"الجيل الحاضر يرى في الزي الشعبي التقليدي اسطوانة قديمة أكل عليها الدهر وشرب"، هكذا تعلق عمشة صالح الامرأة التركمانية في عقدها الخمسين من العمر على انحسار الاقبال على الأزياء التراثية التركمانية في قضاء تلعفر (غرب مدينة الموصل).
ويعدّ الزي الشعبي جزءً من هوية كلّ طيف اجتماعي، حيث يرتبط بحضارته وتراثه وعاداته وموروثاته الاجتماعية والاقتصادية والدينية، وبيئته وموقعه الجغرافي، وثقافته، ويعكس صورة ذلك الطيف، رغم العولمة التي محت جوانب كثيرة من الاهتمامات الشعبية.
ولتركمان تلعفر زيهم الذي اندثر منه الشيء الكثير، وبات لبسه يقتصر على المناسبات والاحتفالات، رغم الجمال والبساطة التي يتميز به.
انحياز نحو الزي العربي البدوي
"عدم التزام سكان تلعفر بزيهم الشعبي التقليدي حالة عامة لا تقتصر عليهم وحدهم، بل إن الحداثة في الأزياء قد غزت المجتمعات العراقية بألوانها كافة"، هذا ما يقوله الكاتب رشيد عبد القادر الرشيد.
سكان تلعفر باتوا يقلدون الزي العربي البدوي
لكن ما يميز وضع تلعفر حسب قول الرشيد: "بقية المجتمعات تحيي أزياءها التقليدية في مناسباتها الشعبية والتراثية، إلا أن سكان تلعفر باتوا يقلدون الزي العربي البدوي، الذي تأثر به السكان كثيراً من خلال تشجيع البريطانيين، خلال احتلالهم للمنطقة، على التشبه بالعرب ثم الحكومات المتلاحقة في العهد الملكي وأخيرا نظام صدام والبعث".
وأرجع الرشيد، في حديث لـ(كركوك ناو)، سبب اندثار الزي الشعبي في تلعفر، إلى "عدم إحاطة البعض منهم بتاريخهم القديم والحديث وضعف انتمائهم القومي".
نينوى 2019، الزي الشعبي التركماني في تلعفر في كرنفال اقيم في الموصل، تصوير جعفر التلعفري
ودعا "وسائل الإعلام المحلية إلى الترويج للأزياء التقليدية وإحيائها لا سيما في المناسبات الشعبية مثل خضر الياس وحفلات الطهور والأعراس، كما أنه بالإمكان دعم الخياطين والخياطات من اجل إعادة صناعة هذه الأزياء التراثية".
محمد علي، صاحب متجر للكماليات النسائية، يؤكد لـ(كركوك ناو)، أن "الزي الشعبي لنساء تلعفر يكاد يكون مقتصراً على الأعياد والمناسبات الاجتماعية"، لكنه لفت وقد نتلقى أحياناً طلبات من مناطق مختلفة في العراق وحتى تركيا لتزويدهم بهذا الزي الجميل".
الزي الشعبي لنساء تلعفر يكاد يكون مقتصراً على الأعياد والمناسبات الاجتماعية
وتقع تلعفر شمال غرب العراق، وتبعد عن مدينة الموصل حوالي 70 كم، يقدر عدد سكانها بنحو 220 الف نسمة وتسكنها أغلبية من التركمان.
كيف هو الزي التركماني في تلعفر
يوضح الباحث التركماني أحمد قدوش، أن "أزياء الرجال في تلعفر كانت تشبه أزياء شعوب أسيا الوسطى مع أنها كانت تتميز بـ(أردان)، أما زينة الرأس فهي عبارة طاقية (العرقجين) السميك القماش المزخرف بوحدات تقرب من بعضهاعلى شكل حلزون مكررة أيضا على قطعة القماش الملفوف على الرأس".
أما أزياء نساء تلعفر، فيكشف قدوش أنها"الأزياء السومرية نفسها، وتتكون من ثوب عريض وعليه أكمام طويلةمع قميص داخلي تسمى في تلعفر (اتك)، أما الدشداشة فتسمى (كويناك)، وكانت النساء يلبسن حزاماً عريضاً، وكذلك استعملوا الأحزمة الجلدية".
وتابع في حديثه لـ(كركوك ناو) "كما كانت هناك ملابس أخرىيرتديها الرجال والنساء منها (قته) الرجال و(قته) النساء، كما كان من ملابس الرجال سترة طويلة تشبه (القبوط) تسمى (دمير)، أما لباس القدم (الحذاء) فتسمى في تلعفر (قون كراkun gara) وتعني نص الترجمة في اللغة السومرية (حطة القدم)".
بدوره يشير الباحث الفلكلوري سعيد عباس أوغلو إلى لباس الرأس عند الرجال، فيقول لـ(كركوك ناو): "(بورك) ويكون طويلا ويصنع من لباد الوبر، و(فيس) ويصنع من الصوف المضغوط (کيچه – الکچي) ويكون قصيرا، و(عگال) ویصنع من شعر الماعز (مرعوز قلى)، ويكون أسودا رفيعا ذي الطوية.
أما لباس الرأس لدى المرأة، فيتكون، بحسب الباحث، من "محصب (عصابة) ويصنع من الحرير أو من السنتين وتكون حواشيه مطرزة وملونة بأشكال مختلفة. المحصب أما يكون كبير الحجم تستخدمه النساء والفتيات كغطاء للرأس, أو تكون صغيرا يلف حول الرقبة".
وتابع، "(آبری) التي تصنع من نسيج حريري رقيق مربعة الشكل بطول ضلع القدمين وتكون أما سوداء اللون تستخدمها النساء أو ملونة بألوان زاهية ومزركشة جميلة طريفة في المناسبات تضعها العروس فوق غطاء الرأس، و(چوت) غترة وتصنع من الحرير وتكون مطرزة ذات لون ابيض وبعضها اصفر".
وعبرت عمشة الامراة التركمانية عن اسفها للجوء الشباب إلى الموديلات الحديثة التي لا تمت بصلة لأزياء التركمان الأصيلة وقالت انه "أمر مؤسف حقاً".