الزيتون، تداعيات جائحة كورونا واستيراد الزيتون من خارج العراق.
فيما مضى كان زيتون بعشيقة يُصَدَّر الى أغلب محافظات العراق، ولكن التصدير توقف بسبب حظر التجوال وصعوبة التنقل بين المحافظات، "لذا لجأ العديد من المزارعين الى كبس منتوجهم بالماء والملح لحفظه لعدة سنوات أوعلى الأقل لحين رفع حظر التجوال، حيث أن الأسواق حالياً راكدة وأسعار الزيتون منخفضة."
وشدد شاكر يحيى أن شعبة الزراعة في بعشيقة قدمت ما باستطاعتها لتوفير التسهيلات للمزارعين لكي يتمكنوا من الوصول الى بساتينهم خلال فترة حظر التجوال، مشيراً الى أن الحكومة والمنظمات لم تتمكن من ايجاد سبل لتسويق محصول الزيتون، مثل منح القروض لتخفيف أعباء المزارعين.
بعشيقة هي ناحية تابعة لقضاء الموصل بمحافظة نينوى، وتقع على بعد 12 كيلومتر شمال شرق مدينة الموصل. أغلب سكان منطقة بعشيقة البالغ تعدادهم 140 ألف نسمة هم من الشبك، المسيحيين، الايزيديين، من الكورد والعرب وهي أكبر نواحي نينوى من حيث التعداد السكاني، وتشتهر بعشيقة بزراعة الزيتون التي تعتبر من أهم مصادر الدخل لقاطنيها.
يقول سامان ألياس، وهومن أهالي بعشيقة "المشكلة تكمن في أن الحكومة لم تقدم لنا يد العون أثناء حظر التجوال، نواجه العديد من العراقيل أثناء توجهنا الى بساتيننا، هناك العديد من الاحتياجات التي من واجب الحكومة تأمينها، لكنها لم تحرك ساكناً."
وأوضح سامان الياس في حديثه لـ(كركوك ناو) بأنه يملك حالياً 250 شجرة زيتون زرعها بعد عودتهم من النزوح ونهاية تنظيم داعش، حيث أن الحرائق التهمت 500 من أشجار الزيتون التي كانت في بستانه في عام 2014.
وكان تنظيم داعش قد سيطر على بعشيقة في 2014، وخلال العامين الذين كانت الناحية تحت سيطرتهم أحرقوا أعداداً كبيرة من اشجار الزيتون.
من جانبه قال سالم سليم صادق، رئيس جمعية أشجار الزيتون في بعشيقة لـ(كركوك ناو) "لا شك بأن فيروس كورونا وحظر التجوال كان لهما تأثير مباشر على انتاج الزيتون، خصوصاً في مراحل الإرواء والقطف وصولاً الى عملية تسويق المحاصيل."
وتشير احصائية قامت بها الجمعية الى وجود 121 بستان زيتون في بعشيقة تضم 45 ألف و320 شجرة زيتون، حيث يوجد 80 بستان زيتون تضم 25 ألف و750 شجرة في منطقة البحزاني التابعة لناحية بعشيقة، وتنتج الشجرة الواحدة قرابة 60 كيلوغراماً من الزيتون في العام الواحد.
من جهته، قال ذنون يونس يوسف، مدير ناحية بعشيقة لـ(كركوك ناو) "أدرك بأن الناس هنا مستاؤون، وهذا من حقهم، لكننا ايضاً عملنا ما بوسعنا لمساعدتهم ووفرنا التسهيلات لأصحاب بساتين الزيتون خلال حظر التجوال، ذلك أقصى ما باستطاعتنا فعله."
أقليات باشيك لجأت هذا العام الى كبس الزيتون بالماء والملح وحفظه في المخازن، أملاً في انحسار تداعيات جائحة كورونا التي وصلت حالياً ذروتها في العراق، وانتعاش الأسواق، لكي تُدِرَّ عليهم محاصيلهم ما يعوض الجهد والتعب الذي تكبدوه خلال عام.