محمد ألماس

 عادت موَلوِلةً تقف على ما بقي من منزلها الذي التهمته النيران، عايَنَت أثاث بيتها الذي تحول معظمه الى رماد، بصوت مبحوح و حزين بدأت بالدعاء على من لم يكتفوا بحرمانها من العزلة التي كانت تعيش فيها، بل أجبروها على فراق موطن آبائها و أجدادها.

عظيمة شكور اسماعيل (74 سنة)، كانت بين الفينة و الأخرى تمسح دموعها بطرف حجاب رأسها و تعود لسرد أحداث ذلك اليوم الذي احترق فيه منزلها.

"ذهبت للسوق لساعة واحدة فقط لكي اشتري بعض احتياجات البيت، في أثناء ذلك قام أناس اشرار بإضرام النار في منزلي، حين عدت كانت ألسنة اللهب تتصاعد من منزلي، أحسست بأنهم اضرموا النار في جسدي، و كل ما استطعت فعله هو الصراخ"، هذا ما قالته العمة عظيمة لـ(كركوك ناو).

الحادث وقع يوم الأحد، 23 آب، في قرية عرب كويي في قضاء داقوق (44 كيلومتر جنوبي كركوك).

جميع ذكريات أطفالي كانت بين جدران ذلك البيت لكنهم حرموني منها

العمة عظيمة كانت تعيش لوحدها في ذلك المنزل منذ ثلاث سنوات، بعد أن غادر ابنها، و هما منتسبان في قوات البيشمركة، القرية صوب اقليم كوردستان، و ذلك عقب أحداث 16 أكتوبر 2017، حينما عادت قوات الحكومة الاتحادية الى كركوك نتيجة الخلافات التي نشأت بين بغداد و أربيل بسبب الاستفتاء الخاص باستقلال اقليم كوردستان.

رفضت العمة عظيمة حينها النزوح الى اربيل رفقة ولديها، و آثرت البقاء في الديار.

 خلال الأشهر الماضية التي شهدت تفشي فيروس كورونا و اجراءات حظر التجوال لم يتيسر للعمة عظيمة رؤية أبنائها الا نادراً.

"حياتي كانت عصيبة و مليئة بالوحدة، جميع ذكريات أطفالي كانت بين جدران ذلك البيت لكنهم حرموني منها و أحرقوها في غضون ساعة واحدة."

 لحين وصول فرق الاطفاء، احترق معظم أثاث منزل العمة عظيمة، تحول بعضها الى رماد، كما انهارت جدران غرفتين بفعل الحريق.

الأضرار التي تسبب بها الحريق قُدِّرَت بعدة ملايين دينار.

بينما كانت العمة عظيمة تشير الى ما تبقى من بيتها، كانت تدعو بالموت و تقول "يا ربي، هدم بيت من هدَّمَ بيتي"، بعدها بدأت تبكي و تنتحب و هي تفكر في المصير الذي ينتظرها بعد أن تضطر لمغادرة ديارها.

حالياً، العمة عظيمة باتت نازحة في أربيل و تقيم مع أبنائها، الحريق أجبرها على اخلاء قريتها بعد أن فشل تنظيم داعش و سنين من الصراعات المسلحة و السياسية في اجبارها على ذلك.

قرية عرب كويي و باقي المناطق التي تقطنها الأقلية الكاكائية في داقوق، شهدت مواجهات مسلحة باستمرار، الأحداث الأمنية تصاعدت وتيرتها خلال الأشهر التي تفشت فيها جائحة كورونا و ذلك جراء انشغال القوات الأمنية بتنفيذ الاجراءات الوقائية.

حطم أحدهم زجاج احدى النوافذ الخلفية و بعد دخوله منها اضرم النار في منزلنا

كاوة رفعت، الابن الأكبر للعمة عظيمة و الذي نزح الى أربيل منذ ثلاث سنوات، قال لـ(كركوك ناو) "حطم أحدهم زجاج احدى النوافذ الخلفية و بعد دخوله منها اضرم النار في منزلنا."

القوات الأمنية في داقوق فتحت ملفاً للتحقيق في الحادث بناءً على شكوى تقدمت بها العمة عظيمة، لكن لم يتم اعتقال أي شخص بتهمة اشعال الحريق لحد الآن.

مصدر في القوات الأمنية طلب عدم نشر اسمه، قال لـ(كركوك ناو) "هناك شكوى مسجلة و التحقيقات مستمرة، لكن ليس هناك أي مشتبه به."

سكان قرية عرب كويي مزيج من الكاكائيين و العرب، قبل أحداث 16 أكتوبر 2017 كانت خمسة و سبعون عائلة كاكائية تعيش في هذه القرية بقيت منها الآن أربعة عوائل فقط.

"الحريق الذي نشب في منزلي أغلق علىّ منافذ الحياة، أصبحت نازحة، لم أكن أنوي مغادرة منزلي أبداً، لكن القدر كان يخبأ شيئاَ آخر لي"، حسبما قالت العمة عظيمة.

بعد الحادث، زار آيدن معروف، وزير الاقليم لشؤون المكونات في حكومة اقليم كوردستان عائلة عظيمة شكور في أربيل، لكي يعد تقريراً حول الحادث و يتمكن من ايصال صوتهم الى الحكومة الاتحادية.

كاوة، الابن الأكبر للعمة عظيمة قال "أمي تقيم معي حالياً، وضعها مزرٍ، تقضي معظم وقتها بالبكاء."

تعتقد العمة عظيمة بأن حرق منزلها يتعلق بالنزاعات المستمرة منذ سنوات بين القوميات حول ملكية الأراضي في المنطقة، و التي بقيت دون حل.

بعدما قضت ايامها وحيدة في منزلها بأمل أن يلتم يوماً شملها بأبنائها، انضمت اليهم في النزوح، بعدها و فراقها عن موطن آبائها و أجدادها أضاف الهموم للعمة عظيمة.

الكلب و الدجاجات التي كانت تعتني بهم العمة عظيمة نجوا من الحريق، لكنها الآن بقيت وحيدة في أطلال المنزل دون أن تجد من يعتني بها.